مارسيل خليفة يرثي جريس سماوي

كتب الموسيقار اللبناني مارسيل خليفة عن فقدانه لصديقه وزير الثقافة الاسبق والشاعر جريس سماوي.

 

خليفة كتب:

 

‏"في طريق السراب"

 

لي من هواي مع " جريس سماوي " حصّة في القلب.

 

أطلق الجنون من جنونه ومضى الى شقائه وحيداً.

 

يسكنني بعد رحيله مثل دمي.

 

كنت أمزح من دون أن أدري في تلك الرحلة وانا أرتلّ من "رقصته" يقين غدٍ أراه يخرج أو يطل ّ ممّا تهدّم:

 

" علميني الرقص قلت

 

لما لا أجابت

 

ضع يديك هنا

 

هذه حول خصري

 

وتلك هنا في يدي

 

وامشي مثلي

 

تنقل كما يفعل الظبي قالت

 

نقل معي قدميك

 

وانا سأطير كالفراشة

 

أرقص حولك

 

دع الروح ترقص

 

وأحلم وأطر وانعتق عليّ

 

الى فوق حلّق تألق

 

دع الروح ترقص "

 

سأدرب حروفي يا صديقي على التذكّر.

 

كم كان للهواء نافذة ليستقر في صدورنا ويبدّد زفرات الرحلة في النهار الحار.

 

نجوم شاردة على صدر سماء منخفضة نقطفها من الغروب المدمّى على دروب الشمس

 

"وعلى قدر النجوم تكون السماء"

 

ثمّة نجمة في الصباح وثمّة ضوء يهب من الجبل وثمّة جبل يهبّ من الليل .

 

هل نستطيع أن نعيد الصورة نفسها الى عناصرها الأولى ؟!

 

ونحن ننظر في هذا الليل ، لم نبصر إلاّ آخر الليل !

 

إلى أين يأخذنا هذا الليل الذي يمر كإيمائة .

 

كلب شارد، يعوي ويقضم الأرض ويقصر عمر الليل.

 

شجر ينبت بين الصخور ويعلو ليمشطه الريح.

 

نِسْرٌ يفرد جناحيه ليطير ويحملنا الى رأس جبل "هارون "

 

نمشي في الطرقات الوعرة لساعات يرافقنا " حمار " ودود . "يشهنق" بصوت جهوري كلما حلا له ذلك فيردّد الوادي صدى صوته عالياً .

 

صديقنا الحمار - الهفاف يتآلف معنا يأكل ويشرب ويمارس لطفاً غرائزياً ونظهر له لطفاً إنسانياً. وهو يمارسه وهو يرانا ويعرفنا أكثر ممّا نعرفه . وصبر الحمار على الانسان أكبر من صبر أيوب على الله.

 

وكم كان الدرب طويلاً لنتعلّم المشي العسير . وكلما ضاقت الطرق كانت تبدو لنا في الأفق سراب .

 

ورفيق الدرب الطويل " جريس " الجميل الذي يفتي في الموسيقى والأدب والشعر والفلسفة والأسطورة والتاريخ والجغرافية وصولاً إلى أصغر ذَرَّة في الكون ، ينخرط طوال الرحلة في الدفاع عن الفراشات التي تنشر أشرعتها على بحر النور لتنام على درب الأردن.

 

لا شيء غير صمت يفيض على تلك الارض ، يحمل الخيال إلى آخر المستحيل.

 

لم يبدأ شيء حتى ينتهي .

 

المسافة هباء .

 

إلى اللقاء جريس سماوي

أضف تعليقك