كيف نقرأ نتائج الانتخابات البرلمانية الأردنية... لماذا تقدم الإسلاميون؟
مقدمة
استطاع حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن) تحقيق مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية الأردنية التي جرت في 10 أيلول/سبتمبر الحالي. وأظهرت النتائج النهائية فوزه بـ31 مقعدًا (من أصل 138) بعد أن كان يشغل 7 مقاعد في البرلمان السابق. في وقت فشلت أحزاب شُكّلت حديثًا بالوصول إلى البرلمان، حققت أحزاب أخرى عددًا محدودًا من المقاعد.
صوت ما يقارب مليون ونصف مليون ناخب وناخبة الثلاثاء (31% نسبة الاقتراع) في الانتخابات لاختيار أعضاء مجلس النواب. كانت هذه أول انتخابات تُجرى في ظل قانون جديد للأحزاب، وآخر للانتخاب، اعتُمدت بعد تشكيل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في 2021 لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية. منح القانون الانتخابي الجديد الناخب الأردني صوتين: واحد للقوائم الحزبية المغلقة على مستوى الوطن ( 41 مقعدًا من أصل 138)، وآخر لقوائم محلية مفتوحة محصورة في مكان سُكنى الناخب.
كان أحد الأهداف المعلنة لهذه الإصلاحات توسيع التمثيل عن طريق زيادة عدد الأحزاب السياسية. وتنافس في هذه الانتخابات 25 حزبًا من أصل 38 حزبًا مرخصًا، جلّها تشكَّل حديثاً بعد القانون الجديد للأحزاب. إلا أن عشرة أحزاب فقط تمكنت من الوصول إلى البرلمان.
تستعرض هذه الورقة نتائج الانتخابات وتضع العلاقة بين الإسلاميين والنظام في سياقها التاريخي، وتحاول تقديم قراءة أولية عما يعني انتصار واضح للإسلاميين في ظل دور مهمّش للبرلمان.
أسباب موضوعية لفوز الإسلاميين
حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي تأسس عام 1992، أكبر الأحزاب المعارضة وأكثرها تنظيمًا وتأثيرًا في الشارع الأردني. لعبت في تصدُّره الانتخابات أسباب وملفات محلية وإقليمية، أبرزها ما يجري في غزة من حرب إبادة.
ترك تصدُّر الإسلاميين في الأردن الحراك المناصر لغزة، وزيارة بيت منفذ عملية الكرامة على جسر الملك حسين، سائق الشاحنة ماهر الجازي، قبل يوم واحد من الانتخابات، أثراً لدى الناخب الأردني، ورفع الإسلاميون شعارًا واضحًا في حملتهم يرمز إلى المثلث الأحمر لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وصمم النائب السابق والفائز في الانتخابات الحالية ينال فريحات (حصل على 18 ألف صوت في عمان) لوحاته الانتخابية على شكل مثلث مقلوب، بينما رفع مرشحون آخرون شعار "إما أن تصوت مع التطبيع أو ضد التطبيع".
لا ينكر عدد من قيادات الحركة الإسلامية، مثل المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، مراد العضايلة، وأمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي، المهندس وائل السقا، دور ما يجري في غزة من خلق حالة تعاطف مع حركات الإسلام السياسي. في الوقت ذاته، تترسخ قناعات لدى بعض هذه القيادات، أن هذه النتائج هي نتاج طبيعي لحجم الإسلاميين في الشارع الأردني، والتي جاءت في ظل غياب تدخلات أمنية كبيرة لتقليص حجم التيار الإسلامي في هذه الانتخابات.
يعتقد عدد من الإسلاميين والمحللين السياسيين، الذين حضروا حفل استقبال الفائزين من نواب حزب جبهة العمل الإسلامي أن السلطات الأردنية، عمدت إلى ترك العملية الانتخابية وعدم "هندسة مسبقة" لسببين مهمين، أولهما، رسالة إلى أمريكا، والغرب عموماً، مفادها أن ترك إسرائيل ترتكب العنف والعربدة، سيولّد تيارات إسلامية متشددة. أما السبب الثاني الذي كان مثار النقاش في الحفل هو شكل قانون الانتخاب الجديد الذي حد من قدرة أي تدخل أمني مسبق.
ليست هذه الأسباب الوحيدة. التصويت للإسلاميين يأتي كنتيجة طبيعية لتفاقم أزمة الثقة بين الحكومات والمواطنين، وهي فجوة تزداد اتساعًا منذ سنوات، بعد شعور المواطن الأردني بفشل الحكومات في إيجاد حلول لمشاكل اقتصادية تؤثر على جيوب الأردنيين، وتماهي مجالس النواب السابقة مع قرارات وموازنات حكومية زادت من نسبة الفقر والبطالة (35% نسبة الفقر، معدل البطالة 24%).
لجأ الإسلاميون إلى تكتيكات ذكية في قوائمهم المحلية والقائمة الحزبية، من خلال إشراك، مرشحين ذوي ثقل عشائري في مناطقهم، أو شخصيات قادرة على جذب أصوات معينة كالمرشح ناصر النواصرة، نقيب المعلمين السابق، الذي حلت الحكومة نقابة المعلمين في عهده وسيطرت على إدارتها، ما دفعه إلى خوض اعتصامات وإضرابات انتهت إلى اعتقاله قبل سنوات.
دفع وجود النواصرة في القائمة الحزبية آلاف المعلمين المتضررين من وقف وحل نقابتهم للتصويت لقائمة حزب جبهة العمل الإسلامي، ليحملوا نقيبهم السابق إلى البرلمان. يقدر عدد المعلمين في الأردن بـ 137.8 ألفًا، الأمر الذي مكن الإسلاميين من حصد أصوات من دوائر لم يألفوها كدائرة بدو الوسط.
غياب أحزاب فاعلة تنافس الإسلاميين
من العوامل الأخرى التي عززت حظوظ الإسلاميين ضعف الأحزاب الكلاسيكية (اليساريون والقوميون، والأحزاب البرامجية الجديدة). تنافس في هذه الانتخابات 25 حزبًا من أصل 38 حزبًا مرخصًا جُلّها تشكَّل حديثاً بعد القانون الجديد للأحزاب، إلا أن عشرة أحزاب فقط تمكنت من الوصول إلى البرلمان.
اسم الحزب | عدد المقاعد من القائمة الوطنية (من أصل 41) | عدد المقاعد عن الدوائر المحلية (من أصل 97) |
جبهة العمل الإسلامي | 17 | 14 |
حزب الميثاق | 4 | 17 |
حزب إرادة | 3 | 16 |
الحزب الوطني الإسلامي | 3 | 4 |
حزب الاتحاد الوطني | 2 | 3 |
حزب الأرض المباركة | 2 | 0 |
حزب العمال | 2 | 0 |
حزب نماء | 1 | 0 |
حزب المدني الديمقراطي | 0 | 1 |
حزب العمل | 0 | 1 |
حزب الشباب | 0 | 1 |
لم تتمكن الأحزاب اليسارية والقومية، والتيار المدني، من تجاوز عتبة الانتخابات التي وصلت إلى 40 ألف صوت؛ لغياب تأثيرها في الشارع لأسباب أيديولوجية تتعلق بالشارع الأردني، كالفكر اليساري.
أما الأحزاب الجديدة التي تشكلت بعد عام 2021 - يقودها مسؤولون سابقون مثل حزب الميثاق، بقيادة الوزير السابق محمد المومني، وحزب إرادة بقيادة الوزير السابق نضال البطاينة - تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في كيفية بناء قاعدة شعبية حقيقية قادرة على منافسة الإسلاميين. ورغم الدعم الذي تحصل عليه من الدولة، إلا أن هذه الأحزاب تعاني من عدة مشكلات، أبرزها افتقارها إلى الجذور الاجتماعية والقاعدة الشعبية القوية التي يتمتع بها الإسلاميون.
أحد التحديات الأخرى هو أن هذه الأحزاب غالبًا ما يُنظر إليها من قبل الناخبين على أنها امتداد للنظام أو من أدواته، ما يجعلها تواجه صعوبة في جذب ثقة الناخبين الذين يرغبون في التغيير والإصلاح الحقيقي، ما يضع كل عملية الإصلاح السياسي في دوائر الشك.
وبالرغم من ذلك، تهافتت شخصيات سياسية ورجال أعمال بالانخراط في الأحزاب الجديدة التي روّجت لفكرة أن انتسابك لهذا الحزب "المدعوم" سيضمن لك الوصول إلى قبة البرلمان، وباعت بعض الأحزاب الحديثة ترتيب المرشحين بقوائمها بمبالغ مالية طائلة تصل إلى مليون دولار، فضح ذلك أعضاء مستقيلون من الحزب، ما دفع الهيئة المستقلة للانتخاب لإحالة أمين عام حزب -دون ذكر اسمه- إلى القضاء.
ما الذي تشير إليه الانتخابات عن تطور العلاقة بين النظام والإسلاميين؟
تاريخيًا، وقفت جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب النظام الأردني في لحظات حرجة خلال فترة الخمسينيات، إذ تحالفت الجماعة مع الملك الراحل الحسين بن طلال في مواجهة حكومة سليمان النابلسي المدعومة من جمال عبد الناصر. شهدت تلك الفترة صراعًا بين الحكومة والملك، تصاعد إلى محاولات انقلاب من قبل ضباط في الجيش الأردني عام 1957. في هذا السياق، أدت جماعة الإخوان دورًا بارزًا في حشد الشارع ضد الحكومة القومية التي أقيلت لاحقًا من قبل الملك، الذي أصدر قرارًا بحظر جميع الأحزاب باستثناء جماعة الإخوان وأعلن فرض الأحكام العرفية، التي استمرت حتى عام 1989.
أعادت فترة "ثورات الربيع العربي" تشكيل العلاقة بين النظام الأردني وجماعة الإخوان المسلمين، إذ واجه النظام الأردني تحديات متزايدة من حيث المطالب الشعبية بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، واعتبر النظام أن جماعة الإخوان المسلمين ساهمت بقيادة المظاهرات التي عمت البلاد (2011-2013). وبعد فشل الربيع العربي ــ عقب تحوله إلى حروب دموية في دول عربية مجاورة للأردن مثل سوريا ــ بدأ النظام في الأردن بتنفيذ هجوم مضاد على جماعة الإخوان المسلمين.
وسعى النظام إلى كبح نفوذهم دون اللجوء إلى إجراءات قمعية صارخة، كما هي الحال في مصر والإمارات والسعودية، وإن كان النظام قد اعتقل عددًا من قياداتهم. ركز النظام الأردني في تلك الفترة على تقليص فرصهم في تحقيق أغلبية برلمانية قد تهدد النظام القائم. لذلك، لجأ النظام إلى مجموعة من الأدوات والأساليب لضمان عدم صعودهم إلى موقع الأغلبية، وظهر مصطلح "هندسة الانتخابات" في الانتخابات النيابية الماضية (2020) حيث جرى ترتيب أوراق المرشحين، والضغط على بعضهم للانسحاب ومضايقات سياسية عنيفة تصل إلى الاعتقال.
على عكس انتخابات عام 2020، خفت وتيرة الصدام بين الإسلاميين و السلطات الأردنية في الانتخابات الأخيرة واختصرت المضايقات إلى حالات محدودة، من بينها إلغاء حجز قاعات عامة واعتقال المرشح عن المقعد المسيحي للحزب، جهاد مدانات، إلى جانب اعتقال بعض ناشطي ومرشحي الحزب على خلفية منشورات انتقدت الموقف الرسمي من الحرب على غزة، كما حصل مع عضو الحزب في العقبة خالد الجهني الذي أفرج عنه لاحقًا بعد أسابيع من السجن.
يعتقد الإسلاميون، وعلى رأسهم المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين مراد العضايلة، أن هنالك رأيًا لدى صانع القرار الأردني بعدم التضييق وضرورة وجود برلمان قوي فيه تيار إسلامي معارض لمواجهة يمين إسرائيلي متطرف، قد يتحالف مع يمين أمريكي في حال فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية وإعادة إنتاج صفقة القرن. وكان رئيس كتلة الإصلاح النيابية السابق صالح العرموطي أرسل رسائل طمأنة للنظام أن الإسلاميين "يسعون للمشاركة لا المغالبة".
حالة إحباط من تغيير حقيقي
رغم هذا التفاؤل الحذر للإسلاميين، إلا أن المواطن الأردني يشعر بحالة إحباط من وجود نية حقيقية للتغيير. تقارب نسبة التصويت 31% في انتخابات 2024 وهي تقارب النسبة السابقة للانتخابات التي جرت في ظل جائحة كورونا. تاريخيًا تُسجل مدن مثل عمان والزرقاء ذات الثقل السكاني (للأردنيين من أصول فلسطينية) نسب تصويت أقل لأسباب تتعلق بالتمثيل السياسي. إلا أن حالة العزوف عن المشاركة امتدت إلى مناطق أخرى، بسبب تردي الوضع الاقتصادي وعجز البرلمانات المتعاقبة على وقف برامج الحكومة مع صندوق النقد الدولي منذ عام 1989 الذي كبل المواطن بضرائب ورسوم ورفع للدعم، ما زاد من رقعة الفقر والبطالة، ودفع أردنيين من قرى أردنية في الشمال إلى الهجرة غير الشرعية عبر القوارب من المكسيك إلى أمريكا في مشهد غير مألوف على الأردنيين.
يسود الإحباط بين الناس بسبب شعورهم بأن التغيير الحقيقي لا يزال بعيد المنال. هذا الإحباط نابع من تجارب سابقة مع مجالس نواب يُنظر إليها على أنها غير قادرة على إحداث تأثير ملموس في السياسات والتشريعات إلى جانب تراجع مناخ الحريات بشكل ملموس بعد إقرار السلطات قانون جرائم إلكترونية قيّد حرية الرأي والتعبير على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وزج بصحافيين في السجن، على رأسهم الكاتب الساخر الشهير أحمد حسن الزعبي.
الخاتمة (الثقة على المحك)
شكلُ البرلمان الجديد سيكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة النظام على إعادة بناء جسور الثقة مع المواطنين، من خلال وجود برلمان قوي قادر على المراقبة والمحاسبة والتشريع بغض النظر عن التركيبة السياسية، يستذكر الأردنيون عبر شبكات التواصل الاجتماعي مقولة مشهورة لرئيس مجلس نواب سابق "عبد الكريم الدغمي" الذي قال: "نحن مجرد ديكور"، فهل سيمحو المجلس القادم هذه الذكرى ويعيد جسور الثقة؟
يقع على عاتق المجلس الجديد معالجة جملة من القضايا السياسية والاقتصادية التي تحتاج إلى معالجة فعالة هي التعامل مع الأزمات الإقليمية، مثل القضية الفلسطينية والأزمة السورية. إذ تعرض المجلس السابق لانتقادات بسبب ضعف دوره في مراقبة أداء الحكومة مما يجري في غزة ومراجعة اتفاقية السلام مع إسرائيل، واتفاقيات التطبيع المنبثقة عنها مثل اتفاقية شراء الغاز.
على الصعيد الاقتصادي، يواجه المجلس الجديد تحديات تتعلق بارتفاع الدين العام، الذي بلغ 42.513 مليار دينار أردني حتى نهاية شهر أيار 2024 مع الحاجة إلى تقديم حلول فعالة لتقليل المديونية والعجز المالي.