ما أهمية منطقة الأغوار المُهدّدة بالضم إلى إسرائيل؟

الرابط المختصر

بعد سنوات طويلة من الاستغلال الإسرائيلي لمياه ومراعي منطقة الأغوار، يبدو أن الوقت قد حان إلى مرحلة استغلال أكبر تتعلق بمصير نتنياهو السياسي، إذ تعهد بإعلان السيادة الإسرائيلية الكاملة على منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، إذا ما تم انتخابه وتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة، وهذا على ما يبدو بتنسيق كامل وخفي مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

 

هذه المادة تُبيّن أهمية منطقة الأغوار المُهدّدة بالضم إلى “إسرائيل”، وتشرح تداعيات ذلك على المستوى الإقليمي والدولي.

 

تُعرف الأغوار على أنها المنطقة الواقعة بين بيسان حتى شمال البحر الميت وصولًا إلى منطقة عين جدي جنوبًا، إذ كانت تحت السيادة الأردنية حتى عام 1967، ثم خضعت كل المنطقة إلى السيادة الإسرائيلية.

وتمتد الأغوار على مساحة 860 ألف دونم، وطولها 70 كم، أما عرضها يتراوح ما بين 15 – 25 كم، وتنخفض عن سطح البحر من 270 حتى 400 متر عند منطقة البحر الميت. 

أمّا في مجال الزراعة، تتمتع الأغوار بمناخ مناسب وموارد مائية ضخمة، ما جذب المستوطنات الإسرائيلية إلى استغلال هذه المميزات، من خلال زراعة التمور والعنب والتوابل التي يتم تصديرها إلى الأسواق العالمية المختلفة. 

 

ما يُميّز منطقة الأغوار هي وفرة المياه، لذلك حفرت “إسرائيل” على مرّ السنين العديد من الآبار في مخالفة صريحة للقانون الدولي، وضخّت منها حوالي 33.9 مليون متر مكعب إلى غور الأردن، وتعتبر هذه الكميات ضئيلة إذا ما تمت مقارنتها بالكميات المشتركة التي تمنع “إسرائيل” الفلسطينيين من الوصول إليها. 

أمّا على المستوى الديموغرافي، تعتبر أريحا أكبر مدينة فلسطينية، وتضم قرى عدّة منها: بردلة، وعين البيضا، وزبيدات، ومرج نعجة، وفصايل، وعوجا، وجفيلتك، إضافة للكثير من التجمعات الفلسطينية، إذ يسكن المنطقة  C أو ج حوالي 15 ألف فلسطيني، وذلك لا يشمل سكان أريحا. (تشير التقديرات إلى أن هناك 47 ألف يسكنون منطقة الأغوار)

 

ويوجد في منطقة الأغوار مجلسين استيطانيين: مجلس “معاليه إفرايم” المحلي والمجلس الإقليمي غور الأردن، وتبلغ مساحة مجلس غور الأردن الإقليمي 840 ألف دونم، بينما “معاليه إفرايم” هي مستوطنة تضم 1800 شخص.

كما تحتوي المنطقة على 21 مستوطنة تضم أكثر من خمسة آلاف مستوطن، يعمل معظمهم في الزراعة (4)، وتنتمي هذه المستوطنات إلى جماعات استيطانية عدة. 

 

بدأ الاستيطان في الأغوار عام 1968، وتم دمجه ضمن العمل العسكري من أجل التصدي لتسلل الفدائيين القادمين من الأردن، وتعرف هذه الفترة التي استمرت حتى مطلع السبعينات بالمرحلة الاستيطانية الأولى، ثم توسّعت الحركة الاستيطانية عام 1970 ووصلت إلى جبال الأغوار، ثم تلتها المرحلة الثالثة التي بدأت عام 1975 والمستمرة حتى الوقت الحالي، إذ تمثلت بإنشاء مستوطنات على طول طريق الأغوار. (ما يعرف إسرائيليًا بشارع 90) 

 

الدوافع الأمنية

 تبنّت خطة ألون مبدأ العزل الأمني من خلال السيادة الإسرائيلية في غور الأردن وذلك لتجّنب تواصل إقليمي عربي من إيران إلى كفر سابا في أي تسوية سياسية مستقبلية، كما أن المملكة الأردنية تدرك مصلحتها الواضحة في تطبيق السيادة الإسرائيلية على الغور، لأنها تمكنهم من الحصول على إمكانيات تحكم وإشراف ومراقبة أفضل على الحدود، بسبب الوجود الإسرائيلي الذي يحدُّ من التسلل وعمليات التهريب.

ويبدو أن الملك عبد الله ومسؤولين آخرين في الحكومة الهاشمية يدركون أهمية السيادة الإسرائيلية على الأغوار، حتى لو أن ذلك بشكل غير علني، وبالنظر إلى أن حوالي 70 % من سكان الأردن هم من الفلسطينيين، يمكن افتراض أن الجانب الأردني يفهم هوية المصلحة المشتركة. (6)

(يحاول التقرير الإشارة إلى خوف الأردن من نشوء كيان فلسطيني على أراضيها يمتد حتى الضفة الغربية مرورًا بالأغوار)

كما أن لغور الأردن أهمية كبيرة اكتسبها من الحدود الطبيعية، ما يسمح بتشكيل عمق إستراتيجي، وهذا مهم لنشر القوات وإزالة التهديد من الشريط الساحلي، حيث يتركز معظم سكان وصناعة “إسرائيل”، وتزداد أهمية هذا العمق الاستراتيجي مع عصر الصواريخ الباليستية والصواريخ بعيدة المدى التي تهدد المراكز السكنية والمدنية.

ويحد غور الأردن سلسلة من التلال بها خمسة معابر، يمكن أن يناور الجيش المعادي عبرها، ولذلك من السهل حماية أي معبر من أي عدو خارجي هناك.

ليس هذا فحسب، فأهمية منطقة الأغوار تتضمن أيضًا ضمان منع التلاحم الفلسطيني، لأن السيادة الإسرائيلية في غور الأردن لن تُمكّن الفلسطينيين من تكوين كيان واحد، ويعتبر ذلك أحد أهم الشروط التي وضعتها “إسرائيل” من أجل الموافقة على حلّ الدولتين. (7)

الدوافع الاقتصادية

تجعل الأراضي الخصبة والمناخ الجيّد من الأغوار المكان الأمثل لزراعة شتى أنواع المزروعات التي تُصدّر إلى الخارج، ما يُساهم في تحصيل أرباح وعوائد مالية للخزينة الإسرائيلية، ومن أبرز هذه المزروعات: التمور التي يصدّر منها 80%، والعنب الذي يصدّر 70%، والفلفل الذي يصدّر 40%، كما تسيطر الأراضي الزراعية الإسرائيلية في الأغوار على 35 ألف دونم، وتقدّر الأرباح التي يجنيها قطاع الزراعة من الأغوار بحوالي 500 مليون شيكل. 

 

“دون غور الأردن لا يوجد مستقبل للاقتصاد الفلسطيني”، كان هذا موقف الفلسطينيين من القمة التي عقدها نتنياهو والسيسي والملك عبد الله في العقبة بمبادرة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي حينها، وتعتبر أراضي غور الأردن الأراضي الشاغرة الوحيدة للتوسّع السكاني في الضفة الغربية، لا سيما أن منحدرات الأغوار ملائمة لإقامة مدينة فلسطينية جديدة مثل مستوطنة معاليه أدوميم الممتدة من القدس حتى البحر الميت.

 

وظهر هذا الموقف سابقًا في خطة سلام فيّاض للسلام، إذ تشكّل الأغوار مكانًا للتوسّع السكّاني في الضفة الغربية وحلًا لمشكلة تكدّس الفلسطينيين في مناطق سكنية مكتظة في الضفة، وكذلك يمكن أن تكون حلًا للاجئين الراغبين بالعودة إلى فلسطين عوضًا عن العودة إلى قراهم التي هجّروا منها.

 

في ظل ذلك، يمكن استصلاح الأراضي الزراعية وتصدير المنتجات إلى دول الخليج وإنشاء مطار فلسطيني يُساهم في تطوير السياحة الفلسطينية، ومن خلاله يمكن استقطاب السياح المسيحيين والمسلمين القادمين لزيارة المسجد الأقصى من إندونيسيا وماليزيا والدول العربية.

 

وتشمل الخطط الفلسطينية للغور منتجعات سياحية في البحر الميت، وصناعة كيميائية، ومعالجة المنتجات الزراعية، كما سيتم تزويده بالكهرباء من حقل الغاز الكبير المكتشف على ساحل غزة والمياه المحلاة القادمة من غزة أو من “إسرائيل”، أو من مشروع خط أنابيب المياه من خليج إيلات إلى البحر الميت، حيث يتشارك في ذلك الفلسطينيون و”إسرائيل” والأردن. 

الموقف الإسرائيلي

 في خطاب رابين الأخير في الكنيست الذي بيّن فيه رؤياه فيما يتعلق بحدود “إسرائيل”، كان غور الأردن من أبرز النقاط التي تطرق لها، إذ قال حينها: “الحدود الأمنية لحماية دولة إسرائيل ستوضع في غور الأردن، بكل ما تحمل الكلمة من معنى”، وهذا يعني أن خط الدفاع يجب أن يشمل المنحدرات الشرقية للجبل، التي تُشكل عقبة طبوغرافية شديدة ضد مجموعة واسعة من التهديدات المحتملة من الشرق. 

 

ولم تختلف هذه النظرة مع الجيل السياسي الإسرائيلي الحالي، إذ وضع إسحاق هرتسوغ خطة النقاط العشر التي جاءت عقب قمة سرية عقدها جون كيري مع ملك الأردن عبد الله والسيسي ونتنياهو لبحث خطة سلام جديدة، وقال إن خطته هدفها حفظ الدماء في المنطقة والذهاب إلى حل الدولتين.

وتمثّل أبرز ما جاء في الخطة بوقف الاستيطان في مناطق “ج” ضمن الضفة الغربية، وإعطاء الفلسطينيين سيادة مدنية هناك لإتاحة حلّ الدولتين، بالمقابل يتعهد الفلسطينيون بوقف العمليات ضدّ “إسرائيل”، والعمل على مصالحة داخلية وإعلان دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، ومواصلة الجيش الإسرائيلي العمل في الضفة الغربية حتى نهر الأردن وحول قطاع غزة، ويستمرّ عمل التنسيق الأمني.

أمّا عضو الكنيست عوزي ديّان، وهو أحد أشد المتحمسين لضم الأغوار، قال عقب تصريح نتنياهو حول ضم المنطقة: “من المهم جدًا أن نُرسّم حدودنا الشرقية، ليس على المستوى الأمني فقط بل على المستوى السياسي أيضًا”.

وأضاف ديّان أن الأغوار تعتبر بمثابة البديل الاستراتيجي المهم الذي يُمكن “إسرائيل” من حماية منشآتها الصناعية والسكانية الحالية المتمركزة على الشواطئ، مؤكدًا أن أهمية تصريح نتنياهو تكمن في أنه يدعو إلى الضم وليس الانسحاب من منطقة على عكس ما كان يحصل منذ بدء ما يسمى عملية السلام، وهذا في ظل ظروف إقليمية عالمية في صالح “إسرائيل”، تتمثل بالعلاقة الجيدة مع دول عربية، وبدعم ترامب الكبير . (12)

كما أن غانتس ورفاقه في حزب كاحول لافان سعداء بمقترح نتنياهو لأنه يطابق مقترحهم، وصرّح موشي بوجي يعالون “أذكر أن نتنياهو كان قد قبل عام 2014 بخطة جون كيري، التي اقتضت إخلاء المستوطنات في غور الأردن وفرض وجود عسكري بين شارع 90 ونهر الأردن لفترة مؤقتة بين 3-5 سنوات، ومن أوقف نتنياهو كان أنا، نتنياهو يدرك أن وقته قد ولّى وهو مستعد لفرض سيادة على القمر فقط من أجل النجاة، نتنياهو يفهم جيّدا أن وقته قد ولّى”. 

من جهتها، وفي تغريدة ملحقة بمقطع قصير أشادت شاكيد، رئيسة حزب “يمينا”، بنتنياهو على تصريحه وتبينه خطاب السيادة، وتمنت أن لا يكون ذلك فقط  تصريح ما قبل الانتخابات، وقالت في النهاية إن المقياس هو العمل. (14)

بينما هاجم المعسكر الديموقراطي برئاسة ايهود باراك نتنياهو بعد التصريح وقالوا: “كل خطوة أحادية الجانب للضمّ تضرّ بأمن “إسرائيل” وتمنع تجدّد المفاوضات لتسوية سياسية، الغريب أن المتهم بالفساد محتال وخائن للأمانة يذكر في سياق دراماتيكي قبل أسبوع من الانتخابات، مجددا نتنياهو يفرط بأمور جدية على مذبح النجاة الفردي، كما كل وعد فارغ لنتنياهو يصرح به تحت الحذر”.

الموقف الأميركي

قال أعضاء بارزون في الليكود إن هناك تنسيق ما مع الرئيس ترامب فيما يخص ضمّ غور الأردن (16)، إذ أوضح عوزي ديّان أن “قرار مجلس الأمن رقم 242 لا يتطلب الانسحاب إلى حدود عام 1967 ولكن إلى حدود معروفة وآمنة، لقد اعترفت الولايات المتحدة بهذا الحق، وبالنسبة للأردن فإن السيطرة الإسرائيلية على الأغوار تشكل مصلحة أمنية، والسؤال هو بالضبط ما هي تلك الحدود؟ هذا ما نريد تحديده الآن. “.

وفي وقت سابق من عام 2019، في شهر يونيو/حزيران زار جون بولتون مستشار الأمن السابق غور الأردن برفقة نتنياهو والسفير الأمريكي دافيد فريدمان، وخلال هذه الزيارة شرح نتنياهو الأهمية الأمنية القصوى لضمّ غور الأردن إلى “إسرائيل”، ووعده بولتون بأن يوصل هذه الرسالة إلى ترامب لما اعتبره منطقة جغرافية مهمة لأمن “إسرائيل”. رغم ذلك، شكلت استقالة جون بولتون من البيت الأبيض خسارة بالنسبة إلى نتنياهو، حيث كان أهم ثروة إستراتيجية في البيت الأبيض بالنسبة إلى “إسرائيل” وهو من يقول “نعم” لكل طلب أو نزوة إسرائيلية، وكان قد أعلن عن استقالة بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده نتنياهو وصرّح فيه عن ضمّ غور الأردن.

وقال مسؤولون سياسيون إن نتنياهو طلب من ترامب الاعتراف بغور الأردن لصالح “إسرائيل”، على غرار الاعتراف بالجولان، إلا أن ترامب رفض، ما دفع بولتون إلى الضغط عليه فتمت إقالته، ولكن لا يوجد ما يثبت صحة هذه المعلومة أو ينفيها حتى اللحظة. 

بذات الشأن، صرح مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض عقب إعلان نتنياهو ضم غور الأردن وشمال البحر الميت للقناة 13 أنه: “لا يوجد تغيير في موقف البيت الأبيض من الضفة الغربية وغور الأردن في هذا الوقت، سننشر خطة السلام بعد الانتخابات في “إسرائيل” وسنعمل على إيجاد أفضل طريق لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”.

العسّاس