لوص وردة الرمال: قصة معاق يقاوم الحياة وتجسيد لصحراء ذهبية

الرابط المختصر

أنت تعيش منذ اللحظة الأولى بعدة عوامل لا تستطيع من خلالها أن تعيش كما الآخرين؛ إعاقة جسدية، فقر الحال، مناخ جوي صعب، هي جميعها تنطبق على حياة الجزائري موسى في الصحراء الجنوبية بالجزائر، هي قصة رجل لم يسعفه جسده الصغير على الحياة الطبيعية كما الآخرين، يشتهي ويحب ويكافح لأجل حياة طبيعية مع شقيقته الوحيدة. يعاني موسى من إعاقة متمثلة بعدم وجود أيدي له، وضمور بإحدى أرجله، ما يعنيه من عيش على قدم واحدة فقط، هي صعوبة الإنسان على التأقلم مع من هو في حاجة بالعيش الكريم، وفوق ذلك كله الفقر الذي يعانيه موسى بطل الفيلم الجزائري "لوص...وردة الرمال"، أهم أفلام المخرج الإيطالي من أصل جزائري محمد رشيد بن الحاج.



مشاهد عصية على المخرج، استطاع أن يصورها في جو ميزته الصعوبة، لكن قدم لوحة فنية للصحراء الذهبية، ومن خلال موسى ثمة معانة أخرى، تشبه في حدها الكبير معاناة الشعوب، ومدى ما تعيشه من عجز كما موسى، مع إضافة أن موسى استطاع أن ينبت زهرة في الصحراء ورعاها وجعلها تنمو وسط جو قاحل حار، هي رمز للأمل وسط أجواء قاحلة، لكنه تحرك ولم يصمت.



زينب شقيقة موسى، تعيش معه وحيدة غير متزوجة تسهر على مساعدته تستيقظ يوميا لأجل إعانته على تفاصيل حياته، كئيبة من داخلها، تساعده على تنقلاته الخارجية، وبمساعدة جارهم الذي يأتي يوميا أمام بيتهم لأجل نقله عبر حماره، وهنا تظهر النظرات بينها وبين الجار؛ خجلة تحب الشقيق الضعيف على العيش وحده يما لو تزوجت منه.



مشاهد سينمائية ملئه برصد واقع القبائل البدوية الجزائرية الصعبة، لعل المخرج حاول فيها أن يظهر مدى معاناتهم في العيش بهذه الحياة والتي اعتادوا العيش فيها، ومن خلال الرمال المتحركة التي حاولت ذات يوم أن تبتلع أحد الرجال والذي سرعان وكأنه استسلم لها.



موسى يُعجب بفتاة جزائرية يشاهدها في أحد شوارع المدينة، وهنا يبدأ الخيال الجامح لديه في العيش معها وهي تقترب منه، لكنه يعلم من داخله أنها صعبة المنال، وهنا تأتي المشاهد وهو سارح بخياله في الصحراء، أو هو يرسم بقدمه في غرفته.



الصحراء الجزائرية، أرض الحدث وبيوت سكانها الطوب الواقفة وسط الرمال الذهبية، أعطت الفيلم الانعكاس على واقع مضيء للجزائر القبلية، ومشاهد سينمائية مثيرة لأي مخرج مبدع يستطيع أن يلتقط صور جميلة طبيعية ساحرة.



يركز الفيلم على موسى الذي يصارع ليعيش كما الآخرين، حياة طبيعية لا يختلف عنهم، بل وأراد أن يتزوج تلك الفتاة، لكن ينظر إلى حاله ويفضل أن يتزوجها ويعيش معها في خياله، ويذهب إلى قبر أمه ويتحدث معها ويقول لها عن خلاجاته.



يرصد "لوص...وردة الرمال"، قيم وطبيعة الحياة في الصحراء الجزائرية، عبر مساحة من اللقطات، كما يُظهر طبيعة النساء وهن يستحممن في حمامات خاص بهن، ويرصد حواراتهن، ومشاغلهن اليومية، أو من خلال جلوس موسى مع أصدقاء لأجل لعبة النرد.



يقطع موسى يوميا الصحراء لأجل الوصول إلى زهرته والتي بدأت تنمو بفضل عنايته بها، ووسط ظروف صحراوية غير مواتية للتعيش النباتات لكنها كبرت، هي مساحة بين قهره وإرادته أن تنبت وتعيش وبين تحديه للقيام بعمل لا يشاركه فيه أحد، غير أن يرى ذات يوم ماعز يحاول أن يأكل النبتة فيبعدها، ويحاول أن يصلحها.



حاول المخرج الحاج أن يحافظ على وتيرة اجتذاب المشاهد من اللقطات الأولى للفيلم حتى نهايته، وقد استطاع ذلك، لكن مع إسهابه في بعض التفاصيل، والتي لم تخدم الفيلم، ومنها لقطات لموسى وهو في الصحراء يمشي، أو من خلال جولاته وشقيقته في المدينة.



ومن الصعوبة بمكان، أن يفهم المشاهد من خارج دول المغرب العربي، أن يستوعب بعض الكلمات، لذلك كانت غير مفهومة على من يتابع الفيلم من العرب، لكن تبقى بعض المصطلحات الأقرب إلى الفصحى هي المفتاح لإدراك مغزى المشهد وهكذا دواليك.



"لوص...وردة الرمال"، قد يكون من أهم الأفلام الجزائرية، والتي عكست وبصورة واضحة جوهر الحياة البدوية الجزائرية، ومدى معاناة من يعيش في الصحراء من حياة ضنكة، لا يحصل من يعيش فيها على أبسط احتياجاته إلا بصعوبة وعذاب وعبر شخصية موسى والذي يعاني من إعاقة حقا؛ فهي رسالة لمن يعيش العجز في هذه الدنيا أن يقاوم الحياة، فثمة أناس لديهم أيدي وأرجل ولا يسكتوا عن الشكوى، بينما موسى لا يتأوه أو يشكو إنما يقاوم ولا يقل لماذا أنا هكذا ولما أنا لست كهذا.



أنتج الفيلم عام 1988، ومدته الساعة وعشر دقائق، ويحمل الجزائري محمد رشيد بن الحاج،م خرج الفيلم الجنسية الإيطالية، وله فيلم لاقى الاهتمام وهو "الخبز الحافي" المقتبس عن رواية للروائي المغربي محمد شكري، وسيشارك في مهرجان كان العام الحالي.

أضف تعليقك