لاجئون لا يتعبون أبدا

الرابط المختصر

يسُكنهم الأمل ويهجرهم اليأس، تجدهم يصنعون من واقعهم المستحيل "بالممكن" ويأملون بالجنة، ويدركون أن الجنة ليست الآن..ينتظرون رحمة الإنسان، ولا يقنطون أبدا من الصبر، لأنه ببساطة صديقهم اليومي، أما خبزهم عبارة عن رمال وصديقتهم بدون منازع الشمس..



وإذا مررت من المنطقة العازلة بين العراق والأردن، ستجدهم يقطنون في خيم صغيرة ملونة بألوان غاية في الجمال، مادتها قماش صنعته أيد لم يكن في حسبانها أبدا أنها ستكون الواقي لأناس يُقال أنهم على الهامش يعيشون، وكل ما يردونه.."اهتمام وحماية" ليس أكثر..




اللاجئون (الأكراد الإيرانيين) يعيشون منذ عام 2005 في منطقة مهجورة من البشر، معزولة عن العالم.. واسمها (العازلة) هي على قارعة الطريق المؤدي بين البلدين..حيث طريق الشاحنات.

70 طفلا، 45 سيدة، و55 مسناً، والعدد الكامل يصل إلى 194 لاجئاً..لا يتحدثون سوى الكردية..والناطق باسمهم يتحدث العربية، ويدعى جمال حسين، كان معنا على تواصل..ليس لشيء ما، إنما ليكون ناطقا باسم آلامهم ورسالة حية عن واقع لا يمكن أن يعيشه أحد غيرهم..

هل يمكنكم أن تحتملوا الشمس الحارقة؟ هل يمكنكم تصوير واقعنا عن قرب؟ هل لكم تخيل المشي على أرض لونها حمراء وثمة حرارة تخرج من باطنها؟ هل يمكنكم تخيل المياه عندما تكون حلما لكثيرين؟ ..

نعم ستذوب كل الصعاب..مقابل أن تعترف بنا دولة؟ هل يمكن لأي دولة أن تعترف ببشر يحبون الحياة ويحلمون بالتعليم والطعام والسكن البسيط..أبسط ما نتمناه هو "الحياة"..

عازلة: قاسية

أنت لسان حالهم. خبرنا عن هذا الحال؟
أولا سأتحدث، لا لنكون خبرا في صحيفة أو تقريرا في إذاعة، ولا لنكون لغرض الضجة الإعلامية. نريد أن نكون رسالة من ناس فقراء إلى ناس مسؤولين، فالإنسانية "يفترض" أن تجمعنا، أنا متأسف كثيرا لأقول هكذا ولكننا ضجرنا كثيرا، تعبنا ولكن لن نتعب..ولكن! نفسيتنا تعاني من رضوض وقلوبنا مشطورة حزنا، وليس يأسا إنما لشمس ملتهبة تفتك بأطفالنا يومياً، والقاسي لنا أكثر..أن أيدينا ليس بها الحيلة..عن ماذا نتحدث عن سوء التغذية للأطفال عن قلة الأدوية وعن أشياء بسيطة في هذه الحياة لا نملكها..عدا الأمراض الجلدية، الربو، السعال المزمن...العازلة قاسية جدا علينا.



لو بعد حين..

منذ سنوات وأنتم في العازلة، ألم يفكر أحدا منكم العودة إلى العراق؟
لم يتراجع أحد منا، ولن يتراجع أحد، حتى لو بقيت قطرة دماء في عروقنا، سنتسمر، ونعول على صبرنا وإرادتنا، لأننا بكل بساطة عقدنا الأمل لأن نسلك طريقا صعبا، وحتى لو كانت صعوبات وعواقب ستعترض طريقنا، سنبقى، لدينا مبدأ الحصول على حقوقنا وحريتنا حتى لو بعد عقد من الحرمان، لقد أضعنا حقوقنا وأيامنا في المخيم ولا نريد أن نبعثرها هكذا ونعود.

رسالة سياسية

تبعثون دوما رسائل إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ما هي آخر رسالة بعثتموها؟
قبل أسبوعين قدمنا رسالة إلى المفوضية، شرحنا فيها بشكل تفصيلي ما يدور في عقولنا: مهما كانت الأسباب لا يمكننا العودة إلى كردستان العراق، لأنه ليس بمكان آمن للمعارضة الإيرانية، ومشكلتنا بالأساس سياسية بحتة..

لحظة سياسية

أن تكون قضيتكم سياسية أولاً، ألا تؤثر سلبا على أوضاعكم "إنسانياً"؟
أعلم ذلك تماما، ولكن هذا هو الواقع، كنا دائما نقول أن قضيتنا إنسانية بحتة حينما عشنا في مخيم الطاش بين العراق وإيران مدة 27 سنة، ومشكلتنا كانت ومازالت إنسانية، ولم نصل إلى حل، حيث شُردنا في العام 1979 من اضطهاد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولحظة خروجنا من إيران كانت لحظة سياسية، وسنبقى على هذا المبدأ، وبالتالي مهما كانت المدة الزمنية التي سنظل فيها هنا، سنناضل، سنكافح، حتى تحقيق أمالنا.



نار

كيف حال صديقتكم الشمس؟
النار الموجودة بين الحدين، تؤثر علينا تأثيرا سلبيا، وخاصة في الأطفال الذين يعانون من التقيؤ والإسهال نتيجة هذا الحر الشديد، وبدون أبسط المستلزمات المعيشية، ولا علاجات طبية، لا يوجد لدينا أبسطة أنواع الأدوية التي تخفف الآلام.

آلام

ومصدركم في الأدوية مِن من؟
اليونيسيف، قامت بزيارتنا قبل ستة شهور، وأتت بكمية ليست بقليلة من الأدوية ونحن نستفيد منها حتى هذه اللحظة، ولكن مجملها متعلقة بالإسعافات الأولية. هي في غالبها حبوب لتخفيف الآلام عن اللاجئين ليس أكثر.

لا عودة

متى آخر زيارة سُجلت للمفوضية؟
آخر مرة، كانت قبل أسبوع، حيث جاء 4 موظفين، ولم تحمل زيارتهم أي شيء، لأنهم قالوا لنا أن أمامنا خيار العودة إلى مخيم (كاوا) في كردستان العراق. نحن مصرون على عدم العودة إلى العراق، لأننا لا نشعر بالأمان، لذلك فقضيتنا ستظل كما هي..

تنك مياه لا يكفي

وماذا بشأن المياه؟
نستمدها من تناكات المياه القادمة إلينا من وإلى العراق، والصليب الأحمر يوفر لنا تنك مياه واحد، وأذكر في يوم تعطل، ولم تصل المياه لمدة خمسة أيام، ووقفنا في الشوارع نتسول المياه من الشاحنات المارة، وأنا صادق على ما أقول.



نريد العيش

ما الحل برأيكم؟
لا عودة إلى كاوا، لأن إخواننا فيه يتألمون وخائفون من شبح الاضطهاد. مؤخرا في إربيل مات الكثير من الأكراد، نتيجة ذلك مُنعت زيارات بينهم في المخيم؛ لذلك، فحياتنا في خطر ومن حقنا أن نعيش في مكان آمن لنا ولأولادنا وزوجاتنا.

..وحلم

ماذا تقولون أخيراً؟
لا نريد استجداء العطف، ولكن أن ينظروا إلى قضيتنا باهتمام، وأن لا نكون على هامش هذه الحياة، يكفينا تلك السنوات، ونحن على مسافة من هذا العالم.

أضف تعليقك