ما حملته عين الأم الصحفية في غزة بغياب الحماية

الرابط المختصر

"ليلة أول رمضان قضيناها بكا أنا وأولادي.. حاولت أحبس دموعي كان نفسنا نزين بيتنا امشي بالجندي المجهول في الرمال والقعدة ع بحر غزة.. طبعا كل شي اشتاق له تدمر.." على أزيز طائرات استطلاع الاحتلال بسماء غزة بدأت تسرد لي الصحفية  اسراء البحيصي أجمل ما تشتاقه وما شهدته من مصاب الناس ومصابها في غزة، بعد مرور ستة أشهر من القصف المتواصل، كأم لأربعة أطفال حملت على عاتقها مواصلة رسالتها بنقل مشاهد القصف المروعة ليراها العالم، أطراف الناس في الشوارع، دماء الشهداء وعويل الأمهات، مباني مردومة وأحياء تلفها أحزمة نارية. 

تتنفس بعمق لبرهة لتعود لما قبل 7 اكتوبر تصف الحالة الاقتصادي بالمنتعشة أما عن حالها المعيشي فتقول:" أولادي ملتحقين بمدارس خاصة، وضعي كان جيد، يعني أنا بعد 19 عام من العمل تمكنت من أشتري شقة في حي الرمال واشريت بيت قبل اسبوع من الحرب" ولا تجد البحيصي ما ينقص غزة ذلك الحين سوى فرص للشباب ومصالحة فلسطينية.

ما بعد التاريخ قلبت حياتها كما حياة الغزيين رأسا على عقب، عند إعلان قوات الاحتلال عن إخلاء المربعات السكنية ومحاصرة الأحزمة النارية البنايات ، تقول " كان أكثر شيء قلقانه منه، لأنه طلعت الحرب إنه تطلع من بيتك أكثر من إنه تنقتل، الحرب إنه تطلع من بيتك مغصوب ومجبور" ظنت لوهلة أن الأمر سينتهي، لكنها فوجئت بوصول الأمم المتحدة خرائط للنزوح، فحصلت من أحد الموظفين على إحداها. حزمت ملابس أطفالها، وودعت أولادها وزوجها إلى بيت أهلها بدير البلح، لتواصل  عملها في مستشفى الشفاء قبل أن تنتقل لمكان آخر فيما بعد، وعن سبب مواصلة عملها تعلل البحيصي:" أنا بصراحة ما بقدر أسيب هذه رسالتي وشغلي ضروري،حتى أوصل صوتهم للعالم، حتى ما يتشردوا بصمت،.. حتى ما يجوعوا بصمت.." لم تكن وحدها في وجه الحرب، تقول "كان كثير صحفيين استشهدوا، من بينهم أمهات لكن معظمهم استشهدوا مع ابناءهم" .

تلك الصحفيات أشار لهن تقرير للجنة حماية الصحفيين أنه وحتى 14 آذار من هذا العام 2024م تعرض الصحفيين لاعتداءات متعددة وتهديدات وهجمات إلكترونية، وقتل أفراد الأسرة، كما أكدت تحقيقات اللجنة أن ما لا يقل عن 95 صحفيا وعاملا إعلاميا كانوا من بين أكثر من 31,000 قتيل منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر كان من بينهم  13 صحفية من غزة.

الأحداث المتسارعة وجرائم الإبادة التي يقترفها المحتل يوميا، أثقلت الحياة على الغزيين فباتت كل الأوقات عصيبة  في رحلة النزوح،  فالآثار النفسية  لمقتل الصحفيين  لم ترافق البحيصي فحسب، بل امتدت لأطفالها تصف أحد المشاهد " كان ابني الصغير عندي يخبي الدرع لما أطلع.. صار فيهم  هيك بعد التهديد بحق كثير صحفيين قصفت بيوتهم". 

أما خبر تدمير بيتها  وإصرارها على رؤيته، فراكم الصدمات لترى ألعاب أطفالها بالركام ، رسخ لديها يقين أن التوثيق بالكامير كصحفي يختلف،  بدت الصورة لها كأم مؤلمة تصف ما أفزعها بالقول " مشهد إنه سرير ابني يكون عليه صاروخ إنه لو كان ابني هون شو كان صار فيه، وكل ملابس أولادي مولعة فيها شظايا حارقة" 

وعندما  ضاع أحد أولادها من ذوي الاحتياجات الخاصة، بدأت تفكر بإخراج أطفالها من غزة لولا أن عسرها المال  إذ يتوجب أن يتوفر لديها ما لا يقل عن 25 ألف دولار.

وجدت  البحيصي من  يخفف آثر الصدمة على أطفالها فهم بأحضان الجدة، فاندفعت لمواساة ومساعدة من فقدوا أهاليهم، حتى أطلق  عليها "أم الأطفال"،مبادرة البحيصي واحدة من  المبادرات الفردية أدارها صحفيون وممن تبقى من نشطاء وآخرين من منظمة أطباء العالم في غزة ببعض المناطق، بعد أن توقفت  خدمات الصحة النفسية وفق  منظمة أطباء العالم  ما أنذر بإطالة أمد الصدمات النفسية  والندوب سيما على الأطفال والنساء وكبار السن ممن فقدوا أحباءهم وخوف مما شهدوه من تدمير منازلهم، أكدت المنظمة أن البدء بالعلاج يتطلب وقفا فوريا لإطلاق النار، ودخول آمن للخدمات، كي لا يحرموا  حقهم  في الصحة النفسية كحق أساسي من حقوق الإنسان.

وبحسب البحيصي زادت معاناة الناس بعدما تمخضت الحرب على ما تصفه بـ "تجار الدم"، فهناك  تجارة خيم المساعدات والرواتب، تقول  " الناس مش قادرة  تروح ع البنك تأخذ فلوسها، ففي محلات تعطيك الراتب لكن تخصم عليك تعمل نسبة حددوا نسبة من راسهم" ناهيك عن الحوالات الموجه للناس من الخارج، واخفاء المواد الغذائية وعرضها بأوقات معينة بأسعار مضاعفة.

تعلق البحيصي على  سبب ثبات الناس لتقول:" العالم ينظر للفلسطيني  إنه إحنا إسطورة، لأ.. إحنا فعلا ما بدنا نترك أرضنا، لكن إحنا لسنا خارقين، إحنا ما عندنا خيارات غير الصمود. لأنه مافي أرض ممكن تحسي فيها بكرامتك قد بلدك".

لا تعلم بعد ما الذي ينتظرهم في الأيام القادمة، أيظل العالم عاجزا عن وقف الحرب، وكيف تبتلع لقمة مغموسة بالقهر أمام الترويع اليومي وندرة الخدامات ؟!

أضف تعليقك