مأساة المنشية: الصحافة أدت دورها منقوصا
لمأساة تسعة آلاف مواطن يقطنون قرية منشية بني حسن وأم النعام وجوارها، وجها آخر "ايجابيا"،
فهذه المأساة ايقظت الصحافة ودفعتها الى العمل الجدي فهي صاحبة مسؤولية اجتماعية مهمتها الاولى خدمة المواطن قبل ان تكون مجرد ناقل خبر او معلومة.
منذ ان بدأت الاصابات تظهر بكثرة في القرية "المنكوبة" وتحديدا في الثالث عشر من الشهر الجاري، تنبهت الصحافة للحدث، وقد كانت صحيفة "الرأي" السباقة الى تغطيته من خلال مراسلها النشط في المنطقة حسين الشرعة الذي تابع عبر تقاريره الميدانية، تطور الحدث.
ورغم ان الحدث بقي حتى نهار السادس عشر من الشهر يقبع في قسم المحليات، رغم ان الاصابات وصلت في حينها الى اربعين طفلا، الا انه بدء ينتقل الى الصفحة الاولى محتلا عناوين رئيسية مع تزايد حالات الاصابة، وقد اصبحت مأساة المواطنين خبرا رئيسيا دفع بالاخبار العربية والدولية والاخبار التقليدية الى زوايا اخرى، وفي هذا فائدة اخرى اذ ان الصحف تخلت عن عملية النقل البسيط للاخبار واستسهال تحديد الاولويات، وشكلت الماساة تحديا للمراسلين والمحررين على حد سواء خاصة في ظل تخبط الحكومة وعجزها عن تحديد الاسباب والمسؤوليات.
وبعيدا عن كم التغطية الذي كان مرضيا، اذ نقلت الصحف اليومية الاربع ما لا يقل عن 50 خبرا وتقريرا ومتابعة خلال الفترة المقصودة، الا ان الصحافة لم تكتف بتصريحات المسؤولين ولا بالمؤتمرات الصحفية التي نشطت الحكومة في عقدها، اما لتوضيح موقفها او لاطلاع الصحافة على إجراءاتها واما لتبرير "عجزها او تقصيرها" امام "الطفيليات" حسب راي الكاتب فهد الخيطان في العرب اليوم 23/7.
قدمت الصحافة بشكل عام عرضا مهنيا مرضيا، ونأت بنفسها عن محاولات الحكومة التقليل من شان "المأساة" والتي كان اخرها تصريحات رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت 22/7، خلال لقائه مع رؤساء تحرير الصحف اليومية والاسبوعية، حيث حاول لجم التغطية الصحفية من خلال الطلب اليهم "عدم التهويل" قائلا " أن "مياهنا ليست ملوثة"، مشيرا إلى "أننا مقبلون على موسم سياحي، وخضارنا وفاكهتنا تصدر إلى دول الخليج العربي"، معربا عن أمله بألا يتم تهويل الموضوع وانتزاعه من سياقه الطبيعي" (الغد 23/7). وبلا أي شك فان اقوال رئيس الوزراء تظهر عدم رضاه عن التغطية الصحفية وهذه شهادة للصحافة، الا انها من ناحية اخرى محاولة لتخويف الصحافة عبر فزاعة "الاضرار بالاقتصاد والسياحة"، بيد ان الصحافة لم تخضع لهذا التخويف المبطن وواصلت دورها في تغطية الحدث بل وفي مهاجمة الحكومة بشدة والمطالبة بمحاسبة المسؤولين واستقالة الوزراء المعنيين وخاصة وزير المياه.
وعلى كل، فان هذه الفزاعة لم تعد صالحة، فلا السائح ولا المستثمر يبحث عن "مدن فاضلة، غير موجودة، فكل انسان يعلم ان ما يحصل في منشية بني حسن قد يحدث في أي دولة في العالم مهما بلغ تقدمها، ولكن ما يريده المواطن والسائح والمستثمر ان لا يتم التكتم على مثل هذه الامور وان يحاط علما بمجرياتها ومعرفة حجمها اسبابها ومعالجتها باجراءات سريعة.
لقد خبرت دول مجاورة معنى التكتم على المشاكل، ومعنى ان لا تكون هناك صحافة حرة وديمقراطية تكشف عن هذه المشاكل وتطالب بمحاسبة المقصرين والمسؤولين وتدفع هؤلاء الى معالجة الامور بسرعة، ودفعت هذه الدول غاليا بسبب ذلك.
عملت الصحافة ما عليها وهي تقوم بتغطية مصاب المنشية وام النعام، ودفعت الحكومة للتحرك، او حتى لمحاولة التنصل وتبرير، ولكن بقي ان الصحافة قصرت في التغطية من جانب يبدو مهما، فهي لم تقم بدورها في محاولة البحث عن السبب واكتفت بالتغطية فقط.
في وجود صحف كبرى لدينا، تمتلك امكانات كبيرة، كان ممكنا بل ومطلوبا ان تقوم بواجبها في الكشف عن الاسباب من خلال التحقيق الاستقصائي، فمثلا كان من المفترض ان تقوم الصحف باخذ عينات من المياه واجراء تحليلات مستقلة والكشف بدورها عن السبب عوضا عن نقل النتائج التي تعلن عنها الحكومة. لو قامت الصحافة بعمل كهذا ربما كانت اكتشفت السبب وقدمت الحل وكشفت حقيقة موقف الحكومة.
اذا كانت التغطية الصحفية لمأساة المنشية مرضية وموضوعية وبعيدة عن التهويل، فان تعليقات كتاب الرأي في الصحف لا تزال تثير الحيرة، فحتى اليوم احجم عشرات المعلقين عن التطرق لها وكانها غير موجودة رغم ان عدد الاصابات بلغ حتى 22/7 703 اصابات، وبذلك تكاد تكون المنطقة تدخل في عداد ما يعرف بالمناطق المنكوبة. واذا كان ذلك لم يحرك اقلام عشرات المعلقين فان الامر قد يحتاج الى تفسير حقيقي فاصابة 703 مواطن مرشحين للزيادة في ظل عجز الحكومة ليس عن الحل فقط بل وحتى ان ايجاد السبب لم يدفع أي من هؤلاء المعلقين للكتابة فكيف ان احدا منهم لم يكلف نفسه وسع زيارة المنطقة والاطلاع حقيقة على ما يجري على الارض.
لقد اثبتت تجربة المواقع الالكترونية ان المتلقي يتفاعل تماما مع الحدث، اكثر بكثير من تفاعله مع أي تعليق اخر على الموضوعات "السياسية الكبرى"، الاثيرة على قلوب مئات الكتاب ويكفي ان نرى عدد التعليقات على مقالات سميح المعايطة في الغد او فهد الخيطان في العرب اليوم ومدى تفاعل المتلقين مع هذه التعليقات وتنوعها مقابل عدم وجود أي تعليق على أي موضوع اخر او معلق اخر.
تثبت التجربة والدراسات، ان المتلقي الاردني اصبح معنيا بالدرجة الاولى بالشأن المحلي، فهو يتلقى انباء "الوضع العربي والدولي"، من مصادر تمتلك امكانات اكبر من الصحف المحلية، وتثبت التجربة ان المتلقي المحلي او جمهور الاعلام لم يعد يشغل نفسه كثيرا بالايدلوجيا او الافكار الكبرى بقدر ما اصبح معنيا ومهتما في الاساس باعلام يعكس همومه ووجعه اليومية. غير ان الصحافة لدينا لا تزال تحفل بالكثير من المعلقين والكتاب الذين لسبب او لاخر لا يردين رؤية هذا الواقع.











































