لا فائـدة
يبدو أن كل ما يحدث، وسيحدث مستقبلا، يؤشر بوضوح إلى ما قلناه سابقا، بأن لا نية للإصلاح، وبأنهم إنما يبيعوننا "وَهما على وهم"..
نعم، ما يحدث يؤكد القناعة الراسخة بذلك، فالمكتوب يُقرّأُ من عنوانه.
العنوان المكتوب يتحدث عن "تحديث" و"تطوير"، بينما ما نحتاجه هو "إصلاح".
وكلمة "الإصلاح" لم ترد في رسالة التكليف بإنشاء لجنة التحديث إلا مرة واحدة، وجاءت عرَضاً في جملة إنشائية.
التحديث والتطوير يفيدان بأن الأمور كانت تسير كما ينبغي، وأننا بحاجة إلى المزيد عبر "تحديث المنظومة السياسية" وتطويرها.
وواقع الحال يؤكد، وبوضوح كامل، أنّ الأمور في تراجع، في مختلف المجالات، ما يستلزم معالجات وعمليات جراحة عميقة تستأصل الأدواء، وعلى رأسها اجتثاث الفساد.
وكلمة الفساد لم ترد إطلاقا في رسالة التكليف.
الرسالة عرضت لأربع مطالب رئيسة، ليس من بينها إجراء إصلاحات "جذرية" أو محاربة الفساد، ولا تستهدف إصلاح الاختلالات في الأداء الحكومي، ولا ردم فجوة الثقة الواسعة بين الشعب ومختلف هياكل الحكم، ولا تغييرا في نهج تشكيل الحكومات ولا إنشاء حكومة نيابية.
ولا تنظر بشمولية إلى الدستور (وإنما بجزئية) وضرورة إجراء تعديلات جذرية فيه تجعل الشعب فعلياً "مصدر السلطات" وتحمي مؤسسة المُلك وتحصّنها جدياً، وترسخ مبدأ الفصل بين السلطات وتمنع تغول السلطة التنفيذية على سائر السلطات.
ولا تعرج كذلك إلى تعديل القوانين السالبة للحريات العامة، وعلى رأسها قانون الجرائم الإلكترونية وقوانين الجمعيات ومنع الجرائم وحق الحصول على المعلومات والمطبوعات والنشر.
ولا تعالج مسألة استقلال القضاء وحمايته من الخلافات السياسية واستغلال السلطة التنفيذية له تبعا لغاياتها وأهوائها السياسية، وتحصين القضاة، وترسيخ الحق في المحاكمات العادلة..
ولا تعنى بإصلاح التعليم العام والعالي، والمنظومة التربوية والسلوكية للمجتمع، التي "تمزّعت" لشدة ما أصابها من تخريب.
ولا تحدّ من توسع سيطرة القبضة الأمنية على مختلف نواحي الحياة، التي تخنق أي دعوة للإصلاح وتشيطِنها. ولا تعالج الاختلالات والتشوهات التي لحقت بالاقتصاد الوطني وسحقت الطبقتين الوسطى والعاملة وزادت الشرائح المهمشة تهميشا.
حقيقة لست أفهم ما الداعي الحقيقي لتشكيل هذه اللجنة!
هل هو سعي لامتصاص الأزمة الناشئة محلياً وبتأثير من التطورات الإقليمية؟ أم استجابة لإملاءات فرضتها الدول المانحة ومجلس حقوق الإنسان، وهم يرون حجم التراجعات والانتهاكات لحقوق الإنسان الأردني وللحريات ولتجذر مؤسسة الفساد؟ أم محاولة لإعادة إنتاج دور وظيفي جديد للدولة بعدما استنفدت الأدوار التي حاولت أن تشغلها سابقا وفشلت فيها؟
صحيح أن بعض الشخصيات الوازنة، صرحت أخيرا بأنها لمست لدى رأس الدولة نية حقيقية لإحداث التغيير، غير أن النوايا وحدها لا تكفي، إن لم يصحبها إرادة حقيقية حازمة..
وهذه الأخيرة أمامها من المعوقات الكثير الكثير، من مراكز صنع القرار نفسها، ومن الجهات المؤثرة المستفيدة من بقاء الوضع على حاله.
والإرادة الحقيقية يلزمها أفعال تسبقها، أو ترافقها، تؤكد صلابة هذه الإرادة..
فماذا عن عشرات الإصلاحيين المعتقلين؟ وماذا عن خنق الإعلام والصحافة؟ وماذا عن نقابة المعلمين؟ وماذا عن تحشيد المصفقين والمهللين لإنجازات وهمية، الجاهزين لتخوين أي جهة ترفع صوتها مطالِبةً بالإصلاح؟
والإرادة الحقيقية يلزمها أدوات مقنعة، ولا أظن أن من هو سبب في الأزمة بقادر على أن يوجّد الحلَ؟
والأدوات المطروحة لا أظنها بقادرة، فاللجنة المشكّلة لـ"التحديث"، وإن كانت تضمّ أسماء وازنة يحترمها الشعب، إلا أن العديد من أعضائها عليهم علامات استفهام، وتعجب، ورفض حتى.
فرئيس اللجنة، مع الاحترام لشخصه الكريم، إلا أنني، شخصيا، لا أثق بقدرته على إنجاز المطلوب، ولا أأتمنه على مستقبل أبنائي..
والأمر كذلك ينطبق على الحكومة الحالية، وعلى البرلمان، بشقيه..المنتظر منهم إتمام المهمة..
الإصلاح عملية شاملة، كليّة لا تُجزّأ، والحديث عن التحديث والتطوير، والتدرج، هو فقط مسألة إضاعة للوقت وتسطيح للأزمة العميقة التي تتهددنا وتعصف بنا جميعاً..
والمشكلة أننا، كلّنا، في مركب واحد، وأخشى ما أخشاه أن تصل الخروق فيه حداً لا يتفع معه محاولات "الترقيع" التي نراها ونشاهدها..
نريد إصلاحاً