ما وراء الخريطة: التباين الجغرافي في انتشار زواج الأطفال

الرابط المختصر

لطالما كان زواج الأطفال موضوعاً يعتبر محل جدلٍ بما يحتوي من تعقيدٍ ووصمة أخلاقيةٍ ومُجتمعيةٍ داخل الأردن، إلا أن الجهود الجماعية في السنوات الأخيرة تمكنت من اختراق غلاف هذه القضية الحاسمة، مما أدى إلى إحداثِ تغييرٍ حقيقيٍ وملحوظ، وتعرية أسبابه ضمن المزيد من المناقشات والبحوث المتعمقة حول تأثيره على الأفراد والأسر والمجتمع أجمع داخل إطار الأردن. 

الإطار القانوني الأردني 

إن الحد الأدنى للسن القانوني للزواج هو 18 عاماً، وذلك بِحسب ما هو منصوصٌ عليه في المادة (10) قانون الأحوال الشخصية الأردني. ومع ذلك، فإن للقاضي السلطة التقديرية للموافقة على تزويج الطفل/الطفلة ممن أكمل السادسة عشرة من عمره فقط، وذلك عندما يُعتبر هذا الزواج ضرورةً لتحقيق مصلحةٍ أو درء مفسدة، بشرط ضمان رضا وموافقة الزوجين وحرية الاختيار، وما إذا لم يكن هناك  فرقٌ في السن بين الزوجين يزيد عن عشرين سنة، إلى جانب شروطٍ ثانويةٍ أخرى.

الانتشار الجغرافي 

ركزت الجهود السابقة أبحاثها على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية عند دراسة هذه الظاهرة الشائكة، لكنه كان من غير المألوف دراسة واقع زواج الأطفال من خلال عدسة جغرافية. لذلك، أجرت منظمة بلان إنترناشيونال بحثاً أولياً لبرنامج (هي تقود)، تم فيه تخصيص قسمٍ لتقييم الاختلافات والتوزيعات في انتشار زواج الأطفال عبر المحافظات (الشمالية والوسطى والجنوبية). وتم تضمين 1019 مشارك من الأردنيين والسوريين في عينة البحث غير المتجانسة، موزعين على النحو التالي: 342 مشارك من المحافظات الشمالية،  342 مشارك من المحافظات الوسطى، و 335 مشارك من المحافظات الجنوبية.

عندما تم سؤال المشاركين في البحث عن العمر الذي تزوجوا فيه، أجاب 57% من المشاركين أنهم تزوجوا قبل أن يبلغوا الثامنة عشر عاماً -  72% منهم أردنيين و 28% سوريين مقابل 99% إناث و1% ذكور كان  من الكرك. 

ماذا تخبرنا الأرقام؟ 

يسلط هذا البحث الضوء على التباين الواسع داخل الدولة في مستويات زواج الأطفال في جميع أنحاء الأردن؛ كانت الطفيلة وعمان أعلى نسبة من الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً، في حين كانت جرش هي الأدنى.

عادةً ما يُعزى التباين في المحافظات الأردنية إلى الدوافع الاجتماعية والاقتصادية خلف ذلك، مثل السياق المجتمعي والأعراف الاجتماعية والمعتقدات للمجتمعات المحلية داخل كل محافظة. ومع ذلك، تُخفي الأرقام ممارساتٍ معيّنة بين المحافظات، عادة ما يتم الاحتفاظ بها تحت الطاولة، لكونها تساعد الناس على تجنب أي عقباتٍ قد تمنعهم من المضي قدماً في خططهم تلك.

وفقاً لعدد من الخبراء القانونيين، فإن "السلطة التقديرية للقاضي" و"ضرورة تحقيق المصلحة" هي مصطلحاتٌ قانونيةٌ فضفاضة تترك مجالاً لتفسيراتٍ مختلفة من القُضاة، وبالتالي فهي تستند إلى تطبيق القاضي الشخصي، مما يترك ثغراتٍ قانونيةً يستغلها الوصاة القانونيون عندما يريدون تزويج أطفالهم قبل بلوغهم السن القانوني. 

التهرب الجغرافي...

تم تداول العديد من القضايا، كان فيها أحد الزوجين تحت السن القانوني، مما دفع القضاة -وفقاً لتقديرهم- إلى رفض الزواج. ولكن، التصميم المطلق على الاستمرار في خطط الزواج، جعل الأهل يصطحبون الزوجين إلى محكمةٍ شرعيةٍ مختلفة في محافظةٍ أخرى، حيث يمكن للقاضي أن يقبل بزواجهما. تخبرنا إيمي داوود من الحركة النسوية الأردنية: "للأسف، نشهد حالاتٍ متكررة من هذا النوع، وعلى الرغم من أن الحالات التي يتم فيها رفض تزويج الطفلات في عمان قليلةٌ جداً، إلا أنه غالباً ما يجدون طريقةً للالتفاف على ذلك من خلال اللجوء إلى قُضاةٍ مختلفين في المحافظات الأخرى، وفي الحالات الأكثر يأساً قد يتم اللجوء إلى البلدان المجاورة. في أحيانٍ أخرى يكون البديل المتاح للأهل هو شيخ القرية، والذي يقوم بِدوره بِنوعٍ من الخِداع، عبر تزويج أطفالٍ تقلّ أعمارهم عن ستة عشرعاماً -غالبا في سن الثانية عشرة- ثم يقوم الشيخ بتوثيق الزيجات في المحكمة بعد بلوغهم سن السادسة عشرة".

وعندما سُئلتْ عن السبب الذي قد يجعل القضاة في المحافظات يوافقون على تزويج نفس الأشخاص الذين يرفض القضاةُ الآخرون تزويجهم، أجابت: "القضاة عادة ما يكونون متساهلين مع المجتمعات التي يأتون منها، ويتأثرون بعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم. ولكن، قد يوافق القاضي استناداً إلى الحقيقة غير المُعلَنة بأن بعض الأسر ستزوّج بناتها عن طريق الشيوخ دون وثائق من المحكمة، وهو ما تترتب عليه عواقب مُفزِعة في حالات الوفاة، الولادة، الطلاق، تسجيل الأطفال والنسب، إلخ".  

وفقًا للأخصائية القانونية في مجال الوصول إلى العدالة في مؤسسة تير دي زوم - فرح اسحاقات، فإنه يوجد زيادة ملحوظة في زواج الأطفال. تقول: "عند النظر إلى اختلاف العادات في المجتمع السوري الشقيق، فإن لديهم عُرف يسمى بـ(زواج الشيخ)  والذي تتزوج فيه الفتاة بمجرد بلوغها من غير تثبيت الزواج في المحاكم ، وعادة ما تتراوح أعمار الفتيات بين 13 و 15 عاماً. لِكون الحالات أقل من العمر القانوني المسموح به في الأردن، ولأن إتمام مراسم الزواج يُعتَبَر خارج نطاق الإجراءات القانونية، فإنه يتم اعتبار الزواج جريمة يُعاقب عليها القانون، وقد تصل عقوبة هذا الزواج إلى الحبس من شهر إلى ثلاثة شهور أو بغرامة قدرها 1000 دينار أردني. وبالتالي، فإنهم يلجأون إلى تجنب تسجيل عقود الزواج والامتناع عن إصدار دفاتر العائلة، فينتج عن الزواج أطفالٌ غير مسجلين وبدون شهادات ميلادٍ أو أيّة وثائق قانونية أخرى، مما يحرمهم من امن التمتع بأهم الحقوق المتعلقة بالصحة، التعليم، الحصول على هوية و شهادة ميلاد".

في حين أن عقوبة هذا الزواج هي غرامة قدرها 1000 دينار أردني وسجن من شهر إلى ثلاثة أشهر، فـ"غالبا ما تتجنب السلطات تطبيق عقوبة الحبس، إذْ تكتفي بعقوبة الغرامة، وفي حالاتٍ أخرى يتم إصدار عفو، فيتم إعفاؤهم من الغرامة أيضاً، وكل ذلك من أجل تقنين الأمور وتشجيع الناس في مثل هذه المواقف على تصديق الزواج وإصدار أوراق ثبوتية للأطفال".

هذا له تداعياتٌ أوسع على قراءات وتصنيف الأرقام، إذْ إن الحجّة والخطاب القائل بأن محافظاتٍ معينة لديها معدلاتٌ عالية بسبب معاييرها المجتمعية أو نقص التعليم أو الفقر، أصبح غير كافٍ اليوم. 

كيف يمكن التغلب على هذا التهرب؟ 

يجب على الجهات المسؤولة بذل المزيد من الجهود لِمُعالجة الثغرات القانونية التي تجعل من الممكن السماح لهذه الزيجات ضمن نطاق القانون، وإنفاذ السياسات بشكلٍ أكثر اتساقاً في جميع المحافظات، مع زيادة الوعي بهذه الممارسة بين القضاة.

ختاماً، إنّ التحليل الجغرافي المعتاد في البرامج التنموية لن يعكس ظاهرة زواج الأطفال بشكلٍ صحيح، لأن له بُعدٌ مخفيٌّ تحت الأسطح، وعليه، يجب الحديث بشكلٍ رسميٍّ وواضح في التدخلات والبرامج الجديدة والسياسات والأنظمة حول العلاقة بين الخصائص الجغرافية وما يحدث من مراوغةٍ وخِداعٍ وتستّرٍ في المجتمعات المحلية.