لا رقابة على الكتب بعد اليوم!

لا رقابة على الكتب بعد اليوم!
الرابط المختصر

إذا كان مقص الرقيب آخذا في الصعود في العالم العربي فاتكا بالكتب ومكدسا أعدادها في مخازن الحكومات، وتاركا إياها بين الفئران وعفونة المكان..فالخبر السار في الأردن (لا رقابة من بعد هذا اليوم) وبهذا القرار "الجريء" الذي أعلنته دائرة المطبوعات والنشر مؤخرا.. يطوي الكاتب الأردني سلسلة من المُصادرات والسحب تعرضت لها آلاف الكتب على مدى سنوات.

فلطالما كانت الرقابة تقض مضجع الكثير من الكتاب، فالآن بوسعهم الكتابة "بدون الرقيب"..وآن لمبضعه الحاد أن يأخذ قسطا من الراحة..

فالتعديل على قانون المطبوعات والنشر، لا يعطي الحق لدائرة المطبوعات أن "تراقب مسبقا" الكتاب، ويوضح مدير دائرة المطبوعات والنشر، مروان قطيشات أن إلغاء الرقابة المسبقة "خطوة متقدمة جداً، تحاكي روح العصر والانفتاح والديمقراطية، وكذلك روح الإرادة السياسية ومن هنا برز تشريع حضاري، وتم العمل فيه ابتداءً من واحد أيار".

ويؤكد قطيشات أن في القانون "هناك نص واضح على أن أي مؤلف أو ناشر يلجأ للطباعة والنشر، مثل أي دولة في العالم، وإذا وجد أي نص مخالف للقانون تلجأ عندها دائرة المطبوعات للقضاء فقط"..



لا رقابة إنما استشارة!
واجتمعت دائرة المطبوعات مع اتحاد الناشرين مؤخرا، للحديث عن تبعات هذا الإجراء..يقول قطيشات "تحدثنا معهم عن إمكانية أن تنبع الرقابة من الوعي الشخصي وهذا ما شعرته عند الناشرين..ثمة وعي مشترك وهم مشترك".

وتحدث قطيشات مع الناشرين عن "إمكانية الاستشارة ما قبل النشر".."وعلى أن يكون من خلالهم وليس من خلال الحكومة"..وما يجده قطيشات بالخطوة الإيجابية من قبل الناشرين "هي أن بعضهم عرض علينا أن نطلع على كل نص يتلقونه قبل طباعته"..

مؤكدا قطيشات أن "الفيصل في الموضوع هو القضاء"..ويعول على الناشرين الذين يعتبرهم "خبراء" للحكم على النص قبل نشره.

ويوضح أن الكتاب الآتي من خارج الأردن سيخضع "للمراجعة" وعلى أن يقوم المدير العام بتحويله للقضاء بعد أسبوعين..وهذا ما لم يكن في السابق الذي كان المدير يتدخل وكان له حق الاحتفاظ بالكتاب...

لا رقابة على ماذا؟
لا رقابة مسبقة على ما يكتبه الكاتب..ورقابة مسبقة على ما ينشره الناشر.. وصاحب الدار الأهلية للنشر والتوزيع أحمد أبو طوق.. يقول "حسب فهمي للقانون هو لا رقابة مسبقة على المخطوطة قبل طبعها، وسيكون رقابة عقابية وإجرائية ضد من يتجاوز هذا القانون"

والرقابة المسبقة على الكتاب الآتي خارج الأردن لا تزال موجودة والمنع موجود، ولا رقابة إذن على الكتب المنوي طبعه داخل الأردن.."ولكن أي كتاب خارج الأردن لم يعجب المطبوعات سيتم منعه من الدخول ماذا استفدنا!!

ويرى أبو طوق أن هذا الإجراء ما هو إلا مخاطرة للناشر وليس للكاتب.."لدينا مئات بل آلاف الكتب الممنوعة وغير متفائل بدخولها..ولدينا خوف كبير نحن كمستوردي كتب من شرائها ومنعها وبالتالي نتكبد خسارة كبيرة".



مجتمع يرقب مجتمع ينقد
وفي إحدى مكتبات وسط البلد..يقول الشاب عدي .."لا توجد رقابة! هذه خطوة جيدة لأن الحكومة بدأت تؤمن بالنقد البناء، ولكن ثمة كتب قد تُحدث زعزعة في البلد..وهنا يأتي دورنا كمواطنين لأن نراقب".

والشاب خميس عبر "سعادته البالغة" حال معرفته بعدم وجود رقابة مسبقة..يقول: "لأني سأقتني أي كتاب حال صدروه..فلن يكون ممنوعا"..واستدرك قوله لوهلة "لكن لعل الانترنت والمدونات قضت على ما يسمى بالرقابة المسبقة"..

أما صاحب مكتبة (رفض ذكر اسمه) يقول مستغربا: "معقول أن رجال دائرة المطبوعات لن يأتوا إلينا حينما تصلنا صناديق الكتب من لبنان؟؟ لستُ متأكدا من ذلك، لكن وإن ُطبق القرار فلن يتغير الوضع كثيراً"..

أما حسن أبو علي (صاحب كشك لبيع الكتب) فلا فرق عنده بين وجود رقابة أو لا.."لأني أمارس رقابتي الذاتية على الكتب..وكل كتاب يهاجم الأديان أو الحكومات ممنوع عندي ولا أشريته".

والرقابة بيد المجتمع؟
لنطوي صفحة قديمة ونلتفت إلى المستقبل، وعدم الرقابة المسبقة على الكتب خطوة تحسب إيجابا للأردن، و"لكن" الرقابة تُركت للمجتمع!

.."وهذا المجتمع: رقيب وأشد وأقسى من الرقيب الحكومي".. وفق القاص والناشر إلياس فركوح.

"هو الأشد تحفظا وعدم احتمالية من رقابة الدولة"..يقول فركوح: "الدولة محصورة في أشخاص معينين، قد يكون خمسة أو عشرة وباستطاعتك أن تتفاهم معهم، ولكن الحديث عن المجتمع..فهذا ثقل غير عادي، فمن كلمة واحدة يعُتبر أن فيها أذية ما، سيرفع دعوى ضد الكاتب أو الناشر، وهذا يفتح الباب واسعا أمام مشاكل تبدأ ولا تنتهي في مجتمع البعض عنده هواية الإيقاع بالآخر، وهذا تحفظي ليس على القانون وإن ما سيتبعه"..



سطوة المجتمع ستتحكم في الكتاب بعد نشره وبمصيره..ولن تتحكم بالكاتب الحر وإذ من تأثير فهو سيقع على الناشر فحسب.. "لأنها ستسبب له على المستوى التجاري خسارة وعلى المستوى الشخصي ملاحقة قانونية، بالتالي فالكاتب غير معني تماما كما الناشر بمسألة الحريات"..

ويعول فركوح على وعي المواطن.."ولكن الخوف من الاتجاهات السياسية العقائدية التي قد تلعب دورا سلبيا"..

والخوف الذي عبر عنه الناشر فركوح "متحفظا" هو من التيار المحافظ داخل المجتمع الأردني الذي يزداد يوما بعد يوم، وبالتالي ستكون الرقابة أكثر ثقلا من الرقيب الرسمي. "هذه مرحلة سنمر بها وسندفع ثمنها، وعلينا أن ندخل لها لأنه لا بد منها"..

وإلغاء الرقابة المسبقة..كما يرى إلياس فركوح، ويقول: "إنها خطوة إيجابية وأنا متفائل..وسأنتظر السنة الأولى والثانية على تطبيق هذا القانون، وردات الفعل الاجتماعية على هكذا مستخرجات ولن أكون مبالغا في التفاؤل ولن أقول أني متشائم لأني سأغلق الباب عندها".

وتبدي الكاتبة رفقة دودين تفاؤلها، "أنا سعيدة وهذا يدل على أننا يجب أن نثق بوعينا وإنسانينا".. لأن وسائل التكنولوجية الحديثة لم تبق شيئا مغطى..فالإنسان بطبعه ينحاز لكل ما هو جميل ولكل ما هو لصالحه، وما هو ضد العنصرية والمواقف السلبية، المنغلقة تجاه العالم، ومن هذا المنطق نفرح بمثل هذه الخطوة".

برأي دودين أنها بداية الطريق إلى الحرية "وانعدام الرقابة يعني ثقة بأنفسنا وبمنجزنا"..



كتاب دودين(سيرة الفتى العربي في أميركا) والذي أفرجت "المطبوعات" عنه قبل فترة، لم يشكل "اعتقاله" أي أثر سلبي وها هي تعود من جديد وتقول "لا رقابة مسبقة علينا"..ولكنها غير واثقة من "الرقيب الآخر" الذي نمى في داخلها كما تقول.."أنا الآن أكتب شيئا، ولكني سأعيد النظر فيه مرة أخرى"..

مجتمع أكثر سطوة من القوانين
وإلغاء الرقابة تتطلب بنية اجتماعية تتيح الرأي والرأي الآخر، هل تحتمل بنية المجتمع الأردني "لا رقابة"؟

تجيب رفقة: "أنا أنظر بعين الريبة للمجتمع..ففي السابق كانت تقول دائرة المطبوعات أن هذا يجوز وهذا لا يجوز..بالتالي كانت تقع على عاتقها مهمة المنع أو السماح..وكأنها تشكل نوع من أنواع الحماية للكاتب أما الآن أنت في مواجهة المجتمع ومنظومته وربما يكون أكثر سطوة من القوانين".

"ثمة رموز مخفضة تمارس سطوتها في الخفاء..في حين أن الرموز المعلنة تقول على سبيل المثال أنه لا يوجد تمييز بين الرجل والمرأة أو بين الذكر والأنثى، وإذا ما جاءنا للرمز المخفض فإن هناك الكثير من التمييز وأن ثمة نساء يحرمن من حقهن في الإرث، ومن هنا تأتي قضية الرقيب الذاتي".

وتروي دودين قصة حصلت معها.."عندما عرضت رسالتي الدكتورة عن توظيف الجسد في الرواية النسوية، قال لي أستاذي هل تستطيعين الدفاع عن وجهة نظرك أمام اللجنة..هنا كانت الرهبة إن هل استطيع أن أدافع دفاعا معلنا عن ما أقوله دون أن اصطدم بالرموز المخفضة، التي ستدني وستعلي وو..".

"لنعمل على أن لا يكون مجتمعنا خداجا.. يجب أن يقسو ليتحمل، وهذا هو محك اختبار وعليه أن يتصلب لكي يحتمل رأي ورأي آخر".

أضف تعليقك