لارتفاع سعره..الذهب "ذهب مع الريح"

لارتفاع سعره..الذهب "ذهب مع الريح"
الرابط المختصر

في هذا الموسم السنوي للمناسبات الإجتماعية التي تطرق أبواب العائلات الأردنية، تتسابق نساء المجتمع، بشتى طبقاته، للتزين بأكبر قدر من المجوهرات والحلي..لربما تبدو كلمة ذهب مألوفة وعادية لدى النخب الميسورة في مجتمعنا، بل وأقل من المستوى أحيانا، لكنها تكاد تكون حلما يراود نساء الفئات الأخرى من الشعب، التي تعاني وضعا اقتصاديا صعبا، يحرمها من التمتع بامتلاك تلك القطع الذهبية الثمينة ، إلا أن المثير للتساؤل هنا، هو أن نساء هذه الفئات الفقيرة باتت أكثر الناس اقتناءا لذلك المعدن الأصفر اللامع ، الذي يتحدر من أصول مختلفة...

ذهب روسي
"اشتهر في الأسواق الأردنية منذ فترة نوع من الحلي عرف بالذهب الروسي والايطالي، وهو عبارة عن تقليد متقن للذهب الأصلي"، هكذا عرف أحد أصحاب محلات الذهب الأصلي ذلك النوع من الحلي المزيفة، التي لا تعدو كونها معادن واكسسوارات صفراء، لا تعطي المضمون والرونق الحقيقي للذهب الأصلي، حيث أن"هذه المعادن يمكن تمييزها بسهولة عند الاقتراب منها، ولكنها عن بعد تبدو وكأنها أصلية".

إلا أن هذا القول لا يتفق مع ما ذكره التاجر أبو يزن صاحب محل لبيع الذهب المقلد، حيث أكد على عدم إمكانية تمييز الذهب الأصلي من نظيره المقلد، ويقول "الذهب الروسي متقن بشكل لا يمكن للشخص تمييزه عن الأصلي، لكن الوحيد الذي يستطيع معرفته هو الخبير، فبمجرد النظر اليه يعرف ماهيته، أما بالنسبة لغير الخبير فلا يمكنه التمييز مطلقا".

وضع اقتصادي
يلاحظ وجود إحجام كبير عن محال الذهب الأصلي فيما يقابل ذلك إقبال شديد على محال الذهب المقلد وذلك نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العدد الأكبر من المواطنين، بالإضافة إلى الارتفاع الملحوظ على سعر غرام الذهب "الأصلي" هذه الأيام، وذلك بالتزامن مع موسم الإقبال الشديد على شرائه مع الزخم الكبير للمناسبات الصيفية التي يأتي في مقدمتها الزواج.

المحلل الاقتصادي علي القيسية، علل سبب إحجام الناس عن شراء الذهب الأصلي، قائلا "يتراوح سعر غرام الذهب عيار 21 ما بين 12.5 و 13 دينار،مما يشكل عاملا مهما لعزوف الناس عن شراء الذهب واللجوء إلى المقلد"، أما السبب المباشر لهذا العزوف فهو " أن متوسط دخل المواطن الأردني لا يتجاوز المئتي دينار، وهي غير كافية لتغطية الحاجات الأساسية للمواطن" هذا ما ذكره علي القيسية.

التاجر أبو يزن لا يختلف مع القيسية بالرأي، فهو يرى أن سوء الأوضاع الاقتصادية هي العامل الأساس في إقبال الناس على شراء الذهب المقلد، إذ أن "ارتفاع أسعار الذهب وقلة الدخل، أو بالأحرى عدم وجود دخل هو ما أدى إلى لجوء الناس إلى الذهب المقلد".

على أن المثير في هذا الأمر ما قاله محمد شديد، احد تجار الذهب المقلد الذي أكد على أن "حوالي 90% من الناس يقبلون على شراء الذهب المقلد، وذلك للغلاء الكبيرالذي طرأ على سعر غرام الذهب".

لكن، وعلى النقيض مما ذكره شديد، فإن تجار الذهب الأصلي يؤكدون أن نسبة قليلة جدا من فئات المجتمع، هي التي تقبل على شراء ما يسمى بالذهب الروسي، حيث يعلق سالم العمري صاحب أحد محال الذهب الأصلي، قائلا "نسبة قليلة جدا لا تتجاوز 10% من الناس يقبلون على شراء الذهب المقلد، وذلك لانخفاض ثمنه بالمقارنة مع الذهب الأصلي" وهو ما أكده أيضا محمد العلاوين، صاحب محل لبيع الذهب الأصلي حين وصف ما يتردد حول وجود ذهب روسي شبيه بالذهب الأصلي بأنه "محض كلام لا يمت للواقع بصلة، فهو عبارة عن اكسسوار ليس أكثر ، ونسبة بسيطة جدا من الفئات الإجتماعية تقبل عليه، وهي فئات محدودة التفكير والدخل".

عادات اجتماعية
ولأن الأردن مجتمع شرقي بكل ما فيه من عادات وتقاليد، فإن الذهب يعد جزءا لا يتجزأ من أساسيات الزواج، ما يثقل كاهل الشباب المقبل على الزواج، ويدعوهم الى التفكير كثيرا قبل الإقبال على هذه الخطوة التي قد يحول الذهب دون تحقيقها ، فضلا عن أن تكاليف الزواج لم تعد تقتصر على ما كانت عليه سابقا ، فقد تم استحداث الكثير من المستلزمات الجديدة ذات الكلفة العالية رغم الارتفاع الكبير لنفقات المعيشة وسوء الأوضاع الاقتصادية، وهو ما أدى إلى ارتفاع متوسط عمر الزواج إلى 28-30 سنة، وهو أيضا ما دعا المواطن لأن يصير أكثر تواضعا في مجال شراء الذهب عن طريق بدائل متوفرة أمامه، هذا ما تبين من خلال استطلاع آراء عدد من المواطنين...

"جرت العادات والتقاليد أن ترتدي العروس ذهبا عند زواجها، ونظرا لمصاعب الحياة وغلاء أسعار الذهب أصبح يكتفي عدد من الناس بشراء الذهب الروسي لإشباع تلك العادة، والتباهي به أمام الناس، وبعد ذلك بالتأكيد يتم التخلص منه" هذا ما قاله التاجر محمد شديد، الذي يرى أن سبب عزوف طبقات المجتمع عن شراء الذهب الأصلي هو وجود بديل رخيص ومتقن له، ما قلل من الحاجة لدفع مبالغ طائلة فقط لمجرد التباهي والتمسك بالعادات والتقاليد.

أحمد البخاري، أحد تجار الذهب الروسي يشير إلى أنه "يقبل المواطنون في موسم المناسبات على شراء المعادن الصفراء اللامعة، مكتفين بها لتأديتها الغرض نفسه الذي يؤديه الذهب الأصلي".

بينما رفض تجار الذهب الأصلي فكرة أن يؤدي الذهب الروسي غرض الأصلي، حتى ولو كان ذلك يتعلق بعادات اجتماعية، تفرض على طبقات المجتمع على اختلاف مستوياته، ارتداء ذلك اللون الأصفر اللامع، حيث أننا "نبقى شرقيين ولا يملي أعيننا سوى الذهب الأصلي"، هذه العبارة كانت من بين العبارات الكثيرة الرافضة لمثل تلك الأفكار، على حد تعبيرهم.

أما المحلل الاقتصادي القيسية، فيؤكد على إقبال الناس هذه الأيام على شراء الذهب الروسي، كما أن ليس هنالك ما يعيب بشرائه، حيث أن "المواطن بات يفكر بموضوعية أكثر وأصبح يكتفي بتلك المعادن اللامعة في موسم المناسبات، والجميع يتفهم الأوضاع الاقتصادية الراهنة التي تعاني منها النسبة الأكبر من الشعب" .

بين البيع والطلب
ارتفاع سعر غرام الذهب أدى إلى خلق مشكلة لدى تجار الذهب، وهي "قلة الطلب مقابل الرغبة بالبيع"، هكذا يجمل القيسية تلك المشكلة، ولكنه في الوقت ذاته يؤكد على إعادة انخفاض أسعار الذهب، وذلك بعد انتهاء المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول الملف الإيراني، حيث سيعود سعر الذهب إلى معدله الطبيعي متراوحا بين 11-11.5 دينار.

أما تجار الذهب بشقيه، الأصلي والمقلد، فقد اجمعوا على نقطة واحدة والتي هي "الإقبال قليل جدا بالمقارنة مع الأعوام السابقة، وحتى بمقارنته مع العام الماضي على الرغم من أننا كنا نشتكي عدم البيع في العام الماضي، ومع ذلك هذا العام أسوأ بكثير".

أخيرا
في كل الأحوال، ورغم السجال الساخن بين أنصار الأصلي والمقلد، فإن الذهب يظل قيمة اجتماعية واقتصادية يصعب تجاهلها، لكن ما يخشاه الناس، أن يتحول الذهب الى عثرة كأداء في طريق الزواج، أو أن يختفي الذهب الأصلي في العقود القادمة، تمشيا مع المقولة الاقتصادية المالية المعروفة ( العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة ) وإذا حدث هذا، فإن الذهب الأصلي يكون قد .. ذهب مع الريح

أضف تعليقك