قضية الأسرى: الصحافة عندما تعاقب المواطن

الرابط المختصر

منذ ان كان للاردن اسرى في اسرائيل، كانت تغطية بعض الصحافة اليومية لهذه القضية مثار استغراب....

فلا وجود لهؤلاء الاسرى ما لم يكن هناك تحركا رسميا، ولكن ما حصل مؤخرا من صحيفة الرأي اليومية كان الاكثر استغربا.
في الخامس من الشهر الحالي سلمت السلطات الاسرائيلية الى الاردن اربعة اسرى هم سلطان العجلوني، خالد ابو غليون، سالم ابو غليون وامين الصانع، وقد تأخرت ملية التسليم يوما واحدا حيث كان من المفترض ان يصل الاسرى في اليوم السابق ولكن قضية رفعتها احدى العائلات الاسرائيلية لدى محكمة العدل العليا هناك اخرت تنفيذ التسليم الى اليوم التالي.
وكانت الصحافة ارسلت مندوبيها الى معبر وادي في اليوم الاول لتغطية الحدث المهم، وقد انتطر الصحفيون طويلا دون جدوى. وفي اليوم التالي ووسط حالة من المشاعر الجياشة، قام شقيق الاسير سلطان العجلوني بمهاجمة او انتقاد مندوب صحيفة الراي فيصل ملكاوي، وبحس ملكاوي في شقيق العجلوني كان غاضبا مت تغطية الصحيفة لقضية الاسرى وقد اتهم الصحيفة بالعمالة ونعتها بالقاب غير لائقة.
وقد اثار الامر استياء لدى الصحفيين الموجودين هناك ما دفعهم للتعاطف مع زميلهم مندوب الرأي، وكاد الامر ان يصل بهم حد الانسحاب والتوقف عن تغطية الحدث "الوطني". بيد ان الصحفيين قرروا لاحقا الاستمرار في التغطية وعدم المقاطعة وهو ما اعطى القاريء حقه في معرفة مجريات عملية التسليم على المعبر.
وفي اليوم التالي خرجت الصحيفة بتغطية وافية لعملية التسليم وقد عكست مجريات الحدث بدقة، وان كانت تغطية صحيفة "الرأي" قد شابها عيوب لا يجدر بصحيفة يومية تعتبر نفسها الصحيفة الاولى في البلاد ان تقع فيها، فقد اخذت الصحيفة الاسير سلطان العجلوني بجريرة ما قام به الشقيق، وتاليا عاقبت المواطن القاريء ومنعته عليه حقه في المعلومة والمعرفة.
قامت صحيفة "الرأي" في تغطيتها للحدث بشطب صورة العجلوني من الصورتين الاتان وضعتهما على الصحفة الولى وفي قسم المحليات حيث تفاصيل تغطية الحدث وتعاملت كما لو كان العجلوني غير موجود بتجاهل تمام لم اطلقت عليه الصحافة لمدة طويلة "عميد الاسرى الاردنيين"، ولم تكتف الصحفية في عملية ثارها لمراسلها او لكرامتها في شطب صورة العجلوني من التغطية بل تجاهلت تصريحاته المشيدة بجهود الملك والحكومة ومشاعره التي عكستها التصريحات. ففي التقرير الذي نشرته الصحيفة في السادس من الشهر اورت فيه تصريحات المحررين الثلاث الاخرين وتصريحات ذويهم دون أي اشارة لتصريحات العجلوني او ذويه وكل ذلك انتقاما من "فورة غضب" تملكت شقيق الاسير العائد.
لا ندافع هنا عن الاسير العجلوني ولا عن ما قام به الشقيق، غير ان الصحفي هو شخصية عامة معرض للانتقاد حتى لو وصل حد التهجم او التعرض الشخصي، والصحفي يعمل لخدمة الجمهور لا لمعاقبة الاخرين، وتقتضي خدمة الجمهور الموضوعية في التغطية والدقة وتزويد المتلقي بالمعلومة الكاملة. غير ان ما قامت به صحيفة الراي كان ضربا من الثار الشخصي البعيد عن الموضوعية والدقة وهي لم تعاقب لا الاسير ولا الشقيق بمقدار ما عاقبت المواطن والمتلقي وحرمته حقه في المعرفة وخرقت مباديء مهنية بسيطة وهي تنتصر لكرامة المراسل الشخصية التي كان يمكن ان يتم حلها بعيدا عن اجتزاء التغطية ومعاقبة الاسير والقاريء.
والشيء بالشيء يذكر، فقد قامت الصحافة قبل فترة بمقاطعة البرلمان انتصارا لكرامة بعض الصحفيين الذين تعرضوا للشتائم او الضرب من قبل ثلاث نواب، وقد كان قرار الصحف في حينها خارجا عن مالوف المهنة بيعدا عن قيامها بواجبها في خدمة جمهور المتلقين.
على أي حال، قد لا تبدو فورة غضب شقيق الاسير العجلوني مبررة والتهجم واللغة الاتهامية مرفوضة تماما. غير اننا قد نجد عذرا او تفسيرا لما قام به، فهو كان ناطقا باسم اهالي الاسرى وقد وجد صعوبات كبيرة خلال عمله في الدفاع عن قضية الاسرى حيث كانت الكثير من الصحف تتجاهل قضية الاسرى، ولا تتذكرها ما لم تكن هناك تحركات او تصريحات رسمية حكومية وهو امر عبر عنه اكثر من مرة في تصريحات لوسائل اعلام وخاصة لاذاعة عمان نت التي كانت حملت قضية الاسرى وتعاملت معها بشكل دائم. فيما كانت بعض الصحف تحجم عن التعاطي مع هذه القضية لعدة اسباب.
قد لا يبدو ما قامت به صحيفة الراي للبعض خلالا كبيرا يستدعي التعليق، غير ان الامر ليس كذلك خاصة في ضوء تكرار هذه المقاطعة، الصحافة ليست فردا والصحفي شخصية عامة يقوم بخدمة عامة. وعقلية الانتقام والثار لا تليق بالمهنية فهي تليق بعقل عائلي او عشائري لا بمن يتصدون للخدمة الامة ومعاقبة المواطن تتنافى تماما بل تقف على نقيض مهمة الصحافة في خدمة الجمهور.

أضف تعليقك