لاجئون سوريون يقعون في شراك محتالين عبر "فيس بوك"
المحتالون … يلاحقون اللاجئين السوريين حتى على وسائل التواصل الاجتماعي
لا يفرض فيس بوك في نظامه توثيق الحسابات أو الشخصيات على مستخدميه، بل يتركها كخيار لمالك الحساب أو الصفحة. مما يعني أن جمعة بإمكانه الادعاء بأنه خميس، وخميس بإمكانه الادعاء بأنه حسنين، وحسنين يصبح عوضين، وهكذا …
في إحدى صفحات فيس بوك وجد اللاجئ السوري عزيز منشوراً عن العنصرية فضغط على زر الإعجاب ووضع تعليقاً، رد كاتب المنشور على التعليق وبدأت محادثة بين كاتب المنشور وعزيز.
ادعى كاتب المنشور أنه يعمل في وزارة الخارجية الكندية وسأل عزيز متعاطفاً، كيف أستطيع أن أساعدك؟
في هذه اللحظة حلقت أحلام عزيز عالياً إلى العالم الوردي وبدأ يحس بطعمها تحت لسانه بكل ما للكلمة من معنى وطلب بإنجليزية المتواضعة من كاتب المنشور مساعدته وعائلته في الحصول على فرصة الهجرة إلى كندا.
كان رد الصديق الفيسبوكي مقنعاً فهو موظف مرموق في وزارة الخارجية الكندية ولا يستطيع التدخل في مثل هذه الأمور، لكنه سيصله بمساعدته الشخصية وهي بدورها ستساعده بالتأكيد للحصول على الفيزا والسفر إلى كندا.
بالفعل تواصلت المساعدة مع عزيز وطلبت منه معلومات كاملة عنه وعن عائلته وغابت لبضعة أيام لتعاود التواصل مع عزيز مجدداً معلنة أن كل شيء يجري على ما يرام وأن على عزيز إرسال مبلغ مئة دولار أمريكي كرسوم قانونية لإيداع طلب الفيزا له ولعائلته.
وأرسلت له وثائق طلب الفيزا ليملأها ويعيد إرسالها.
حول عزيز مبلغ المائة دولار عبر نظام تحويل ويسترن يونيون وملأ طلب الفيزا وأعاده إلى (الموظفة)
بعد عدة أيام تواصلت معه (مساعدة الوزير) وأعلنت له أن الطلب قد تم تقديمه والآن يجب أن يتم تقديم طلب آخر إلى دائرة الهجرة الكندية، وهذا الطلب يحتاج لتعبئة أوراق أخرى ومبلغ مائة دولار أخرى لتقديم الطلب.
وفي هذه المرة أيضاً نفذ عزيز ما طلب منه وحول المال من جديد.
بعد عدة أيام تكرر اتصال موظفة الوزير مع عزيز لتعلن له عن طلب آخر يجب تعبئته ومائة دولار أخرى يجب إرسالها. إلا أن المائة دولار الثانية التي أرسلها عزيز كانت آخر ما يملكه من مال في هذه الدنيا.
لم تأبه (مساعدة الوزير) لإعلان عزيز بأنه لا يملك مالاً لإرساله وأعلنت له أن هذه الطلبات يجب تقديمها ودفع التكاليف وإلا سيتوقف كل شيء ولن يحصل على فرصته في الهجرة.
تواصل معي عزيز لمساعدته في هذه الورطة التي وقع فيها، وأرسل لي جميع المعلومات التي لديه عن الأشخاص الذين تواصل معهم في مغامرته هذه.
خلال ساعة من الزمن باستخدام أدوات البحث المعمق والمخصص على الأنترنت استطعت تحديد زيف هؤلاء الأشخاص وأن العملية كانت مجرد عملية احتيال هدفها سحب أكبر مبلغ ممكن من المال من عزيز، وأن الوزير ومساعدته انتحلا شخصيات مسؤولين حكوميين، وقد تورط عزيز وحول المال إلى حساب شخص في نيجيرياً.
أبلغ عزيز منذ عدة أشهر مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بما حصل، وعرض عليهم وثائق التحويل والمحادثات التي أجراها مع منتحل شخصية الوزير الكندي على واتس آب. إلا أنه حتى الآن لم يسرد ماله ولم يحصل على أي رد أو أنباء من المفوضية وما زال حساب منتحل شخصية الوزير فعالاً.
المحتالون يتربصون باللاجئين السوريين على فيس بوك بحرية مطلقة.
بهدف معرفة مدى انتشار عمليات الاحتيال على اللاجئين السوريين على فيس بوك قمت خلال يوم عمل واحد (8 ساعات) بإجراء بحث بسيط عن صفحات ومجموعات تتعلق باللاجئين. وكان الهدف أن يكون الأمر محاكاة لبحث المستخدم العادي في فيس بوك.
استطعت خلال ثماني ساعات إحصاء 83 حساب على فيس بوك تروج لجميع الخدمات التي يمكن أن تتخيلها للاجئين السوريين، فقط صفحتان من هذه الـ 83 كانت موثقة وتملكها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وجدت حسابات تستخدم صور رؤساء الدول بحرية مطلقة وأخرى تستخدم شعارات منظمات الأمم المتحدة كشعار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين كصورة شخصية أو على حائط الصفحة. أو تستخدم أسم المنظمة الأممية كجزء من أسم المجموعة أو الصفحة دون أي عائق من فيس بوك.
صفحات أخرى تروج لوثائق أوروبية مزورة وتمول ترويجها عبر فيس بوك، ومجموعات خاصة بعمليات تهريب اللاجئين السوريين من دول جوار سوريا إلى أوربة، ومجموعات وصفحات تدعي قدرة منشئيها على مساعدة اللاجئين السوريين في الهجرة عن طريق عقود العمل إلى الدول الأوروبية وكندا وأستراليا، وأخرى ستبدأ في تحضير الفيزا لك مباشرة بعد تقديم طلبك وملئ استمارة التسجيل بمجرد النقر على الرابط المرفق بعد تلك العبارة.
إذا اخترت النقر على ذلك الرابط سينقلك الى متاهة من المواقع في الشبكة العنكبوتية تغريك بالتسجبل وملئ بياناتك للحصول على عقد عمل في إحدى تلك الدول...
إلا أن ما لم أتخيله أبدا هو أنني وجدت صفحة تدعي أنها صفحة الشرطة الدولية الإنتربول.
وعلى الرغم من أن جميع الصفحات غير الموثقة التي رصدتها تنتهك الكثير من شروط الخدمة و معايير المجتمع الخاصة بفيسبوك، إلا أنه لم يتم حظرها أو إغلاقها بشكل تلقائي ومازالت تعمل منذ فترات تتراوح من عام واحد وتمتد إلى عدة أعوام.
لا يمكن لفيس بوك الادعاء بأنه لا يعلم عن هذه الصفحات، ففي كل صفحة هناك قسم مخصص للصفحات ذات الصلة فيه ثلاث اقتراحات لصفحات أخرى. وفي جميع الصفحات التي وثقتها كان قسم الاقتراحات يقودني الى صفحة أو صفحتين تمارسان ذات نشاط الصفحة التي أنا فيها. مما يعني أن خوارزمية فيس بوك قادرة على تحديد ماهية ونوعية نشاط هذه الصفحات وربطها ببعضها البعض.
ولم أكن حتى بحاجة للتخفي باسم مستعار لدخول المجموعات الخاصة بتهريب البشر والاتجار بالوثائق الأوروبية المزورة، فهذه الصفحات تنشط على فيس بوك علنا وبدون أي خوف من أي ملاحقة قانونية لا محلياً ولا دولياً ويضع المهربون وتجار الوثائق أرقام هواتفهم على هذه الصفحات بكل جرأة.
فيس بوك كواجهة لبناء سمعة مرموقة تغطي عمليات الاحتيال.
على فيس بوك يبدو أبو العز هو شخص مرموق بلباس غربي رسمي، يعمل بتنظيم المعارض في جميع أنحاء العالم. أما خارج فيس بوك فهو مهرب بشر يدعي قدرته على مساعدة من يريد في الحصول على فيزا إلى تركيا أو اليونان. ومن هناك يستطيع من وصل إكمال طريقه إلى أوربة.
تعرفت منال على أبو العز عن طريق وسطاء. وأقنعها بأنه يستطيع تأمين فيزا لها إلى اليونان ومن هناك تستطيع إكمال طريقها إلى ألمانيا لتصل إلى أخويها الحاصلين على حق اللجوء ورفضت الدولة الألمانية لم شملها بهما لتجاوزها سن الثمانية عشر عاماً.
وبالفعل أمن أبو العز لمنال مقابلة في السفارة اليونانية في دمشق لتقديم طلب الحصول على فيزا مقابل 400 دولار، دفعتها له منال مقدماً، ولقنها لتدعي بأنها مسافرة للمشاركة في معرض للترويج لمنتجات شركتها. إلا أنه وخلال المقابلة طلب منها موظف السفارة إبراز وثائق تسجيل الشركة ووثائق أخرى تثبت تقدم شركتها بطلب للمشاركة في المعرض.
وعدت منال الموظف بجلب تلك الوثائق في الزيارة القادمة وغادرت السفارة وفشلت في الحصول على فيزا ودخلت في دوامة مطاردة أبو العز لاسترجاع مبلغ الـ 400 دولار التي دفعتها. فقد انكشف غشه وتبين أنه استخدم خبرته في عمله في تنظيم المعارض ليدخلها الى مبنى السفارة فقط وإجراء لقاء تقديم طلب الفيزا مع موظف السفارة فقط لا أكثر ولا أقل.
دخلت منال بعد ذلك في دوامة استعادة المبلغ الذي دفعته لأبو العز بعدما اتضحت اللعبة لها, ولحسن حظها استطاعت استرداد المبلغ على دفعات بالضغط على أبو العز عن طريق الأصدقاء والمعارف والتهديد بفضحه والتقدم بشكوى ضده للسلطات المختصة.
وتقول منال أن استرداد المبلغ كان مرهقاً جداً، فأبو العز حاول التنصل والتهرب كثيراً وحاول عدة مرات تحميلها المسؤولية وادعى أنه تحمل نفقات على منال تعويضها له بهدف الاحتفاظ بنصف المبلغ. إلا أنه في النهاية رضخ وأعاد المبلغ على دفعات امتدت على عدة أشهر.
عام 2021 يضرب أرقاماً قياسية في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.
في مقابلة خصتنا بها الناطقة الإعلامية في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن ليلي كارليل أوضحت إن المفوضية تعلم بوجود عمليات احتيال تستهدف اللاجئين، وتعمل بالتعاون مع شبكات التواصل الاجتماعي ومن ضمنها فيس بوك لازالة الصفحات والمنشورات التي تمارس الاحتيال وفي بعض الحالات الخطرة تقوم بالتبليغ عن هذه الحسابات لوحدة الجرائم الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية الأردنية.
وأضافت كارليل أن اللاجئين يستطيعون إبلاغ المفوضية عن عمليات الاحتيال هذه عبر عنوان البريد الالكتروني التالي [email protected] وأيضاً في مكاتب المفوضية حيث يتواجد فريق خاص في متابعة عمليات الاحتيال ودعم اللاجئين الذين تعرضوا لها. وتذكر المفوضية أن جميع خدماتها مجانية وعلى اللاجئين أن لا يثقوا بأي شخص أو جهة كانت تطلب منهم دفع أجور معينة لقاء خدمات المفوضية أو شركائها.
عمليات الاحتيال الرقمية والالكترونية أكثر مما تتصور. وللأسف لا توجد إحصاءات خاصة بالمنطقة العربية لكن بعض الأرقام التالية ستوضح لكم جزءا من الصورة الكبيرة.
فحسب بيانات لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية كان عام 2021 عاماً مميزا في حجم الاحتيال على مواقع التواصل الاجتماعي، فربع عمليات الاحتيال الرقمية والالكترونية حصل على مواقع التواصل الاجتماعي، وبلغ حجم المبالغ المسلوبة 770 مليون دولار وعدد الأشخاص الذين تم الاحتيال عليهم 95 ألف شخص.
وقال غالبية الضحايا أنه تم الاحتيال عليهم أثناء محاولتهم شراء شيء ما، وكان 70% من عمليات الاحتيال متعلق بعمليات الاستثمار الوهمية أو الاحتيالية.
عدد عمليات الاحتيال في 2021 يساوي ضعف ما كان عليه في عام 2020 ويساوي 18 ضعف عمليات الاحتيال التي حصلت عام 2017.
إلا أن هذا العدد الضخم من عمليات الاحتيال حسب لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية، لا يمثل سوى 4.8% من عمليات الاحتيال الحقيقية التي تحصل في الواقع، فغالب الضحايا حسب الدراسات لا يقومون بالتبليغ عن وقوعهم في الاحتيال بسبب الخجل، أو عدم الثقة في استعادة ما سلب منهم.
أما بالنسبة لفيس بوك تحديدا، فتقول شركة ميتا إنه حسب تقديراتها 5% من الحسابات على فيس بوك هي حسابات وهمية، وأن الشركة عطلت 2.19 مليار حساب وهمي بنهاية الربع الأول من عام 2019. بالاخذ بعين الاعتبار أن عدد مستخدمي فيس بوك بلغ عدد مستخدمي فيس بوك 2.91 مليار شخص بنهاية 2021 تصبح نسبة الحسابات الوهمية على فيس بوك قرابة ثلثي الحسابات الفاعلة وليس 5% كما أعلنت ميتا.
حكمة سمعتها من جدي رحمه الله تقول إذا فسد الزمان فإن سوء الظن من حسن الفطن ويبدو أنها تعبر تماماً عن حالنا في العالم الإفتراضي الذي أقل ما يمكن أن نقول عنه، إنه عالم بلا قانون.
عمليات الاحتيال تحصل كل يوم فكن حذراً
|