ما الظروف التي يواجهها العاملون بمهنة الإسكافي؟

تعد مهنة الإسكافي من المهن المهددة بالزوال وقد قل عدد العاملين فيها خلال السنوات الماضية، الأمر يعود لأسباب، أهمها: إقبال الناس على شراء الأحذية الصينية زهيدة الثمن، وارتفاع أجور المحلات وكلف المواد الأولية المستخدمة في تصليح الأحذية.

 

يقول عاملون في سوق الإسكافية بمحافظة إربد، في حديثهم إلى "المرصد العمّالي الأردني"، إن أكثر من 15 محلاً لتصليح الأحذية أغلقت أبوابها خلال السنوات الأخيرة، وكان يعمل بها عشرات العمّال، وتُشكل مصدر دخل رئيس لهم ولأسرهم.

 

عند المرور في سوق الإسكافية بإربد، تجده جالساً أمام المحل على كرسيه المربع يلتفت يمنة ويسرة، لعل أحدهم يأتي ويصلح حذاءه، أحمد الشيخ الملقب بـ"أبو حديد"، يستهل حديثه لـ"المرصد العمّالي" بعبارة "الناس بطلت تصلّح".

 

يذهب أبو حديد إلى عمله كل يوم مشياً على الأقدام، "السوق يبعد عن منزلي عدة أمتار، وهذا خفف عني دفع أجور التنقل من وإلى العمل"، ويبدأ العمل من العاشرة صباحاً وحتى الثامنة مساءاً، "بعض العاملين يبدأون من الثامنة والنصف صباحاً، وجميعنا نعطل يوم الجمعة".

 

منذ أكثر من 15 عاما تخذ هذا العمل مهنة له وصارت مصدر دخله، ففي عام 2005م، وبعد أن أكمل الثانوية العامة ذهب إلى المدينة الصناعية ليتعلم المهنة، "منذ صغري وأنا أحب الجلديات".

 

في البداية بقي يتدرب لمدة عامين، وبعدها تنقل من محل إلى آخر، إلى أن أصبح اليوم "معلم في المهنة" على حد تعبيره.

 

يؤكد أبو حديد لـ"المرصد العمّالي"، أن أوضاع العاملين في المهنة صعبة للغاية، "إدخال البضاعة الصينية على الأسواق أثر سلباً على عملنا بنسبة 75 بالمئة، وأصبح الناس يتجهون إلى الأحذية الصينية الرخيصة ولما تخرب يكبّوها".

 

ويوضح أن أكثر من 15 محل أغلقت خلال السنوات الماضية، "كان يعمل معي عاملان اثنان، والآن أعمل وحدي، منذ سنوات أصبح من الصعب الاستمرار في المهنة وقلّ عدد العاملين فيها، وبعضهم توجه للعمل في تجارة الأحذية الصينية". 

 

ويلفت إلى أن أجور المحلات والمواد الأولية المستخدمة في تصليح الأحذية ارتفعت بشكل كبير، "تراكمت أجرة المحل بمقدار ألف دينار، وبعض المواد الأولية سابقاً كانت لا تجاوز الدينار، والآن أصبحت ثلاثة دنانير وأكثر، إذا أراد الشخص إصلاح حذائه يكلفه نحو خمسة دنانير".

 

ويبين أن الحركة في المناسبات والأعياد تعتبر موسماً لا بأس به، وأن عملهم يعتمد على قرى إربد ومرتبط بشكل كبير بحركة المواصلات العامة، "طالما المواصلات مستمرة يأتي الناس من القرى ليصلحوا أحذيتهم". 

 

أما أبو أنس، الذي كان يعمل بالمهنة، وهجرها بعد أن وجدها "لا تغني من جوع".على حد تعبيره لـ"المرصد العمّالي"، فاتجه للعمل في بيع الأحذية الصينية.  

 

يقول إن العمل بالمهنة سابقاً كان مجديا اقتصاديا، وعندما دخلت البضاعة الصينية إلى الأسواق تغير كل شي، وقضت على المهنة بالكامل، "الناس كانت تأتي إلى السوق ويصلحون أحذيتهم في المحلات، والآن أدرك الناس أن شراء حذاء صيني أقل تكلفة عليهم من إصلاحه".

 

ويوضح أن مهنة تصليح الأحذية كانت تُشكل مصدر دخل جيد لثلاثة وأربعة عمّال في المحل الواحد، ويحصل العامل على أجر بمقدار 15 دينارا يومياً، وصافي الربح 70 دينارا في اليوم الواحد، "حاليا يعمل شخص واحد بالمحل ويا دوب يحصل أجره".

 

رئيس غرفة تجارة إربد، محمد الشوحة، بيّن أن عدد محلات تصليح الأحذية المسجلة في غرفة إربد هو فقط عشرون محلاً، وأن عدد العاملين فيها يُقارب الـ 40 عاملاً.

 

ويشير إلى أن رسوم ترخيص هذه المهنة في الغرفة لا يجاوز 20 دينارا سنويا، غير أن "رسوم ترخيص البلدية يقارب الـ 50 دينارا سنويا". 

 

وفي حديثه إلى "المرصد العمّالي"، يقول إن العاملين في المهنة لا يعتمدون فقط على تصليح الأحذية، وإنما على تصليح الحقائب وأي شيء مصنوع من الجلد والكتان.

 

ويبين أن دور الغرفة يكمن في مساعدتهم وشمولهم بالخدمات التجارية التي تقدمها الغرفة، من رعاية مصالحهم والدفاع عن حقوقهم، وشمولهم بصندوق تكافل وصندوق الطوارئ والمركز الطبي ومركز التدريب.

 

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي، حسام عايش، إن المهنة تتعرض للخروج من السوق، رغم أنها تسد حاجة مهمة لشرائح اجتماعية، وتحاول إصلاح ما يُنتعَل توفيرا للتكلفة بالنظر إلى محدودية الدخل.

 

ويرى أنه من المفيد توثيق المهن وإعادة إنتاجها بإضافة بعض التكنولوجيا أو تحسين مهارات العاملين، "هناك الكثير من أشباه هذه المهنة، ما يشكل جزءا من المنظومة الاجتماعية والاقتصادية، التي في حال إعادة إحيائها والمحافظة عليها تكون مشاريع صغيرة توفر عملا ودخلا جيّد لأصحابها".

 

ويؤكد أن أصحاب المهنة بحاجة إلى دعم الجهات المعنية، واستعمال أدوات جديدة توفر الوقت والجهد للعاملين فيها، ودعم فكرة التدوير وتقليل الهدر ولو على مستوى أولي؛ لما توفره المهنة من حماية أسر من العوز وتسديد مصاريفهم المعيشية.

 

ومهنة الإسكافي ضمن 42 مهنة خطرة في الأردن، وفق تصنيف المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لعام 2021

 

ويعرّف قانون الضمان الاجتماعي، المهن الخطرة، بأنها "المهن التي تؤدي إلى الإضرار بصحة أو حياة المؤمن عليه نتيجة تعرّضه لعوامل أو ظروف خطرة في بيئة العمل على الرغم من تطبيق شروط ومعايير السلامة والصحة المهنيّة".

 

ماكنة تصليح الأحذية التي يعمل عليها أبو حديد، مكونة من جهاز سريع جداً ومركب عليه إبَر مصنوعة من الفولاذ، و"من الممكن التعرض في أي وقت لإصابة أثناء العمل".

 

وهو تعرض لأكثر من ثلاث إصابات خلال سنوات عمله الماضية، "كل مرة تدخل الإبرة في يدي لا أستطيع إزالتها بنفسي، إلا بإجراء عملية جراحية في المستشفى".

 

ولا يرى أن الاشتراك في الضمان الاجتماعي مجدٍ، فالإشتراكات الشهرية للضمان مرتفعة، ولا يستطيع تحمل أعباء مالية إضافية، "لا أعتقد أن الضمان ينفعني في ظل الأوضاع الصعبة، غير أن التأمين والضمان من الله". 

أضف تعليقك