قانون ضريبة الدخل: لمن تنتصر الصحافة؟

الرابط المختصر

إذا كانت الصحف المحلية اليومية إلى جانب كونها مؤسسات ربحية تتعامل مع نفسها بوصفها صاحبة رسالة إعلامية ووطنية فأي دور مارسته هذه الصحف خلال تغطيتها لأخبار قانون ضريبة الدخل المؤقت الذي قوبل برفض كبير من قبل قطاعات واسعة من المواطنين.عمدت حكومة عدنان بدران الراحلة وبناء على توصيات لجنة الاجندة الوطنية إلى سن قانون جديد لضريبة الدخل، وقامت بنشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 31/11، أي قبل يوم واحد من انعقاد دورة البرلمان الحالية، وقد دخل القانون حيز التنفيذ مع صدور الإرادة الملكية بالموافقة عليه في (5/12).

وقد قوبل القانون برفض واسع من قبل قطاعات اقتصادية وسياسية، فيما رده مجلس النواب مع قانونين آخرين بشبه مخالفته للدستور كونه صدر أثناء انعقاد الدورة.

والحال هذه فأي دور لعبته الصحافة خلال تغطيتها للقانون، سواء وهي تؤدي رسالتها الإعلامية في التغطية وتزويد المواطن بالمعلومات والحقائق أو وهي تؤدي رسالتها بوصفها صاحبة مسؤولية اجتماعية وسلطة رابعة تسهم في تكوين الرأي العام أو في عكس توجهات هذا الرأي العام وإيصاله لأصحاب القرار.

التغطية الإخبارية

في سياق متابعة الصحف للقانون وهي تعي مدى أهميته بوصفه يمس حياة شريحة اجتماعية كبيرة من السكان أولت الصحف اهتماما ملحوظا بالقانون منذ كان في مرحلة الصياغة والتشريع وحتى الآن، واحتل خبر القانون في بعض المرات حيزا في الصفحة الأولى وقد نشرت الصحف أخبارا وتقارير عن القانون زادت على 195 مادة.

كان لصحيفة "الدستور" ميزة في اعادة نشر القانون كاملا بحسب ما ورد في الجريدة الرسمية (5/12)، ما اسهم في اطلاع القارئ على المزيد من المعلومات في شأن يمس حياته وهي بذلك مارست دورا مهنيا مهما. اما باقي الصحف فقد اكتفت بنشر خبر موسع نقلا عن وكالة الانباء الاردنية "بترا" احتوى على ابرز التعديلات التي وردت في القانون.

لم تكتف الصحف بإعطاء القانون أهمية في التغطية، بل هي انحازت في المجمل الى جهة "الرفض" اكثر من حماسها لوجهة نظر الحكومة، وكانت صحيفة "العرب اليوم" الاكثر معارضة، واذا اضيف الى تغطية الصحيفة آراء كتابها الذين اجمع اغلبهم على رفض القانون تبدو الصحيفة وكأنها "شنت حملة معارضة له".

وفي هذا الجانب فقد عمدت الصحف الى ابراز اخبار معارضة القانون من قبل الهيئات والاوساط السياسية والاقتصادية، فقد نشرت صحيفة "العرب اليوم" مثلا تقريرا مطولا عن ندوة جمعية المحاسبين الاردنيين التي خصصت للقانون تاريخ (27/12).

على ان اغلب الصحف الاخرى تابعت باهتمام ردود الفعل الرافضة للقانون فقد نشرت صحف "الغد، الدستور، العرب اليوم والأنباط) اخبارا عن رفض نقابة عمال البتروكيماويات للقانون، وطعن نقابة المحامين به، ومطالبة حزب الوسط الاسلامي للنواب رد مشروع القانون، ورفض حزب جبهة العمل الإسلامي للقانون.

الى ذلك فان الصحف نفسها قامت ايضا باعداد تقارير او استطلاعات رأي ركزت على رفض القانون، فقد نشرت "العرب اليوم" (27/12) استطلاعا لخبراء أكدوا موقفهم السلبي من القانون، صحيفة "الرأي" نشرت استطلاعا آخر بنفس التوجه (12/12) "خبراء يؤكدون أن التعديلات الأخيرة على قانون ضريبة الدخل مجحفة بحق المكلفين من الطبقة الوسطى". صحيفة "الدستور" أعادت بتاريخ (20/12) نشر تقرير كانت أعدته إذاعة "عمان نت" حول مجمل توجهات الحكومات الاردنية في إصدار القوانين المؤقتة التي بلغ عددها اكثر من 112 قانونا.

أثبتت التغطية المكثفة للقانون ان الصحف اولت هذا الشأن المحلي والمهم التركيز الذي يستحق واسهمت في تكوين رأي عام رافض او هي أسهمت في توصيل هذا الرأي إلى صانع القرار. وهذه قد تكون بادرة جيدة بالنسبة للصحافة في إيلاء الشأن المحلي الاهتمام المناسب عوضا عن التركيز على الأخبار العربية والدولية.

التعليقات

بالاشارة الى التعليقات، كان كتاب الاعمدة في صحيفة "العرب اليوم" هم الاكثر تعليقا على القانون وهم الذين اتخذوا موقفا معارضا شديد الوضوح والجرأة وقد كتب اغلبهم في امر القانون. اذ كتب الحقوقي والكاتب محمد الصبيحي مقال في الصحيفة بتاريخ (7/12) اكد فيه ان اقرار القانون مخالف للدستور. ثم عاد الصبيحي في (28/12) لمناقشة الصلاحيات المعطاة لمدير دائرة الضريبة بالتجسس على المكلفين. وكتب فهد الخيطان مقالا (29/12) بعنوان "ضريبة الدخل دائرة الرفض تتسع"، وابراهيم جابر (6/12) "دافع الضرائب" ونبيل غيشان "ضريبة تضربه"، طاهر العدوان (24/11) "ابعدوا الضريبة عن السلع الغذائية". في المجمل فإن صحيفة "العرب اليوم" بدت في كل ذلك وكأنها قد تبنت الرأي المعارض بالكامل منحازة له فظهرت كمن قاد حملة إجهاض للقانون.

اما صحيفة "الدستور" فلم تكن اقل اهتماما من زميلاتها "العرب اليوم" وقد كتب في الصحيفة عدة مقالات أجمعت على رفض القانون. فقد كتب في ذلك ابراهيم سيف (12/12) مناقشا للقانون الجديد والثغرات التي يحتويها ثم في (13/12) مراجعا ضريبتي الدخل والمبيعات ومنير حمارنة (28/129 رافضا تعديل القانون. وكتب خالد الزبيدي (26/12) تحليلا اقتصاديا اعتبر فيه تعديل القانون "خطوة للوراء"، وشن باتر وردم (29/12) هجوما على القانون واصفا اياه بقانون "مكافحة الطبقة الوسطى"، وركان المجالي (29/12) الذي حذر من "الابعاد الكارثية" للزيادة العبء الضريبي.

وامتنع اكثر كتاب صحيفة "الرأي" عن التعليق على الموضوع، وقد نشر فهد الفانك مقالا بتاريخ (20/12) ناقش فيه عدم دستورية القانون، وفي المقابل فقد نشرت الصحيفة مقالا مؤيدا للقانون هو الوحيد في هذا الصدد، وقد كتبه شوقي معبدي (18/12)، فيما كتب خالد الوزني (18/12) مقالا حول فلسفة ضريبة الدخل دعا فيه الى توسيع دائرة المكلفين بوصفه الحل الاهم من مفهوم التصاعدية وهو امر مأخوذ به في الدستور الاردني.

اما كتاب صحف "الغد والانباط" فلم يعلقوا على القانون بيد ان هذا لا يعني عدم اهتمام بعضهم بمسألة الاصلاح الضريبي فقد كان كتاب جميل النمري وسميح المعايطة ناقشوا هذا الموضوع مسبقا الا انهم لم يعلقوا على اصدار القانون والعمل به.

تظهر المراجعة للتغطية الاعلامية للقانون وآراء كتاب الاعمدة رفضا واسعا تمثل في عدة أسباب أهمها: الشبهة في مخالفة الحكومة للدستور وهي تقر قانونا مؤقتا اثناء انعقاد دورة البرلمان، او مخالفته للدستور من ناحية اقراره قبل اقرار مشروع الموازنة، وكذلك عدم فرض ضرائب جديدة بدون تمثيل وهو نص واضح في الدستور. اضافة الى عدم تحقيق القانون للعدالة وفقا لمقتضيات الدستور. كما اظهرت التغطية عدم "عدالة" القانون خاصة لناحية ما وصف بأنه مجحف بحق الطبقة الوسطى، والغاء الاعفاءات السابقة وعدم تحقيق بمبدأ التصاعدية، واخيرا شموله قطاع الزراعة وشركات التضامن.

تشير المعلومات المتحصلة الى ان الحكومة الحالية عمدت الى "تجميد" القانون، كما يعتقد على نطاق واسع انها سوف تقوم بسحبه وتعديله في حال رفض مجلس الاعيان للقانون وهو امر يرجحه بعض معلقي الصحف، واذا صحت هذه المعلومات فإن حملة معارضة القانون تكون قد حققت هدفها. والامر هذا فان الصحافة المحلية قد ادت دورها في الانتصار لمهنتها اولا من حيث التغطية الحثيثة والشاملة او من حيث مسؤوليتها الاجتماعية ودورها كسلطة رابعة معنية بتكوين رأي عام وعكس توجهاته لصاحب القرار.

تغطية الصحف المحلية لقانون ضريبة الدخل يوحي بأنها باتت تعطي للشأن المحلي اهتماما افضل، وانها لا زالت تمتلك دورا مؤثرا في عملية صناعة القرار. فهل ستمضي في هذا الطريق ام ستعود الى سابق عهدها في اعطاء التطورات السياسية العربية والدولية حيز اهتمامها الأكبر؟

أضف تعليقك