كيف تؤثر خدمة النقل العام على فرص العمل واستمرارها؟
تضمن خدمة النقل العام للأشخاص الوصول إلى أماكن أنشطتهم المختلفة بما فيها العمل. وعدم توافر الخدمة بشكل جيّد، يؤثر سلباً على العاملين واستمرارهم في العمل، وبالتالي يؤثر سلبا على الحصول على فرص العمل ويزيد حجم البطالة.
ونتيجة صعوبة الوصول إلى العمل لعدم توافر خدمة النقل بشكل كاف، تضيع بعض الحقوق العمّالية مثل اقتطاع جزء من الأجور والرواتب أو الحرمان من الترقيات والحوافز.
يرى الخبير في مجال النقل حازم الزريقات، أن بداية الحل لهذه المعضلة يكمن في النظر إلى خدمة النقل العام بوصفها حقا من حقوق الإنسان التي يجب أن توفرها الدولة لمواطنيها بشكل عادل وكاف.
ويقول، في حديثه إلى "المرصد العمّالي"، إن النقل بشكل عام محرك للاقتصاد والوصول إلى فرص اقتصادية مختلفة مثل فرص التعليم والعمل والترفيه وغيرها.
ويؤكد أن عدم توافر خدمة نقل جيدة يؤثر على قدرة الأشخاص على الوصول إلى الفرص الاقتصادية وبالتالي زيادة البطالة، "يلجأ الأشخاص، لعدم وجود خدمة نقل عام جيّدة وذات موثوقية، إلى النقل الخاص، والمقتدر يسعى إلى امتلاك سيارة خاصة".
ولاحظ الزريقات عدم وجود دراسات حول تأثير خدمة النقل العام على نسبة البطالة في الأردن، ويعتقد أن من الصعب قياسها، ويستحضر دراسة تتعلق بالنساء لإحدى المؤسسات، من نتائجها أن 47 بالمئة من النساء المبحوثات رفضن فرص عمل بسبب الحالة الراهنة لمنظومة النقل العام.
في حين، يؤكد عمّال في مجالات مختلفة ممن يستخدمون خدمة النقل العام لـ"المرصد العمّالي"، أنهم يواجهون تحديا حقيقيا نتيجة ضعف الخدمة المقدمة، وهذا التحدي قد يفقدهم أعمالهم أو يؤدي إلى اقتطاع جزء من الأجر الذي يحصلون عليه جزاء التأخر عن العمل.
تستخدم دعاء الزيود (28 عاماً) وسائط النقل العام منذ ستة أعوام، وتستقل أربع وسائط نقل لتصل إلى مكان عملها في عمان، فهي تخرج من منطقة ايدون بمحافظة المفرق إلى العاصمة عمان، التي تبعد 68 كيلومترا عن مكان العمل، وتستغرق نحو ساعتين على الأقل حتى تصل إلى عملها، هذا إذا كان حظها جيدا.
"أعمل في القطاع الخاص وعملي يبدأ عند التاسعة والنصف صباحاً، ورغم أنني أغادر المنزل عند السادسة صباحاً، أتأخر نصف ساعة أو ساعة عن العمل"، تقول دعاء لـ"المرصد العمّالي".
وتوضح أن تأخرها المستمر يقلل من الراتب الذي تحصل عليه، إذ يقتطع جزء منه، يصل أحيانا إلى النصف بسبب التأخر، "في وقت سابق خسرت عملي بعد أن قرر المدير الاستغناء عن خدماتي بسبب التأخير المتكرر".
ولأنها لا تريد أن تخسر عملها مرة أخرى، اضطرت الزيود منذ عدة أشهر إلى أن تهجر المفرق، لتنتقل إلى لواء الهاشمية بمحافظة الزرقاء بعيداً عن أسرتها وتسكن عند أحد أقاربها، "أصبحت عملية التنقل أسهل وأفضل من ناحية تقليل الوقت والجهد، وكلف التنقل التي كنت أدفعها انخفضت إلى النصف، من 150 إلى ٧٥ ديناراً شهرياً".
وتلاحظ الزيود أن خدمات النقل المتوافرة في عمان أفضل منها في المحافظات، "آمل أن تتواجد مثل هذه الخدمات في المحافظات لتكون عملية التنقل سلسة ومرنة أكثر".
أما الشاب محمد أبو دلو (27 عاماً) من محافظة إربد، الذي يعمل في محل للألبسة موظف مبيعات، فتشكل المواصلات ضغطا نفسيا كبيرا يتعرض له يومياً عند ذهابه للعمل، "تنقلي إلى مكان العمل يأخذ عشر دقائق فقط في السيارة، بينما في النقل العام يأخذ ساعة أو ساعة ونصف الساعة "، يقول لـ"المرصد العمّالي".
يبعد منزل أبو دلو عن مكان عمله نحو 20 كيلومترا، ويستخدم ثلاث وسائط للنقل، وفي بعض الأحيان يستخدم التاكسي، وبذلك تختلف كلف التنقل التي يدفعها من دينار وربع إلى أربعة دنانير في كل مرة يذهب فيها إلى عمله.
ويؤشر إلى أنه لا يوجد مواعيد محددة لانطلاق الحافلات، "سائقو المركبات لا يتحركون إلا عندما تمتلىء الحافلة بالركاب، واضطر إلى الانتظار وأحياناً التأخر عن العمل، وهذا ما يمنع حصولي على الترقيات والحوافز".
ويلفت أبو دلو إلى أنه إذا حصل على ثلاثة تنبيهات متتالية يفقد عمله، "كنت قد تعرضت للفصل في وقت سابق وحاولت جاهداً العودة من خلال العمل أياما متتالية لتعويض التأخير".
أما أماني الشمايلة (27 عاماً) من محافظة الكرك، فرغم اختلاف طبيعة عملها عن الزيود وأبو دلو، فهي تواجه التحديات ذاتها، إذ تعمل في مؤسسة إعلامية بمحافظة الكرك، وغالباً ما يكون عملها في الميدان، "يُبلغ الأجر الذي أحصل عليه 210 دنانير شهريا (أي أقل بخمسين دينارا من الحد الأدنى للأجور)، يذهب منه 100 دينار أجور تنقل".
تقول الشمايلة لـ"المرصد العمّالي" إنها تحتاج يومياً إلى ساعتين ونصف الساعة وإلى ثلاث وسائط نقل لتصل مكان عملها، "منزلي في منطقة الشهابية ومكان العمل في قضاء مؤتة والمسافة بينهما تُقدر ب 14 كيلومتراً".
وتؤشر إلى أن عملها في الميدان يتطلب منها التنقل بين أماكن مختلفة، وفي أوقات يتوقف النقل العام عن العمل وتضطر إلى استخدام التاكسي، ما يزيد من الكلف التي تتكبدها، إذ تصل إلى خمسة دنانير في كل مرة تستخدم فيها التاكسي، "النقل العام يتوقف عن العمل عند الثالثة عصرا في حين يكون لدي عمل بعد الثالثة".
وتوضح أنها تختلف أحيانا عن إتمام عملها لعدم توافر خدمة النقل في بعض المناطق، "بعض الأخبار لو غطيتها ميدانيا توصِل رسالة قوية، غير أنها تبقى مرهونة بالنقل، ناهيك عن أن عدم توافر نقل جيّد يؤثر على الأجر الذي أحصل عليه بحكم أن عملي بنظام القطعة".
وتستحضر الشمايلة أنه عند تخرجها عام 2018، حصلت على فرصة عمل في إحدى مدارس الكرك، غير أنها لم تكمل الشهر، "خدمة النقل كانت سيئة للغاية وكلف التنقل مرتفعة مقارنة بالراتب الذي كنت أحصل عليه، الراتب لا يجاوز 220 ديناراً بينما كنت أدفع 120 ديناراً أجور تنقل، فاضطررت إلى ترك العمل حينها".
من جانبها، تقول الناطقة باسم هيئة تنظيم النقل البري عبلة وشاح لـ"المرصد العمّالي" إن الهيئة تسعى من خلال الخطة الاستراتيجية لعامي (2022-2023) إلى تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والعدالة في توزيعها، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة قادرة على جذب رؤوس الأموال الأجنبية، إلى جانب تشجيع الاستثمارات المحلية وتطوير البنى التحتية لقطاع النقل البري ككل.
وحول آلية استحداث وسائط نقل، تبين الوشاح أن الهيئة تعتمد "بالتعاون مع الشركاء"، مدى حاجة منطقة ما إلى وساطة للنقل العام على عدد من المعايير، منها عدد سكان المنطقة "على اعتبار أن كل ألف شخص يستوجب توفير واسطة نقل"، إلى جانب مدى حاجة السكان للواسطة والكلف التشغيلية لهذه الواسطة.
ووفق الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة، فإن عدد وسائط النقل في الأردن يبلغ 5378 واسطة نقل داخل المحافظات وبينها، وتتوزع هذه الوسائط على 1011 سرفيس و3535 حافلة متوسطة و832 حافلة كبيرة.
بينما يؤشر تقرير "حالة البلاد" الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 2021، إلى أن عدد وسائط النقل في العاصمة عمان يبلغ 3,550 واسطة، موزعة على 3,001 سرفيس و201 حافلة متوسطة و348 حافلة كبيرة.
ويذهب الخبير زريقات إلى أن غياب خدمة النقل العام يؤثر على التوزيع الجغرافي والديموجرافي للنمو الاقتصادي بشكل عام، "يخلق حالة من عدم التوازن بين العاصمة عمان والمحافظات الأخرى ويجعل معظم النشاط الاقتصادي يتركز بعمان".
ويشدد على ضرورة دعم وتمويل النقل العام واستخدام التكنولوجيا في تحسين أسطول النقل واستحداث مشاريع قطارات خفيفة ومشاريع مشابهة للباص السريع ووضع معايير واضحة للخدمة وآليات لضبط هذه المعايير، إلى جانب إعادة تأهيل المشغلين وهيكلة البيئة التشغيلية وحل مشكلة ما يسميه بـ"التشرذم" في قطاع النقل العام، إذ أن نسبة كبيرة من النقل ملكية فردية.
ويقترح الزريقات النظر إلى النقل العام من منظور حقوقي، "توفير خدمة نقل عام كفؤة وذات موثوقية عالية هو حق أساسي من واجب الدولة أن تقدمه للمواطن، والنقل ليس خدمة تجارية مربحة بل هو خدمة عامة، توفيرها يعزز من النشاط الاقتصادي ويمكّن الأشخاص من الوصول إلى فرص عمل أفضل".
وتنص المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه "لكل فرد حق في حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود الدولة". وبالتالي، يعتبر حق التنقل من الحقوق الأساسية؛ إذ يجب أن يتمكن الأفراد من التنقل من مكان إلى آخر بسهولة وحرية وأمان.
غير أن هذه المادة لا تنص بصريح العبارة على أن التنقل "الفعّال" هو من حقوق الإنسان، فلا يمكن تحقيق الحق بالتنقل إلا عندما يتمكّن المواطنون من الوصول إلى وسائل نقل مناسبة حرصاً على سلامتهم وتنقلهم بفعالية.
وتؤشر أهداف التنمية المستدامة إلى أنه بحلول عام 2030، يُطلب من الدول الأعضاء (من بينها الأردن) توفير إمكانية وصول الجميع إلى منظومة نقل عام آمنة وميسورة الكلفة، ويسهل الوصول إليها ومستدامة، وتحسين السلامة على الطرق من خلال توسيع نطاق النقل العام.
وتؤكد دراسة صادرة عن مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية في تشرين الثاني 2021، أن محدودية طرق ومسارات النقل أو جداول مواعيد حركة النقل العام تشكل قيداً على أسلوب حياة النساء.
الدراسة التي جاءت بعنوان "سلامة المرأة في العمل"، تؤشر إلى أن عدم توافر وسائط النقل بشكل فعال وضعف قدرة النساء على تحمل التكلفة مقارنة بالدخل، يشكلان تحديا أمام تعزيز مشاركة النساء في سوق العمل وتعزيز النمو الاقتصادي.
وتؤكد دراسة أخرى متخصصة صادرة عن المنظمة الدولية للشباب عام 2014 بعنوان "أثر مشكلات النقل على تشغيل الشباب"، أن 78 بالمئة من الشباب المشاركين في الدراسة يعتبرون المواصلات عائقاً أمامهم للعمل، وتؤثر على قدرتهم على إيجاد فرص عمل والمحافظة على وظائفهم.