في الأردن ما تزال 13 فتاة حبيسات"الشرف" والجناة طلقاء

في الأردن ما تزال 13 فتاة حبيسات"الشرف" والجناة طلقاء
الرابط المختصر

* مهددات بالقتل يهجرن حياتهن إلى  خلف القضبان * حكام إداريون يحمون الفتيات بـ"المؤبد" * مطالبات بأخصائيات يعملن مع الحكام الإداريون * 13 مهددة بالقتل مسجونات و5 نجحن في الاندماج * المطلوب تفاعل حكومي مدني لصون حياةا الفتيات

يتحكم "الحكام الإداريين" في الأردن بصون حياة "المهددات بالقتل" من قبل ذويهن على خلفية قضايا "الشرف"، وهذا الصون قد يمتد لسنوات داخل أسوار السجن؛ ما ينقلب إلى "جريمة" ترتكب بشكل يومي بحقها.

يظهر دور "الحكام" ضمن صلاحيات مكفولة لهم بموجب قانون منع الجرائم في التدخل بقضايا القتل بدافع "الشرف" لصون حياة الفتيات، ويجد "الحكام" هذا التوقيف بديلاً منطقيا للقتل وحقن للدماء.

الحاكم الإداري ابن المجتمع

المحامي المتخصص بقضايا الجنايات، أحمد النجداوي، ينظر إلى الحاكم الإداري بوصفه "ابن المجتمع" بذلك قد يكون متعاطفا مع الجاني في جريمة "الشرف" متكأ على "تقاليد مجتمعية" أقوى من القانون والدساتير، "لذلك مهما اتخذت المحاكم العديد من احتياطات لكنها لا تستطيع أن تضمن خطوات قد يتخذها الحاكم الإداري".

وللخروج من عنق الزجاجة، قد يكون الحل من خلال دور فاعل لمؤسسات المجتمع المدني، كما يرصد النجداوي، كما وللحكومة دور في إنشاء مؤسسات تُشغل الفتيات وتحميهم في المقام الأول. ويقول: "الحكومة مقصرة في حماية المواطن بصرف النظر إذا كان مجنيا عليه أم جاني".

منظمة "هيومان رايتس ووتش" الدولية انتقدت مرارا "الشرطة والمحاكم" في الأردن لكونهما وعلى حد سلسلة تقارير لها صدرت منذ العام 2004 "تتعاطف مع القتلة الذين يرتكبون جرائمهم باسم الدفاع عن الشرف، وعادةً ما تقبل العذر الذي يسوقه القاتل، وهو أنه فعل فعلته تحت تأثير سورة غضب شديد".

رئيسة اتحاد المرأة الأردنية آمنة الزعبي، تقول أن ثمة حالات يتعامل معها الحاكم الإداري "بمنتهى التشدد وبعقلية الأحكام العرفية" وترى الأساس في ذلك "صلاحيات واسعة معطاة لهم بموجب قانون منع الجرائم، ونسجل ربما في ذلك تجاوزا على الأحكام القضائية ومن هنا نطالب بفصل السلطة التنفيذية عن القضائية".

الأمينة العام للجنة الوطنية لشؤون المرأة، أسمى خضر، تعتبر دور الحاكم الإداري "هام" في هذا الوقت، لكن ما هو بحاجة له هو "منظومة عمل متكاملة"، من حيث إمكانية تظلم المظلوم من أي سلوك يخرج عن حدود القانون والتظلم الذي يأتي بثماره في السرعة المطلوبة.

تعهد خطي غير ملزم

يقوم الحاكم الإداري كإجراء وقائي، بتوقيع أسرة الفتاة على تعهد خطي يقضي بعدم الاقتراب لها كخطوة لحمايتها ومن ثم يتم إخراجها من السجن، لكن المحامي النجداوي يقرأ هذا "التعهد" الموقع بين الطرفين من زاوية أنه "خيرٌ من لا شيء" لكنه يعتبره بنفس الوقت "ليس مجديا"؛ لكون شقيق الفتاة أو أبيها أو عمها، مدفوعا بثقافة مجتمع ترفضه إذ لم يقدم على فعل الجرم، "بالتالي حتى لو وقعت الأسرة على تعهد بعشرات الآلاف من الدنانير سيقدم على قتلها". ويطلب النجداوي أكثر من "تعهد" ملزم للأسرة.

يقترح النجداوي من المؤسسات المدنية بتمثيل لها داخل دائرة الحاكم الإداري لتكون متخصصة بشؤون المرأة بحيث تقدم توصيات له في الحالات التي ترده. غير أن أسمى خضر تؤكد أن هذا ما يحدث من قبل مؤسسات مجتمع مدني من خلال جولات مستمرة تقوم بها ناشطات ومحاميات إلى المحافظين. لكن النجداوي يعتقد أن المطلوب المزيد من خلال إيجاد مكاتب دائمة لهن في دوائر الحكام الإداريين.

الزعبي من جانبها، تتمنى على الحاكم الإداري أن يدرس كل حالة على حدة من خلال التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني ليكون لهم الدور إيجابي، وتؤيد اقتراح النجداوي "نود في الاتحاد التنسيق مع المعهد الدولي لتضامن النساء واللجنة الوطنية لشؤون المرأة لأجل دراسة الفكرة وتطبيقها".

 

عدة اتصالات أجريناها مع الناطق الإعلامي في وزارة الداخلية نسيم الخصاونة، ويؤكد لنا بعد إصرارنا إشراك "الداخلية" في الموضوع، بأن "الوزارة معنية بالحديث عن دور الحكام الإداريين لكن ليس في الوقت الراهن"، واعدا إيانا بحديث مفصل خلال الفترة المقبلة.

الضحية تسُجن والمجرم يبرأ!

لا تجد أسمى خضر، أي مبرر لإيقاف الفتاة إداريا لحمايتها، وتقول أن المشكلة في المنهج المتبع هو أن "الضحية المهددة" هي التي "تحتجز" والمهدد أو المهددون لحياتها "يعيشون حريتهم" وهذه كما تقول "معادلة غير عادلة". فيما تصف رئيسة اتحاد المرأة الأردنية تلك الفتيات، بــ"الحياة على ذمة الموت".

فيما لا يجد المحامي النجداوي أي حل في المنظور القريب لحماية الفتيات المهددات، قائلا أن المطلوب إخضاع الحكام الإداريين إلى دورات تدريبية لمفاهيم حقوق الإنسان غير ذلك فدورهم هو الحل الوحيد في مجتمعنا التقليدي.

أثناء ذلك، يدور الجدل بين أوساط الناشطين الحقوقيين حول دور الحاكم الإداري وتقديراته في حماية الفتيات المهددات بالقتل من قبل أحد أفراد أسرتها بحجة "صون الشرف".

الحديث عن مأسسة عمل الحكومة لحماية تلك الفئة، يدفع العديد من المدافعين عن حقوق المرأة إلى مطالبتها بإيجاد دور إيواء آمنة لاستضافتهن وفيه يتم إخضاعهن لدورات تأهيل وتوجيه وإرشاد من خلال برامج مختلفة من نفسية وسلوكية وإرشادية سعيا إعادة دمجهم في المجتمع بصورة طبيعية.

تعتقد خضر أن الجهود النشطة في هذا المجال "ليست كافية" ولم تصل حتى اللحظة إلى أدنى حق لتلك الفتيات وهو "الحماية المؤسسة".

بل تذهب رئيسة اتحاد المرأة إلى القول أن "دار الوفاق" التي أسستها الحكومة في العام 2007 لحماية المرأة من العنف، لا تستقبل فيه المهددات بالقتل "وهذه انتقاد كبير يسجل عليها".

 

الزعبي وخضر تتفقان على ضرورة تفعيل دور الحكومة في تفعيل بيوت لحفظ كرامة الفتيات بعيدا عن أسوار السجون، فهي "ليست حلا لنحفظ به الكرامة الإنسانية للفتاة"، تقول الزعبي، بل "وتُشكل معضلة وتحدي للمجتمع الأردني"، تقول خضر.

تجربة واقعية

ما كانت "ليلى 27 عاما" من مدينة إربد تفكر يوما أن علاقتها مع "خطيبها المستقبلي" كما كانت تحلم، ستأخذ منحى "التهديد بالقتل" من قبل شقيقها وأبيها، وينتهي بها المطاف حبيسة مركز إصلاح وتأهيل جويدة لخمس سنوات متتالية خوفا على حياتها. تقول لنا في زيارة للمركز أنها تريد الخروج من السجن لكون الخطر زال وفق تأكيد أمها لها.

وفي سؤالنا لها عن مدى تأكيد الأم لها، فقالت أنها تود الخروج من السجن حتى لو كان هناك تهديد على حياتها، "ليس أبشع من فقد الحياة وأنت تعيش على ذمتها".

5 فتيات تم دمجهن من جديد

في السنوات الخمس الماضية، استطاعت خضر وعدة ناشطات معها في اللجنة الوطنية لشؤون المرأة من تأمين الحماية لـ 5 فتيات من القتل بل وتم إعادة دمجهن في مجتمعهن من خلال "التدخل المباشر مع الأهل لضمان الموافقة على تزويجهن". لكن مع ذلك ينتقد ناشطون الجهود "البطيئة" ومحدودية العدد الذي وصلت إليه، لكن خضر تعتبر ذلك "خطوة مهمة" يمكن البناء عليها لاحقا.

في السابع والعشرين من كانون ثاني العام الجاري 2010، أصدر المركز الوطني لحقوق الإنسان تقريرا أشار فيه إلى أن قضية الموقوفات إداريا في مركز إصلاح وتأهيل النساء "جويدة" تحت مسمى قضايا الشرف واللواتي لا يتجاوز عددهن 13 موقوفة إدارية تبرز مشكلة خاصة فقد مضى على توقيف بعضهن فترة توقيف إداري تتجاوز العشرة سنوات بدعوى الحفاظ على حياتهن، "إلا أنهن بحاجة للرعاية والحماية بدلا من وضعهن داخل أسوار السجن".

ولا يعتقد المركز الوطني أن وضعهن بالسجن هو الحل الوحيد، إذ أن معظمهن ضحايا التفكك أو العنف الأسري. ضاما المركز صوته إلى القطاعات النسائية الساعية لتحويل الموقوفات إداريا للرعاية والحماية في دار الوفاق الأسري.

وأشار المركز في تقريره إلى وجود موقوفة إداريا منذ نحو 20 عاما، وهناك نساء قيد التوقيف منذ مدد تتراوح بين سنة إلى عشرة أعوام.

المنظمة الدولية "هيومان رايتس ووتش" طلبت من الحكومة الأردنية اتخاذ العديد من الخطوات لصون حماية الفتيات من خلال تعديلات قانونية وإنشاء دور إيواء والتشدد في الإجراءات القضائية. مطالبة المنظمة بـ"عدم وضع هؤلاء النساء رهن الاحتجاز الوقائي قسرا".

هيئة خاصة بجرائم "الشرف"

بإيعاز من وزير العدل السابق أيمن عودة، خصصت محكمة الجنايات الكبرى، بداية العام الماضي 2009، هيئة خاصة من أصل 5 هيئات تابعة لها، لتختص بالنظر في هذه القضايا، لتنفيذ سياسة محددة ولاتخاذ إجراءات أكثر تشددا فيها، ويطبق عليها نفس قانون محكمة الجنايات الكبرى.

أسمى خضر، تعتبر أن إفراد هيئة خاصة، يعتبر "سبيلا للتخصص" وهو في رؤيتها "ليس حلا وحيدا" لكنه "مهم للغاية". تلك المحكمة تتعامل مع القضايا "بجدية" حيث لا تأخذ بسهولة أي من الأعذار التي تطرح بتدقيق وتمحيص في البّينات، وتسجل أسمى خضر تفسير الهيئة الإيجابي لقانون العقوبات، "اشترطت أن لا يأخذ بالعذر المخفف إلا إذا تحقق شرطان الأول في حالة التلبس والثاني في حالة المفاجأة، وفي هذه الأحوال تقل الجرائم التي تتحقق بها الشرطان المذكوران".

النجداوي يرصد أحكاما صدرت عن الهيئة "كانت أعلى من ما اعتدنا عليه في العقوبات، بدأنا نشهد أحكاما تتجاوز خمسة أعوام ووصلت إلى 20 عاما".

لكن "التشدد" في اتخاذ الأحكام القضائية المتعلقة بهذا النوع من الجرائم، "ما هو إلا حل مؤقت"، وتقول المحامية خضر أن الثقافة السائدة والسلوك البشري الذي يقُدم على فعل القتل "يشد عكسيا ويعيدنا إلى المربع الأول" ومن هنا تطلب خضر "إحداث تغييرات في الثقافة السائدة وهذا دور ومهمة مؤسسات المجتمع المدني".

وترى آمنة الزعبي أن الهيئة "خطوة إيجابية" لكنها ليست حلا أمام مطالبات بتعديلات جوهرية أكثر في قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية.

دور المجتمع المدني الأردني

المحامي النجداوي يتفق مع خضر، ويجد أن المطلوب والحل الجذري هو "المعالجة الاجتماعية والتغيير الذي يبدأ من التربية ومنهاج التعليم".

مؤسسات المجتمع المدني والتي كانت صاحبة الأثر الأكبر في تأليب القضية وجعلها قضية رأي عام، لها الدور الكبير والمنشود، على ما تقوله الزعبي. تتفق معها خضر وتقول أن هناك تأثير كبير للمجتمع المدني في نقل الموضوع إلى مرحلة النقاش والتأثير المجتمعي وجعله قضية رأي عام.

وتسجل الوزيرة السابقة أن ثمة تطورات طرأت على المجتمع الأردني، من خلال "قياس أعداد جرائم الشرف التي كانت تسجل قبل أكثر من عشر سنوات بما لا يقل عن 35 جريمة بينما حاليا انخفض العدد كثيرا".

"الثقافة السائدة والسلوك بشري الذي يقدم على فعل القتل" يتطلب، وفق خضر، "تغيير جذري في الثقافة وهذا دور ومهمة مؤسسات المجتمع المدني وهو ما نقوم عليه".

اتحاد المرأة الأردنية ينفذ برنامج المساعدة القانونية والإرشاد الأسري منذ العام 1996 ومنذ ذلك التاريخ "ونحن نقدم اقتراحات وآليات وطنية بديلة عن التوقيف الإداري ومعظمهم صون للضحايا"، تقول الزعبي.