ماذا يعني غياب "الصحفيات" عن مجلس نقابتهن؟

الرابط المختصر

سجلت نقابة الصحافيين الأردنيين، مؤخرا، انتخابات طاحنة بين ثلاثة مترشحين، أحدهم سيدة، لمنصب رئيس النقابة، إلا أن المفارقة كانت بعد صدور النتائج وخلو هيئة المجلس من أي صحفية تقف سدا منيعا بوجه أي قرار لا يمثل تطلعات الصحفيات، كما حدث سابقا. 

مطلع عام 2021، وبعد مرور عام كامل على جائحة كورونا تفاجئت مجموعة من الصحفيات بوقف إشراك أزواجهن وأولادهن بالتأمين الصحي ودون سابق إنذار، الأمر الذي دفعهن إلى إصدار بيان في نيسان الماضي يعبرن فيه عن رفضهن قرار النقابة. 

واعتبرت الصحفيات أن وقف التأمين الصحي على أزواجهن وأولادهن فوق ال18 عام، جاء متأخرا، قائلين في البيان " لم يتم تنبيهنا في وقت سابق لغايات ترتيب أوضاعنا بالاشتراك في شبكات تأمين صحي  أخرى، فمن المعلوم إن شركات التأمين تنفذ عقودها بداية العام ونهايته. 

لم تمر هذه الحادثة مرور الكرام على الصحفية عهود محسن، التي اعتبرت أن "ليس هناك من يمثل حاجات النساء على الصعيد المهني والنقابي، لذلك شعرت أني ممكن أكون ممثلة عن زميلاتي"، فقررت الترشح لعضوية نقابة الصحفيين. 

وفي حديثها لمعدي التقرير، اعتبرت محسن أن هناك الكثير من الحوادث التي مرت على الصحفيات ولم يتم التعامل معها بأسلوب "النقابي اللائق"، كما وصفته محسن.

"ما حدا كان يسمع صوتنا، ما حدا عم يعرف شو الأوجاع التي نعاني منها، مثل الرواتب المتأخرة لدى، والبطالة، وظروف العمل غير اللائقة، هذا كله لا يصل للمجلس النقابي"، تقول محسن. 

يتجه العالم اليوم إلى المزيد من إشراك النساء في الإدارات العليا، على اعتبار أن التنوع بين الجنسين بقود إلى التنوع في المهارات والكفاءات وتمثيل العاملات في المنشآت، الأمر الذي يجعل آداء الأعمال التجارية أفضل، كما أظهر تقرير منظمة العمل الدولية عام 2019. 

 

تجارب الصحفيات النقابية محصورة في العضوية 

وفي السياق الأردني، يعتقد خالد القضاة، عضو نقابة الصحفيين الأردنيين الحالي، أن قضية خلو المجلس من النساء حملت أكثر من طاقتها، وأن هناك محاولات للنيل من الجسم النقابي والصحفي.  

مشيرا إلى أن أغلب المؤسسات الدولية تعتمد على الزميلات كمندوبات لهن في الأردن أكثر من الزملاء، ليس على أساس جندري بل على أساس كفاءة، ما يعني أن للزميلة المجتهدة تستطيع أن تأخذ مكانها ولا يعيقها أنها أنثى.

ويؤكد القضاة أن وجود النساء في المجلس النقابي مهم لأن هناك قضايا تعنى بالزميلات أكثر من الزملاء وهن أكثر قدرة على التعامل معها، مستدركا حديثه بأن "عادة لا يكون هناك أي تخاذل في اتجاه معالجة أي قضية تخص النساء". 

تخالف رنا حدا، مرشحة سابقة لعضوية النقابة، في رأيها القضاة وتؤكد على ما جاءت به عهود محسن، إذ أخدت قرار الترشح لسببين رئيسين: الأول تعامل النقابة مع المرأة تحديدا، وتذكر من جديد قضية التأمين الصحي، "نحن بأزمة كورونا، وعند أمس الحاجة للتأمين الصحي تبلغنا أنه أزاوجنا برا التأمين الصحفي كصحفيات. 

تسنتكر حداد ما جرى، وتصفه بـ"المستفز"، قائلة: أن كل ما يتعلق بالدفع يوجد فيه مساواة بين الرجل والمرأة وحين يتعلق الأمر بالحقوق نحرم منها، "سنوات الخدمة نفسها، نفس الرسوم بندفع" وفي المحصلة لا نأخذ كافة حقوقنا. 

 

 

بعد جمود الانتخابات النقابية، كسرت نقابة الصحفيين في نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر حاجز ممارسة العمل النقابي الأمثل، ليسجل الصحفيين أعلى نسبة اقتراع منذ سنوات طويلة وصلت إلى 90%. 

وفاز بموقع نقيب الصحفيين الأردنيين الصحفي راكان السعايدة بعد حصوله على 321 صوتا من أصل  899 صوتا، وجاء بالمركز الثاني في منافسة موقع النقيب الصحفي طارق المومني وحصل على 301 وبالمركز الثالث الصحفية فلحة بريزات التي حصلت على 277 صوتا. 

 

وفي هذا السياق، أوصت دراسة أعدها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بعنوان "سلامة المرأة في العمل" يضرورة رفع القيود عن التنظيم النقابي، من منطلق تأمين العمل اللائق للعاملات والعاملين، فهو أداة هامة وأساسية لتمكين العاملات من تحسين شروط عملهن. 

 

كان لفلحة بريزات، مرشحة لموقع رئيس النقابة، رأي آخر في ترشحها، إذ رأت وزملائها في القائمة أن تجارب الصحفيات ظلت محصورة طوال السنوات الماضية بباب العضوية، رغم أنهن يمثلن ما يقارب ربع الهيئة العامة. معتبرة أن دورها يكمن في كسر هذا التقليد النقابي، خاصة أن التشريعات لا تمنع من ترشح سيدة.  

 

انتخابات نقابة الصحفيين

 

 

عثرات الطريق لا تمنع الوصول 

خلال حديثنا مع ثلاثة صحفيات، تبين أن العوائق مختلفة، فالتحديات التي واجهت مرشحة لموقع النقيب لا تواجه المرشحات لعضوية النقابة، يعود هذا بشكل أساسي لعدة تحديات مختلفة.

 

يرى مراقبون أن نسبة الأصوات التي حصلت عليها فلحة بريزات تعتبر نجاحا باهرا، إذ لم يزد الفارق بين المترشحين عن عشرات الأصوات، وهذا ما أكدت عليه بريزات، إذ أنها لم تشعر بضعف موقفها، لكنها تعتقد أن الهيئة العامة هي من تقول كلمتها بالنهاية. 

وعلى الرغم، من النجاح الذي حصلته بريزات، إلا أنها ترى أن العائق الذي واجهها تشريعي يكمن في فردية النظام الانتخابي، باعتباره معيقاً ومعطلاً لأسس وقواعد العمل النقابي، "وهو ما دفعنا إلى إشهار قائمة برامجية معلنة على عكس ما جرت عليه العادة وما كرّسه النظام في الذاكرة الجمعية للصحافيين"، تقول بريزات. 

على النقيض، خذل التوجه "العام" للهيئة العامة، أربع صحفيات حاولن الحصول على مقعد العضوية في النقابة وهن ليندا معايعة، رنا حداد، هبه الصباغ، وعهود محسن. 

تقول عهود محسن، أن الصحفيات مغيبات عن الحياة النقابية للصحفيين، وتعتبر أن رغم قوة موقفها تكمن في كونها تساند الحراك النقابي، والحقوق، ولا تفرق بين زميلة وزميل في مختلف الاماكن، "أنا اول من يقف في الشارع وآخر من يغادر". 

إلا أن كل هذه الجهود لم تساعد محسن في الحصول على كرسي العضوية، إذ حصلت، بحسب قولها على 188 صوتا واعتبرت أن موازين القوى (المنافع والمصالح الشخصية) بالانتخابات من تحكم النقابة. 

تعتبر محسن أن عدد الأصوات الذي حصلتهم يشير إلى جانب إيجابي، خاصة، وأنها اعتمدت في شكل كبير على زملائها في القائمة "بالنسبة لي زملائي " شالوني وشلتهم" أنا صحفية بدون مؤسسة نزلت للانتخابات ورأيت دعم وتبني من زملاء وزميلات من مواقع مختلفة، مثل المتقاعدين أو المفصولين". 

 

كانت الفرصة للصحفية رنا حداد سانحة لكي تحصل على المقعد الذي خسرته لاحقا، إذ حصلت على 234 صوتا، لكن يرى الداعمون لها أنها تأخرت في قرار الترشح الذي سبق موعد الانتخابات في شهر واحد فقط. 

لاحظت رنا أنها يجب أن تبني علاقات شخصية مع الناخبين، إذ نصحها زملاؤها في تكثيف زياراتها للمؤسسات الإعلامية، "اثبتي وجود أكثر في المؤسسات، يعني خليهم يزهقوكي"، يقول أصدقاء رنا في محاولة منهم لنصحها. 

ترفض رنا هذه العقلية التي تعتمد على العلاقات الشخصية، إذ بالنسبة لها يجب أن يبحث الناخب عن المرشح المؤهل، "ما يستنى تلفون أو زيارة شخصية". 

لكن ما حصل عكس ما توقعت رنا، "التصويت كان مبني على المعرفة، اكثر وانا ما توقعت يكون هيك، ودخلت المناطقية والمعرفة والتوصيات من فلان فلان". 

تؤكد محسن على ما جاءت به حداد، وتضيف أن طريقة توزيع المقاعد تشير إلى أنه تفاهمات جانبية هي من حددت شكل المجلس النقابي". كما أنها سمعت عن قيام أحدهم بتسديد التزامات مالية مترتبة على بعض الصحفيين للنقابة، وآخرين قاموا وناس عملت هدايا وزيارات، وهذا يعود للضائقة المالية التي مر بها بعض الصحفيون.

"ترشحنا في هذه السنة 4 منصب عضو، والزميلة فلحة لمنصب النقيب، لو كان العملية تسير ضمن النسق الطبيعي للانتخابات النقابية، سيكون هناك زميلتين على الأقل في المجلس" هكذا أنهت محسن حديثها. 

 

معيقات مالية واجتماعية

ترجح عطاف الروضان، مديرة راديو البلد، سبب عدم وصول أي امرأة لعضوية نقابة الصحفيين، إلى تراجع بحصول النساء على مناصب قيادية بشكل عام وإلى الطابع العام الذكوري في النقابة والمجتمع بشكل عام. 

 

لا تنفي الروضان ما جاءت به محسن وحداد، وتفسر ما حصل معهن وسيحصل مع غيرهن بأن التحديات التي تواجه النساء هي العلاقات  الاجتماعية سواء في انتخابات نقابة الصحفيين او أي نوع من الانتخابات" هذا النوع من العلاقات تتم عادة في المساء بطابع ذكوري، وهذا ليس من السهل على النساء اختراقها"

 

وتفسر ما جرى (عدم قدرتهن على خلق علاقات اجتماعية مع الصحفيين) إلى أن النساء لا يحصلن على مناصب قيادية في الإعلام، بالتالي ليس لديهن قاعدة للتأثير على الهيئة العامة، ذلك بالإضافة إلى الضغوطات الأخرى التي لا تنفك أن تحصر النساء في دور معين وتمنعهن من التطور عملهن. 

وتذكر في هذا الشأن، أن أغلب النساء لا يستطعن إدارة حملات انتخابية ناجحة، كونها تتطلب التأخر لساعات طويلة خارج المنزل والحضور في أماكن اجتماعات عامة، وكل هذا إلى جانب الأدوار الرعائية التي تتحملها في المنزل. 

ولا تنس الروضان إضافة أن هناك صعوبات تواجه النساء في التنقل من مكان إلى آخر، وخاصة في ساعات المساء، خاتمة حديثها بالمعيق المالي الذي يحد من قدرة النساء على الترويج لأنفسهن "حتى الانتخابات الصحفية تحتاج القدرة المالية، لإدارة الحملات الانتخابية". 

 

لدى بشرى السلمان تجربة ترويها في العمل كأول امرأة تترأس نقابة عمالية في الأردن، وهي نقابة الصناعات الغذائية، إذ ترى أن وصول المرأة لدور القيادة ضعيف، حتى في النقابات العمالية. 

وتشير السلمان أن المرأة إذا كان أمامها هدف واستطاعت أن تعمل بشكل مكثف وتواجه الصعوبات والتحديات تستطيع أن تصل المناصب القيادية، "نحن لدينا الانتساب اختياري". 

وعن التحديات الاجتماعية التي تعيق النساء في العمل النقابي، "أحيانا العمل يتطلب العمل ليلا نهارا، اجتماعات الهيئة الإدارية مساء بعد الانتهاء من أوقات الدوام الرسمية. 

وأضافت أن للنساء خصوصية، إذ تتحمل وحدها الدور الرعائي في المنزل، بالإضافة إلى صعوبة التنقل الآمن للنساء و أن هناك معيقات من قبل الأهل والزوج. 

من جانبها تتفق بنان أبو زين الدين، المديرة التنفيذية لمؤسسة تقاطعات النسوية، مع الروضان بقولها أن سبب عدم وصول إلى النساء إلى المراكز القيادية إلى العوائق المادية التي تواجه النساء، "التكلفة المادية لتنظيم الحملات الانتخابية كبيرة". 

وتشير إلى أن النساء غالبا ليس لديها القدرة على الحصول على دعم من محيطها، "بغالب الأحيان ما عندها سلطة إدارة دخلها".  

"اللي صار بالنقابة لا ينفصل عن المجتمع"، هكذا تقول أبو زين الدين، وتضيف أن النساء في كل مرة يجبرن على أثبات أنفسهن من جديد من أجل الوصول إلى منصب معين. 

وتقترح أبو زين الدين لدعم وصول النساء على المراكز القيادية، تحفيز التضامن والتحالف النسائي للوصول لمراكز صنع القرار، وأن يكون للنساء أجندات، سياسية، اجتماعية واضحة ومعلنة بشكل صريح. 

كما تعتقد أن كان من الممكن أن تنجح النساء في نقابة الصحفيين لو تم التخطيط لحملة انتخابية ذات استراتيجية وأجندة واضحة. 

 

ملاحظة: هذا التقرير يعبر عن رأي كاتبه وتم إعداده بدعم من صحفيون من أجل حقوق الإنسان بتمويل من مركز شمال-جنوب أوروبا.