كيف تتأثر عاملات الزراعة بالتغير المناخي؟

الرابط المختصر

أصبح التغير المناخي أبرز تحديات هذا العصر، وله آثار سلبية واضحة على القطاعات كافة، ولعل أهم هذه الآثار ندرة المياه والجفاف وقلة الإنتاج الزراعي وتراجع الأمن الغذائي، كما ويؤثر على المجتمعات وأعمالها ووظائفها.

 

وبشكل مباشر، يؤثر التغير المناخي على قطاع الزراعة والإنتاج الزراعي، ما يعني أن العاملين والعاملات في الزراعة الذين يعتمدون بشكل أساس على الإنتاج الزراعي مصدر دخل رئيس لهم ولأسرهم، عملهم مهدد بسبب تداعيات التغير المناخي.

 

في حين يعتقد خبراء أن غالبية العاملين في الزراعة هم من النساء، وقد تصل نسبة النساء 70 بالمئة من إجمالي العاملين؛ ما يعني أنهن الأكثر تأثرا بالتغير المناخي من غيرهن، الأمر الذي يقلل من فرص مشاركتهن في سوق العمل على المدى البعيد.

 

التنقل للعمل بالزراعة 

تعمل يسرى السميرات منذ نحو ثمانية أعوام في مزارع الأغوار الشمالية، وهي مسؤولة عن 14 مزارعة، تقول لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن عملها يتأثر بالتغير المناخي، لأن العمل في الزراعة موسمي، ويعتمد على كمية إنتاج المحاصيل الزراعية، وكلما زاد الإنتاج زادت فرص العمل، والعكس صحيح في ظل التغير المناخي.

 

وتوضح أن المحاصيل لم تعد تُزرع في الأراضي المكشوفة بقدر ما تُزرع داخل البيوت البلاستيكية، بسبب قلة المياه وصعوبة الحصول عليها، "المحاصيل المكشوفة قلّت مقارنة بالسنوات السابقة، وبعضها تكاد زراعتها تنقرض مثل الفاصوليا والفول، ورغم أنني أعمل في الزراعة فقد أشتري الفول من السوق".

 

وتبيّن بأن موجات الصقيع وارتفاع درجات الحرارة في ظل التغير المناخي تتزايد، الأمر الذي يؤثر عليها والعاملين، "نعمل تحت الشمس الحارة واحتمالية تعرضنا لضربات شمس تزيد بسبب التغير المناخي، إلى جانب انتشار الأفاعي، وفي الشتاء موجات الصقيع تضرب المحاصيل، ومع هذه الظروف نفقد عملنا".

 

وتتخوف من أن يقلّ الإنتاج الزراعي في الأغوار الشمالية خلال السنوات القادمة؟ لعدم الاهتمام الكافي بمواجهة تداعيات التغير المناخي، وتقول: "قد أنتقل إلى مناطق أخرى يكون فيها الإنتاج الزراعي أفضل، لأعمل وأحصل على أجر أستطيع من خلاله العيش ووالدتي".

 

وتعتزم السميرات خلال الأيام القادمة المشاركة في فعالية دولية، لتمثيل النساء العاملات في قطاع الزراعة، وتوصيل صوتها حول كيفية تأثير التغير المناخي على بيئة وظروف عملها، والتوصل إلى حلول من شأنها الحفاظ على القطاع الزراعي والعاملين فيه.

 

الزراعات المُراعيِة للمناخ تبقي العمل

أما الشابة إخلاص صقر، التي تعمل في الزراعة منذ ما يُقارب ثلاثة أعوام، فتلاحظ أن إنتاج بعض المحاصيل قلّ، مثل القمح والشعير، وتعزو الأمر إلى زيادة ملوحة الأرض وقلة المياه وتفتت ملكيات الأراضي الزراعية.

وتوضح لـ"المرصد العمّالي الأردني" أن تأثيرات التغير المناخي يمكن أن تقلل غلة المحاصيل والجودة الغذائية، بسبب الجفاف وموجات الحر، فضلاً عن زيادة الآفات وأمراض النباتات، "ربما لم يتأثر الأجر المحصّل، لكن عدد العمال في الزراعة يقل، بسبب قلة الإنتاج".

 

وترى أن هناك حاجة إلى تطوير الطرق الخاصة بالري الزراعي، لتوفير الكمية اللازمة من مياه الري للنباتات الزراعية، "لمواجهة التغيرات المناخية، لابد من التفكير بطرق من خلالها نحافظ على الزراعة وعلى عملنا أيضاً".

 

وتجد صقر أن ممارسات الزراعة المُراعِية للتغير المناخي تساعد على زيادة الإنتاجية، وقدرتها على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ مثل الجفاف، وفي الوقت نفسه تصبح بمثابة خزانات لامتصاص الكربون من الجو، إلى جانب المحافظة على عملها وقريناتها.

 

غياب الأمان الوظيفي

تقول الخبيرة البيئية ورئيسة جمعية دبين للتنمية البيئية هلا مراد لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن النساء العاملات في قطاع الزراعة هنّ الحلقة الأضعف رغم أنهن الغالبية، ومع هذه الظروف يأتي التغير المناخي ليزيد الطين بلة، وشح الموارد المائية يؤثر بشكل أو بآخر على زيادة تعمق المشكلة وحصول النساء على فرص حقيقية لريّ مزارعهن وحيازاتهن الزراعية.

 

وتوضح أنه إذا ضُرب الموسم تفقد النساء جميع مصادر دخلهن، الذي ينتظرنه كل موسم، وبالتالي يتزايد فقر النساء بشكل أو بآخر، "معرفة سبل التعويض الحكومي والصناديق ومصادر التمويل ضعيفة، على اعتبار أنهن الأضعف في الوصول إلى هذه المصادر".

 

وتشير إلى أنّ لا شيء يضمن استمرار عملهن مع صاحب العمل، عندما يكون هناك نوع من قلة الموارد تقلّ فرص العمل، "في الأغوار مثلاً مصدر عمل النساء الأساسي هو الزراعة، وإذا لم يكن هناك أمطار أو حدث ظرف في الموسم يتأثر عملهن، لربما لا يبقى الهاجس هو قلة الأجر اليومي أو معدل الأجور وإنما ما إذا كان هناك أجور أم لا".

 

وترى مراد أن النساء لديهن قدرة عالية على التكيف والتأقلم والتفكير خارج الصندوق، وإيجاد حلول وبدائل للتكيف مع الظروف المناخية، وتقول: "إذا نظرنا إلى دور النساء اليوم بأن يكنّ جزءا من صناعة المحتوى المرتبط بالزراعة وإنتاج معارف لها علاقة بخبرات واقعية، من خلالها استطعنا مواجهة الظروف مثل ظروف الحرارة العالية والفيضانات وغيرها من المشكلات التي تواجه القطاع الزراعي، ونحتاج سماعها لمواجهة المشكلات من وجهة نظر النساء".

 

التغير المناخي يقلل العمل اللائق بالزراعة

بدورها، تقول رئيسة النقابة العامة للعاملين في الزراعة والمياه والصناعات الغذائية، بشرى السلمان لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن ظاهرة التغير المناخي لها تداعيات خطيرة على قطاع الزراعة، الأمر الذي سينعكس على العاملين في القطاع وظروف العمل وشروطه، وتكون التأثيرات السلبية أكبر على النساء العاملات، اللاتي يشكلن نسبة كبيرة من حجم العمالة في القطاع.

 

وتشير إلى أن هذا التحدي الجديد المرتبط بالمناخ وأنماط الطقس يفاقم معاناة المرأة العاملة في الزراعة، فظروف عمل المرأة في القطاع الزراعي صعبة، وجاء التغير المناخي ليزيد من معاناتها، من حيث فقدان الوظائف أو بيئة العمل إلى جانب التحديات الأخرى التي تتعرض لها النساء من غياب لمعايير السلامة العامة والصحة المهنية وسائر معايير العمل اللائق والحقوق العمالية المكفولة بموجب التشريعات النافذة.

 

وتبيّن السلمان بأن التخطيط لمستقبل القطاع الزراعي يجب أن لا يكون بمعزل عن التحديات التي ستلحق بالعمّال بعامة والعاملات بخاصة، وأبرزها فقدان الوظائف وظهور فرص عمل جديدة بسبب التوجه نحو الممارسات الخضراء في الزراعة، الأمر الذي يحتاج إلى تدريب وتأهيل للعمالة كي تواكب التطور.

 

ماذا فعلت الجهات المعنية؟

ولمواجهة ظاهرة التغير المناخي تقوم الجهات المعنية كلٌ في اختصاصه، بوضع خطط وتنفيذ عدد من البرامج التي من شأنها المحافظة على القطاعات المختلفة لمواجهة التغير المناخي.

 

وعلى ضوء ذلك، توضح السلمان أن النقابة ومن خلال مشاركتها في مشروع أطلقه الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن عام 2021 إلى جانب النقابات العمالية الأخرى، ركزت على أهمية أخذ التغيرات التي ستؤثر على العاملين جراء التغير المناخي بالاعتبار، وطالبت بضرورة إدماج محور العمل والعمّال ضمن السياسات والاستراتيجيات الوطنية التي تقوم على تنفيذها وزارة البيئة على الصعيد الوطني.

 

وتشير إلى أن النقابة وضمن شراكتها مع المؤسسات الأهلية والرسمية، قدمت العام الماضي توصيات، ضمن حوار المجتمع المدني بشأن التغير المناخي الذي عقدته الجمعية العلمية الملكية، وركزت على ضرورة توفير معايير العمل اللائق وتطوير منظومة الحماية الاجتماعية للعاملين في القطاع وحماية حقوقهم كافة، الأمر الذي يسهم بزيادة قدرات القطاع على مواجهة التداعيات الخطيرة لظاهرة التغير المناخي.

 

ومن جهتها، تؤكد وزارة العمل أن التصدي لظروف العمل المناخية من ناحية ارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة، يتطلب التعامل مع التداعيات والتأثيرات من خلال وضع التدابير اللازمة من قبل أصحاب العمل والرقابة عليهم من قبل الوزارة.

 

وتوضح أنه لمواجهة تغير درجات الحرارة وما ينتج عنها من متغيرات تلقي بظلالها على سوق العمل وتلحق الضرر بقطاعات عمّالية مختلفة، جرى تدريب مفتشي العمل بهذا الخصوص، وبالتعاون مع منظمة العمل الدولية.

 

وتشير الوزارة إلى أنها تسعى لتطوير سياسات وأنظمة الصحة والسلامة المهنية كي تغطي جميع المخاطر التي يفرضها التغير في درجات الحرارة، ويلتزم صاحب العمل الزراعي باتخاذ جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية لتأمين بيئة العمل الزراعي وللوقاية من جميع المخاطر كالمخاطر الناجمة عن انخفاض وارتفاع درجات الحرارة والضوضاء والاهتزازات والإضاءة وتغيرات الضغط الجوي. 

 

غير أنه عند النظر إلى "نظام تغير المناخ" الصادر عام 2019، نجد في المادة الرابعة من النظام أن النقابات العمّالية ووزارة العمل مغيبة عن اللجنة الوطنية لتغير المناخ، على الرغم من أهمية تواجدهم في مواجهة تداعيات التغير المناخي، وتأثيرها على سوق العمل وبالتالي على الاقتصاد ككل.

 

وعلى ضوء ذلك، تشدد مراد على أهمية التنسيق فيما بينهم، وضرورة الترابط والتعاون بين اللجنة الوطنية لتغير المناخ وبين وزارة العمل والنقابات العمّالية، وإدراك الترابطية بين حقوق العمّال والتغير المناخي، "جانب العمل غير متواجد على أجندة اللجنة الوطنية لتغير المناخ".

 

في حين، وضعت وزارة الزراعة الأردنية وضمن خطة الوطنية للزراعة المستدامة لعامي 2022 - 2025، ولمواجهة التغيرات المناخية ومحدودية موارد المياه، أولوية تطوير بيئة العمل في القطاع الزراعي وخلق فرص عمل في قطاع الزراعة، من خلال الاستثمارات في القطاع، وبكلفة (389) مليون دينار.

 

بينما تقول وزارة التخطيط والتعاون الدولي إنها نفذت منذ سنوات برنامج "التكيف مع التغير المناخي"، وحينها حصل الأردن على منحة بمقدار تسعة ملايين دولار أميركي، إذ يهدف البرنامج إلى دعم تكيف القطاع الزراعي في الأردن، لغايات تعويض النقص في مصادر المياه والضغط على الأمن الغذائي من خلال نقل التكنولوجيا المبتكرة في مجالات إعادة استخدام المياه المستصلحة وحصاد المياه والزراعة المستدامة.

 

الدراسات والأرقام كالماء.. شحيحة

تبرز الحاجة إلى دراسات اجتماعية وزراعية مرتبطة بالتغيرات المناخية والعاملات في الزراعة، ولا نسب وأرقام في الأردن واضحة مبنية على بحوث نوعية بهذا الخصوص، وبشكل عام المسوحات التي تجريها دائرة الاحصاءات العامة تفتقد إلى البعد الجندري.

 

ووفق الاستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية لعامي 2022 - 2025، الصادرة عن وزارة الزراعة، فإن العمالة الزراعية الأردنية المستأجرة بلغت (28.7 ألف) فرصة عمل، وبلغ عدد فرص العمل المستأجرة التي تشغلها النساء نحو (5. 18 ألف) فرصة عمل.

 

وتقول مراد إن نسبة الحيازات الزراعية للنساء في الأردن تراوح بين 10 بالمئة إلى 17 بالمئة، وهذه النسب ليست مبنية على دراسات نوعية.

 

وتبيّن بأنه للوصول إلى عمل جيّد، يجب أن يكون هناك أرقام ونسب مرتبطة بالجندر ليس فقط بالقطاع الزراعي وإنما بمختلف الأعمال، لنستند إليها لمعرفة وتقييم الأوضاع.

 

العمل ضمن موارد خضراء 

وفي سياق الحديث عن الحلول، يكشف تقرير صادر عن مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بعنوان "الأردن يمتلك فرصا واسعة لتوليد فرص عمل جديدة من خلال الاقتصاد الأخضر"، أنّ الأردن يمتلك إمكانات واسعة لتعزيز نمو اقتصاده وتوفير فرص عمل لائق من خلال التوسع في الاعتماد على الموارد الخضراء.

 

ويؤشر التقرير الصادر في تشرين الثاني2021، وبالتزامن مع انعقاد قمة المناخ العالمي في جلاسكو بأسكتلندا، إلى أن قطاعات عديدة من بينها قطاع الزراعة، تمتلك فرصاً كبيرة لتوليد وظائف لائقة ومستدامة ومباشرة، حال اعتمدت على مصادر الطاقة البديلة والمتجددة وتقنيات التدوير.

 

ويدعو التقرير إلى دعم المنتجين الزراعيين من ذوي الحيازات الصغيرة والمتوسطة، وتحفيزهم على استخدام تقنيات بيئية تزيد الإنتاج وتخفّض الكلف في سبيل فتح الباب لفرص العمل.