قطاع الألبسة والأقمشة فرصة "أخيرة" للبقاء

الرابط المختصر

مع استمرار جائحة كورونا، التي أدت إلى اغلاق ما يقارب 700 منشأة في قطاع الألبسة والأقمشة، تفاجأ أصحاب المحلات والعاملين فيها باستمرار الحظر الجزئي في الساعات المسائية خلال شهر رمضان المبارك، الذي يعتبره كافة العاملين وأصحاب المنشآت "الفرصة الأخيرة للاستمرار في السوق".

مضى عام على أمر الدفاع رقم (6)، الذي لحقه إصدار قائمة شهرية احتوت على تصنيف للقطاعات الأكثر تضررا، وكان قطاع الألبسة من ضمن هذه القائمة طوال تلك الفترة، باستثناء شهر آب الماضي (فترة عيد الأضحى)، بحكم "الأرباح" الضئيلة التي حققها العاملون في القطاع. 

وما أن انتعشت الأوضاع الاقتصادية للعاملين في القطاع بعد فترة عيد الأضحى (آب الماضي) حتى انتكس من جديد في "موسم العز" أو موسم المدارس التي تحولت إلى التعليم عن بعد منذ اليوم الأول للجائحة، إذ كان تجار الألبسة ينتظرون الحركة التجارية المرافقة لفتح المدارس "على أحر من الجمر". لتحقيق أرباحهم السنوية وسد ديونهم، خاصة وأن غالبية منشآت القطاع تصنف ضمن المنشآت الصغيرة والمتوسطة. 

ويصنف القطاع من أعمال البيع بالجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق، والذي ساهم في تخفيض نمو الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لأرقام دائرة الإحصاءات العامة.

يأتي ذلك مع تأكيد مدير عام المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، حازم الرحاحلة، أنّ المنشآت الصغيرة والمتوسطة والعاملين لصالح أنفسهم من أكثر الفئات عرضة لتقلبات السوق بين فترة وأخرى.

جاء هذا التراجع جراء غياب البرامج الحكومية، كالإعفاءات الضريبية وترتيب أجور المحلات بين المالكين والمستأجرين، وتحفيزات البنك المركزي للقطاعات الاقتصادية، مما أدى إلى إغلاق 700 منشأة ، والتي تعتمد على 1 إلى 3 عمّال. غالبيتهم فقدوا وظائفهم، بحسب نقيب أصحاب محلات الألبسة والأقمشة منير دية.

 

خسائر بالجملة

يقول منير دية إن المنشآت الكبيرة في القطاع لم تفلت من الخسارة التي تكبدتها، جراء أربع ضربات "قاصمة" تمثلت بالحظر الشامل عيد الفطر والإغلاق الليلي في شهر رمضان الماضي، ليتبعها موسم الصيف وإجازات المغتربين، الذين لم يعودوا، ثمّ موسم المدارس في أيلول، وصولاً إلى العودة الثانية في الفصل الدراسي الثاني، والتي اعتمد التعليم عن بعد الخيار الأول. 

ويؤكد دية أنّ مجموع الخسائر خلال عام كامل بلغت ما مقداره 200 مليون دينار للقطاع، خاصة بعد أنّ "ركدت أكثر من 85% من البضائع المخصصة للمواسم المختلفة"، لافتا إلى أنه انخفضت إيرادات شهر رمضان الماضي، بنسبة 90% بسبب ساعات الحظر الجزئي المسائية.

يتابع دية أنّ تأثير الموجة الثانية خلال فصل الشتاء بدد آمال التجار في بيع الملابس الشتوية المكدسة، تبعها زيادة عدد الإصابات والوفيات في بداية آذار، ما جعل العديد من المحلات تسجل مبيعات صفرية لأيام متعددة متتالية، ومنعت التجار في المنشآت الصغيرة من الصمود، بظل ثبات الكلف التشغيلية، من ضرائب وإيجارات المحلات، فواتير الطاقة، تشغيل وعاملين، والكلف الجمركية.

ويتقاطع مع قطاع الألبسة، قطاعات عدة كالنقل والدعاية والإعلان، التطبيقات الإلكترونية والبيع الذكي، بالتالي تكمن أهمية القطاع بأنه مشغل للعديد من القطاعات الهامة والحيوية. 

أدت الخسارات المتتالة إلى تسريح خمسة عمال في أحد المحلات، في جبل الحسين، التي تعود الى لؤي، كانوا يعملون فيه بأجور تصل إلى 400 دينار شهريا للعامل الواحد، ليبقى في المنشأة عامل واحد بذات الأجر، في محاولة "أخيرة" لاستمرارية العمل والحد من النفقات في الوقت ذاته.

ويضيف لؤي للـ"المرصد العمالي" أن قرار تمديد حظر التجول خلال شهر رمضان الماضي، شكل لهم انتكاسة حقيقية، وأنّ استمرار العمل به يهدد بإغلاق المئات من محلات بيع الألبسة وتسريح العاملين فيها، مبيناً أن مطلبهم الوحيد حالياً هو زيادة ساعات عملهم في شهر رمضان لغاية الساعة 11 ليلاً ليتمكنوا من تعويض بعض خسائرهم التي تكبدوها.

 

العمال في مهب الريح 

إنّ الحلّ الوحيد المتبقي لأصحاب المنشآت هو التخلي عن عدد كبيرِ من العاملين، فكما ذكرنا سابقاً أنّ نحو 700 منشأة صغيرة أغلقت أبوابها، علماً أنّها تشغل بين عامل و3 عمال في المحل الواحد، ما يعني أنّ نحو 1600 عامل وعاملة فيها باتوا دون وظائف. 

وفق دية فإنّ القطاع يضم ما يقارب 52 ألف عامل وعاملة يعيلون أكثر من ربع مليون نسمة، يقدر المسجلون بينهم في الضمان الاجتماعي بنحو 32 ألفاً، وما تبقى يعلمون بنظام المياومة؛ أي نحو 20 ألف عامل وعاملة لم يتسن لهم الاستفادة من برامج مساند واستدامة اللذان تم اطلاقهم من قبل الضمان الاجتماعي منذ عام وحتى الآن.

يوضح دية أنّ برنامج استدامة ساعد في إبقاء العمل، إذ دفع صاحب العمل 37.5% فقط من أجرة العامل وحمّل البرنامج 37.5% الأخرى ليصل ما مجموعه 75% من كامل أجور العاملين في القطاعات المتضررة، علماً أنّ انخفاض 25% من الأجور خفضت القدرة الشرائية للمواطنين في قطاع الألبسة والأقمشة.

ويشير رئيس نقابة أصحاب محلات الألبسة إلى أنّ الألبسة والأقمشة تعد ضرورية للأسر لكنها ليست أولوية اذا ما قورنت بالمواد الغذائية، أي يستطيع المواطن أو العامل تأجيلها لقاء تأمين الخبز والقوت اليومي، وهو ما أدى إلى ابتعاده أيضاً عن سوق الملابس والألعاب والأثاث.

ويعزو دية عدم شمول كافة العاملين تحت مظلة الضمان الاجتماعي، لأنّ عدد منهم ينقطع عن العمل بالتشاور مع صاحب العمل ويعملون بنظام المياومة خاصة في المواسم التي تنعش فيها حركة السوق كالأعياد وعودة فتح المدارس، ذاكراً أنّ عدد من المنشآت المسجلة بالضمان الاجتماعي، لم تتقدم للاستفادة من برامج الضمان الاجتماعي.

كان من حسن حظّ فريد أنّه بقي في المنشأة التي يعمل فيها بجبل الحسين، رغم انخفاض أجره من 500 دينار شهريا إلى 270 بعد تسريح موظفين اثنين من زملائه بسبب الأوضاع التي عانى منها المحل.

يساند العامل فريد، صاحب عمله، لكونه يعرف أنّ الأوضاع الاقتصادية سيئة للغاية، خاصة وأنّ الأوضاع تهدده بفقدان وظيفته وإغلاق المحل في حال استمرار إغلاق المنشآت في الساعة السادسة مساءً خلال شهر رمضان المبارك.

لم يستطع فريد الاستفادة من برنامج استدامة الذي يتيح له الحصول على 75% من أجره الأصلي، ذلك لعدم اشتراكه في الضمان الاجتماعي، برفقة زملائه.

ووفق أرقام الضمان الاجتماعي، التي حصل عليها "المرصد العمّالي" فإنّ عدد المستفيدين من برنامج استدامة في قطاع الألبسة، بلغ 16119 عاملاً مؤمنا عليه في 216 منشأة في حين استفاد من برنامج مساند بإصداراته الثلاثة 41683 عاملاً وعاملة في 570 منشأة.

يذكر أنّ برنامج مساند أطلقته مؤسسة الضمان الاجتماعي لدعم العاملين المتوقفين عن العمل بالحصول على جزء من مدخراتهم في بدلات التعطل.

 

إنقاذ القطاع:

يطالب التجّار في هذا القطاع ومنذ بداية جائحة كورونا بإصدار أمر دفاع، يخفض إيجارات المحلات والمنشآت فترة معينة حتى يتسنى لهم الاستمرار فيها، ذلك لأنّ القطاع يتكلف نحو 100 مليون دينار سنوياً لهذه الغاية، فضلاً عن 400 مليون دينار كأجور سنوية للعمال بمعدل يتراوح بين 400 – 450 دينار للعامل الواحد. وفق ممثل القطاع بغرفة تجارة الأردن أسعد قواسمي.

يوضح قواسمي للـ"المرصد العمّالي" أنّ فواتير الطاقة والبضائع وإغلاق الحدود أنهكت التجار، أيضاً، خاصة مع ثباتها وتجهيزات موسم العيد القادم بما يقارب 75 مليون دينار من الألبسة والأقمشة والأحذية، في محاولة أخيرة لإنقاذ عدد كبير من المحلات المهددة بالإغلاق.

مع ذلك فقد يحول إجراء إغلاق المنشآت في الساعة السادسة مساءً، إلى إغلاق 10% من المنشآت بعد عيد الفطر، كما يصف دية.

في الوقت ذاته، يرى دية أنّ الحكومة قصرت في دعم القطاعات الاقتصادية، علماً أنّ كافة التجار متفقون على ضرورة الأخذ بالاحتياطات الصحية التي وجدت في معظم المنشآت بمختلف ساعات العمل المتاحة.

ويتابع أنّ العديد من الدول دعمت القطاعات الاقتصادية المتضررة من الإغلاقات، بحوافز اقتصادية تمثلت بقروض ميسرة وتخفيف الفوائد البنكية للقروض القديمة، الّا أنّ الحكومتين السابقة والحالية في الأردن لم تلتفتان إلى هذه الحوافز واكتفت بقرارات الإغلاق التي باتت تهدد باستمرارية القطاعات.

أمّا المقترحات الأخرى التي قدمها التجار للحكومة خلال شهر رمضان، تمثلت بـزيادة عمل القطاعات المتضررة ساعتين على الأقل، قبل شهر رمضان، وفتح المحلات حتى الساعة الحادية عشرة بعد الخامس عشر من الشهر الكريم. 

وحول، تقديم خدمة التوصيل الإلكتروني لقطاع الملابس، أوضح أنّ العملية يصعب تطبيقها كثيراً بناءً على قطاع الألبسة، ذلك لأن 10% فقط من التجار قادرون على تلبية خدمة التوصيل، ذلك لأنّ المجتمعات المحلية في القرى والمحافظات خارج العاصمة يصعب عليها التعامل مع هذا الحل لشراء الملابس، كما أنّ المنشآت الصغيرة ليس باستطاعتها تأمين مواقع وتطبيقات لهذه الخدمة.

وأشار إلى أنّ المقترح يتمثل بتمديد التجوال 4 ساعات بعد الإفطار، أي للساعة الحادية عشر مساءً حتى تضمن محلات القطاع استمرارية العمل فيها.

وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش، إنّ المسؤولية باتت معنية بالطرف الحكوميّ وبأفكار يطبقها القطاع الاقتصادي على نفسه، فقد حان الوقت لخروج القطاع من قوقعة الانتظار الحكوميّ الذي يبدو أنّه لن يكون.

وبين عايش خلال حديثه للـ"المرصد العمالي" أنّ استمرار شكاوى القطاعات من الأضرار يحتم عليها تقديم حلول وتطويرها من خلال الجمعيات القطاعية ونقابات أصحاب العمل، لأنّ انتظار الحكومة لن يكون ذو جدوى، مشيراً إلى أنّ الوضع الاقتصادي يتطلب حلولاً إبداعية للخروج من الأزمة.

لكنّ عايش لا يزيل مسؤولية الحكومة بعدم إصدار أمر دفاع، ينظم تعامل المالكين والمستأجرين تخفض الأجورات المستحقة على هذا القطاع مدة 6 شهور، إضافة إلى ضرورة أن يعيد البنك المركزي النظر بعناية لهذا القطاع والتوجه لتخفيض أسعار الفائدة المصرفية لمختلف القطاعات.

مقترحا في ذلك أن تشارك أمانة عمان والبلديات مع القطاعات والنقابات المتضررة لإيجاد الحلول، وأن تسمح ببيع المنتجات إلى الجمهور، مع ضمانات عدم خلق التجمعات وفرص انتشار الوباء، بحسب عايش.

المرصد العمّالي، يطالب الحكومة أيضاً بإجراءات تخفيفية على قطاع الألبسة وتقديم حوافز بقروض ميسرة لضمان استمرارية العمل والحفاظ على الأيدي العاملة في السوق، ذلك لأنّ استمرار الإغلاق المسائي خلال شهر رمضان سيرفع أرقام البطالة ويؤدي إلى إغلاق منشآت صغيرة ومتوسطة تعيل آلاف الأسر.