قانون المرئي والمسموع والحاجة إلى التطوير!
كشف القرار الصادر عن حكومة الدكتور معروف البخيت المنتهية ولايتها برفض ترخيص اذاعة محلية في الزرقاء، واحدة من اهم نقاط الضعف الرئيسية في قانون المرئي والمسموع الاردني الحالي. ولم تقدم الحكومة تبريرا للرفض الخطي الذي صدر في الجلسة الثالثة عشرة والمنعقدة في 13 تشرين الثاني الماضي استنادا الى البند (18 ب) من قانون المرئي والمسموع لعام 2004 الذي يجيز لمجلس الوزراء ان يرفض اي طلب لإنشاء اذاعة من دون اعطاء اي تفسير.
ضعف القانون ظهر بشكل واضح عندما ذكر مصدر حكومي مجهول الهوية السبب الذي ادى الى اتخاذ هذا القرار. فقد اوضح "المصدر" في خبر نشر في جريدة يومية ان مجلس الوزراء رفض الطلب لأن هذا هو ثاني طلب يقدم من قبل نفس المؤسسة (عمان نت) ولأنه قد تم منح مؤسسة اخرى ترخيصا لإذاعة مجتمعية في الزرقاء قبل ذلك بأسابيع قليلة.
القانون الحالي لا يمنع بأن تتقدم نفس الجهة لأكثر من رخصة، كما لم يتم التطرق لهذا الموضوع خلال المناقشات المستفيضة والاجراءات الصارمة في مرحلة تقديم الطلب التي انتهت بإقرار هيئة المرئي والمسموع ان الطلب قد اوفى جميع المتطلبات الادارية والتقنية وعلى ذلك الاساس تم رفعه للحكومة حسب القانون كي يتم اقراره رسميا.
من الصعب مناقشة قرار حكومي غير مفسر من خلال الرد على خبر صحافي مجهول المصدر. ولكن اذا كنا سنقبل هذا التبرير الذي يعكس تفكير الحكومة المستقيلة فإن عددا من الامور يجب ذكرها. ان إلقاء نظرة سريعة على الموقع الرسمي (على الانترنت) لهيئة المرئي والمسموع يكشف ان هناك اثنين على الأقل من مالكي محطات اذاعية حصل كل منهما على رخصتين اذاعيتين مماثلتين (غير سياسية وغير اخبارية).
وعلاوة على ذلك، فإن الحجة القائلة بأن رخصة قد صدرت لإقامة محطة اذاعية مجتمعية في الزرقاء تحتاج الى مزيد من التدقيق. من المؤسف ان يكون مفهوم الاذاعة المجتمعية غير موجود في اي قانون او تنظيم للرخص الاذاعية الخاصة. فلو وجد هذا المفهوم، لكانت رسوم رخص الاذاعات المجتمعية اقل بكثير من الرسوم الباهظة الحالية وكان هناك نظام للرخص شفاف وفي متناول الجميع.
اما الطلب المذكور فيشمل رخصة واحدة لمدينتي عمان والزرقاء وبناء عليه فإن القول ان الزرقاء سيكون لها اذاعة مجتمعية ليس امرا دقيقا تماما. ان إلقاء نظرة على العدد الكبير من المحطات الاذاعية المرخصة لعمان وغياب وجود اي ترخيص للزرقاء تحديدا، ثالث اكبر مدينة في الاردن، يضعف هذه الحجة.
هناك عدد من الامور السلبية التي يتضمنها قرار حكومة الدكتور البخيت المستند على بند مبهم في قانون المرئي والمسموع لعام 2004. فهذا القرار يؤدي الى زعزعة ثقة الجمهور في الاجراءات التنظيمية، ولا يساهم في اصلاح الاجواء السلبية الموروثة من قانون الاعلام القديم. كما يفشل في تعزيز دور المجتمع المدني ويبعد الاستثمار المحلي والاجنبي في وسائل الاعلام الالكتروني.
ان الشركات المحلية والاجنبية والمنظمات غير الحكومية المهتمة سوف تفكر الآن مرتين قبل التقدم للحصول على رخصة، حيث ان صرف اشهر من البحث والتخطيط والاستثمار في دراسات السوق وفي الالتزامات المالية المبدئية الكبيرة -اذ يتوجب ايداع شيك بنكي بمبلغ باهظ عند القيام بالاجراءات التقنية والادارية للرخصة- سيذهب هباء بجملة واحدة تعبر عن الرفض الحكومي دون الادلاء بالاسباب. كل ذلك بسبب البند (18 ب).
من ناحية اخرى، فإن الوضع الحالي بحاجة الى آلية لمعالجة مثل هذه القرارات. فمن البديهي ان يتم الطلب من الحكومة توفير آلية تنظيمية تتسم بالشفافية وتساعد المتقدمين للرخص على معرفة الاسباب التي ادت الى رفض طلبهم، مما سيتيح لهم اجراء التغييرات الضرورية من اجل تقديم الطلب مرة ثانية والحصول على الموافقات اللازمة. وفي الحد الادنى، فإن الحكم السليم يتطلب توفير خيار الاجراءات القانونية او الادارية للاستئناف. فالحكومة مطالبة بالسماح للمتقدمين الذين رفض طلبهم معرفة كيفية الرد على اسباب الرفض. وغياب مثل هذه الآلية سيعيدنا الى مربع الواسطات والاتفاقات الجانبية قبل ان يقرر اي مستثمر من الخوض في مثل هذه الامور.
وفي حال توفر آلية شفافة للاستئناف فمن شأن ذلك ان يربح المتقدمين للرخص ويعيد الثقة في النظام. وعلاوة على ذلك، فإنه قد يردع جهات حكومية او افرادا من تقديم ذرائع غير مبررة اذا عرفوا انه يمكن الطعن في قرارهم.
ان الترددات الاذاعية والتلفزيونية هي شأن عام يجب ان يتم توزيعها بدقة واعتدال من خلال عملية تتسم بالشفافية. يستحق ابناء الزرقاء وجميع المدن الاخرى والمجتمعات المحلية في الاردن نفس الفرص التي يشهدها ابناء العاصمة عمان الآن وذلك بهدف التفاعل العام. وحرمانهم من هذا الحق يضعف الهدف من التنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية. كما يضر بالجهود المبذولة لتحقيق اللامركزية والمحاولات الرامية الى وقف نزوح الناس الى العاصمة.
ان القرار الذي اتخذته هذه الحكومة نفسها برفض منح رخصة اذاعة مجتمعية في الزرقاء بحق مؤسسة كان قد اشيد بإنجازاتها يناقض الالتزامات التي تعهدت الحكومة بها مرارا. إن حكومة الذهبي الجديدة والوزير ناصر جودة الذي وهو الآن مسؤول عن حقيبة الاعلام يجب ان يعملا على العودة عن القرار وتوفير شفافية في عملية الاستئناف من اجل استعادة الثقة في قانون المرئي والمسموع.
*مدير عام راديو البلد "اذاعة عمان نت"
المقال نشر في جريدة الغد بتاريخ 19-1-2008











































