مع التطور السريع للتكنولوجيا في حياتنا يبدو أن دور الحكومات وشركات الاتصال في اتخاذ القرارات أصبح يؤثر على حياة المواطن العادي كما أصبح هناك تأثير سلبي لقرارات حكومية يتم فرضها على القطاع الخاص تحت مبررات غير صحيحة.
أليس من الأفضل أن يتم نقاش بعض القرارات بصورة واسعة ومشاركة المواطنين والمتخصصين قبل اتخاذ قرارات قد تكون لمصالح ضيقة وليست بالضرورة للمصلحة العامة. ويبقى السؤال المهمة من هي الجهة التي تحدد المصلحة العامة للشعب والدولة وهل من الصحيح والعدل أن تتخذ الحكومات قرارت هامة دون إشراك شريحة واسعة من المواطنين.
الحكومة الأردنية اتخذت قرارا قبل عدة أشهر وخلال إضراب سائقي الشاحنات بمنع تطبيق تيك توك من توفيره للمواطنين. طبعا التطبيق متوفر في الأردن ولكن فقط لمن لهم القدرة على الارتباط بشبكات الإنترنت عالميا أو ما يعرف VPN.
والسؤال هنا هل من مصلحة الأردن والأردنيين حجب تطبيق مجاني يوفر للمستخدم وبصورة بسيطة وسريعة القدرة على الاستفادة من ملايين الفيديوهات منها الترفيهي ومنها التعليمي ومنها السياحي ومنها كيفية عمل أمور صعبة بطرق مبسطة وتعلم لغات والتعرف على حضارات كل ذلك بصورة مجانية. طبعا لا شك أن هناك نسبة كبيرة من تلك الفيديوهات بغير هدف أو فائدة اجتماعية ولكن ذلك موجود على كل التطبيقات ولماذا فقط حجب تطبيق تيك توك.
البعض يقول ان السبب امني على اساس ان التطبيق صيني الصنع ومن الممكن أن يتم استخدامه للتجسس على المستخدمين. طبعا هذه حجة يتم تسويقها من قبل أمريكا التي تشن حرب اقتصادية مع الصين تشمل ليس فقط تيك توك ولكن أيضا شبكة هواوي وغيرها من المنتجات الصينية تحت نفس المبرر غير المثبت. والاثبات ان التيك توك ليس خطر على الدولة الاردنية هو أنه لا يوجد تشريعا أو تعميما رسميا يمنع المواطنين ويعاقبهم من الوصول الى تطبيق تيك توك عبر ال VPN. فلو شكل خطرا على الأمن القومي لكان من المفترض أن يتم منع أي مواطن من استخدامه. الغريب ان الحكومة الامريكية التي تسمح لاستخدام تيك توك تمنع فقط تنزيله على الاجهزة الحكومية وتعرض على تيك توك امكانية الغاء هذا القرار لو وافقت تيك توك بيع التطبيق لمستثمر امريكي؟؟؟
الامر الآخر الغريب هو قيام شركات الاتصال الخلوية في الأردن بمنع الاستخدام الصوتي voice over IP لتطبيق واتساب ذات الشعبية العالية مما يمنع مستخدمو الواتساب مثلا من استخدام هواتفهم الخلوية لإجراء اتصال هاتفي عبر واتساب. فلماذا يتم منع استخدام هذه الميزة على تطبيق واتساب اب في الاردن فقط في حين يمكن إجراء اتصال هاتفي عبر باقي التطبيقات مثل ماسنجر وسكايب وسيجنال وتلغرام.
هيئة تنظيم قطاع الاتصالات تقول إن القرار خاص ب شركات الهواتف الخلوية وهو رد غير منطقي لأن هيئة التنظيم تقوم بوضع شروط مختلفة مقابلة توفير الاحتكار لثلاث شركات خلوية في الاردن فقط فهل من المنطق انها لا تستطيع ان تطلب ان يتم فتح الواتس اب للمكالمات؟ وهل الأمر له علاقة في الرسوم الباهظة على الامتياز والذي يضعف قدرة المرخص لتلك الشركات من وضع امر مثل هذا علما أنه كما أوضحنا سابقا الخدمة متوفرة على كافة التطبيقات الأخرى وملايين المكالمات تحدث على تلك التطبيقات فما هو المنطق من حجبها فقط عن تطبيق واحد.
لقد كانت الأردن من الرواد في مجال الإنتاج الرقمي في المجال الفني والتعليمي وغيره والتي تشكل مصدر هام من الدخل القومي الأردني ولكن المنتجين المحليين غير مشمولين في أي نقاش حول تلك الأمور. فمن المعروف أن 75 % من الانتاج الإلكتروني عبر الإنترنت باللغة العربية مصدره الاردن فهل من المنطق ان قرارات ذات أهمية حول استخدام التطبيقات يتم اتخاذه في غرف مغلقة ودون اي نقاش او حوار مع ممثلي الشعب أو مع المختصين.
لا شك أن لكل دولة سيادة. والقرارات ذات مصلحة عليا هي من صلب عمل الدول ونابع عن سيادتها ولكن من المهم أن تكون القرارات مدروسة من كافة الأشخاص والخبراء ذوي العلاقة. لقد آن الاوان لتشكيل جسم يمثل شريحة واسعة من المواطنين ذات اهتمام في الأمور التقنية كي يكون مرجع ومنبر للمناقشة الجادة والصريحة قبل اتخاذ قرارات مهمة مثل حجب تطبيق موقع مهم مثل تيك توك ومنع الاتصال عبر واتساب او وضع شروط تضر بامكانية المنافسة الحقيقية للمواطن والمستثمر في مجال التك
نولوجيا.