فيلم ست دقائق يسلط الضوء على خبايا ثقافة طلاب الجامعات

الرابط المختصر

في ثقافة الشباب الأردني تم استطلاعه في فيلم "ست دقائق"، فإن المغنية اللبنانية نانسي عجرم هي البطلة، وقد استطاعت أن تتفوق على الروائي الفلسطيني الراحل غسان كنفاني والأديب السوري محمد الماغوط والعالمين آنشتاين وفرويد وأسماء كبيرة في العالم، وحتى رئيس وزراء إيطاليا سلفيو برلسكوني،كل ذلك فقط من خلال سؤال "من صاحبة أغنية آه ونص"، هي كفيلة بذكر أسمها بفرح وسعادة غامرة بل وإحدى الفتيات استغربت من السؤال على أساس أنه من البديهيات.



نحن لا نتحدث عن شيء غريب، بل نسرد بعضا من وقائع الفيلم الأردني "ست دقائق" للمخرج يحيى العبد الله، ومدته 20 دقيقة، أنتج عام 2004، وقابل فيه عينة من الشباب الجامعي وطرح عليهم مجموعة من الأسئلة تناولت شخصيات عالمية وعربية سواء في عالم السياسة أو الأدب والعلم وحتى الفن، وطرح عليهم ما لا يقل عن 17 سؤالا كانت صيغتها تدور حول من صاحب هذه الشيء أو من هو ذاك، ومنها "من صاحب رواية رجال في الشمس": وهنا كانت الكوارث فمنهم من اعتقد أنها سيناريو فيلم أو أنها رواية روسية أو مسلسل سوري كوميدي وهكذا، علما أنها من أهم الروايات العربية للأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني، ليس هذا فحسب وعند سؤالهم عن من هو برلسكوني كانت الإجابات مضحكة في إصرارها على الجواب كأن يجيب أحدهم بكل ثقة أنها نوع من أنواع الإطارات أو آخر ذهب إلى أكثر من ذلك كأن جعله لاعب كرة قدم ومشهور أيضا.



والكثير من الشباب وهم من طلاب الجامعات لا يعرفون أبرز العلماء والذي يفترض أن يكونوا قد تعلموا موروثهم العلمي ضمن مناهج دراستهم، وعلى سبيل الاقتراب من معلومات يفترض أن يعرفوها سألهم المخرج يحيى عن علماء أمثال آنشتاين وسيجمنت فرويد لكن ثمة أميال بين ما قالوه والحقائق.



وفي محاولة من المخرج أن يقترب أكثر من ثقافتهم واهتماماتهم، سألهم عن من حاز على جائزة أوسكار العام الماضي عن فئة الممثلات وهي شيرز ثارون إلا أن الإجابات كانت في صلب الكوارث، أو من صاحب نص مسرحية "كأسك يا وطن" ليعتقد أغلبهم أنها لممثلها دريد لحام مع إجابات لا تعرف لكن كانت لمحمد الماغوط ذلك الأديب السوري الكبير.



في جغرافيا الدول بإمكان الباكستاني أو الأفغانستاني أن يزور الفاتيكان بكل سهولة ويسر طالما أنها مجاورة لهما، هذا بحسب إحدى الشابات الأردنيات، بل تذهب أخرى إلى وضع الفاتيكان بين روسيا وتركيا علما أنها تقع في قلب إيطاليا، كيف ولماذا لا ندري، وشاب آخر لم يسمع بها قط، وآخر يعتقد أنها في آسيا تقع وهكذا أجواء أجوبة الباقي.



قبرص جزيرة لا تحدها أي دولة طالما أنها تتوسط البحر المتوسط، لكن عند الشباب فإن لبنان وسوريا تحداها شمالا وجنوبا أو روسيا وتركيا أو مصر وهكذا الأجوبة، وفيما يخص دولة المجر الأوروبية فإن الغالب منهم أعتقدها دولة أفريقية والقلة القليلة أعتقدها تقع في شرق آسيا.



إلى هنا لم ننته بعد، فقد تكون ثقافتهم عروبية محض، لذلك قام وسألهم المخرج أن إيران انضمت إلى جامعة الدول العربية في أي عام ! فماذا تعتقدون الأجوبة: كانت كارثية لحد الضحك الهستيري فأغلب أجوبتهم تراوحت بين عامين 1983 أو 1984 وآخر لا يدري بأي عام انضمت للأسف، لذلك لا بد لنا أن نسدي النصيحة لإيران على أن تجعل اللغة العربية لغتها الرسمية.



أين رابطة الكتاب الأردنيين وكل المثقفين الأردنيين، من الشباب وهم يعددون ثلاثة أدباء فقط من الأردن، فكم من الخلط بين الشعراء والروائيين أو الممثلين، ليس هذا فحسب إنما يضمنون أسماء أدباء عرب في اعتقادهم أنها أردنية، وكل ذلك يهون أمام الأسماء الوهمية.



وليقترب أكثر من عالمهم فسألهم من صاحب أغنية "في قلب الليل"، لعلي الحجار، لكنهم عبس لم يدروا ما هي أصلا، بل أحدهم قال ضاحكا "لماذا تسألنا عن أغنيات قديمة جدا"، وعند سؤالهم عن صاحب أغنية آه ونص فكانوا متوحدين في الأجوبة وسعيدين جدا، بل حتى أن إحدى الشابات وجدت بأن السؤال بديهي وقالت للمخرج "هل هذا سؤال عن جد!"، حقا استطاعت نانسي عجرم أن تكون البطلة عند ثقافتهم والتي أظهر الفيلم مدى هشاشتها وسذاجتها لطالما أنهم لا يقرأون أبدا.



أي ثقافة يتمتع بها بعض شبابنا الأردني، لطالما أخفق في سؤال العلم والثقافة وحتى السينما والفن، بماذا يتسلح!



وبحسب المخرج يحيى العبد الله فإن فيلمه "ست دقائق" يسلط الضوء على الحالة الثقافية للشباب العربي في الأردن عبر طرح تساؤلات تتناول مختلف نواحي حياتهم السياسية والأدبية والثقافية والسينمائية والفنية في عصر تدنت فيه الرسالة الإعلامية من جهة وأضحت اهتمامات الشباب تنحو منحى سطحيا من جهة أخرى.



لذلك، ذيل عند بداية فيلمه أن البطل هو "نانسي عجرم"، وحول مغزى اسم الفيلم "ست دقائق" فهي تستند إلى معلومة مفادها أن الطالب العربي يقرأ خارج منهاجه الدراسي ستة دقائق فقط طوال العام.



عكس فيلم "ست دقائق" بصورة جلية ثقافة الشباب، واقعهم المأسوي، أليس جليا لمن يتابع هذا الفيلم أن يراجع نفسه ويسألها بأي ذنب أقتلك، ما هي المشاغل التي تأخذ الشباب عن الثقافة والاطلاع، ما هي الالتزامات التي حدت من معرفتهم عن من هو صاحب رواية رجال في الشمس، أو أين تقع الفاتيكان أو قبرص أو انضمام إيران إلى الجامعة العربية، ألا تستحق أجوبتهم التفكير حول ماذا يشغلهم عن بديهيات المعرفة!



لا تعكس تلك العينة مجمل الشباب في الأردن، لكن تعطينا مؤشرا واضحا على أن فئة ليست بقليلة لا تقرأ ولا تعرف معلومات أصبحت مدرجة في خانة المعرفة العامة، لذلك قد يكون المخرج يحيى عبد الله نجح في التعبير عن الأثر السلبي لوسائل الإعلام بما تحمله من ثقافة الـآه والنص،



يحيى العبد الله مخرج وناقد أدبي أردني، حاصل على درجة الماجستير في الأدب له كتاب نقدي بعنوان "الاغتراب: دراسة تحليلية لشخصيات الطاهر بن جلون الروائية"، ويعمل الآن كمعلم للأدب في مدرسة البكالوريا الدولية في عمان، تم عرض أفلامه في مهرجانات أفلام محلية وعربية، ومن أفلامه القصيرة "حجم عائلي" 2003 دراما مدته 3 دقائق، "الجدة اللطيفة" 2004 ومدته 10 دقائق، "عيون الأطفال" 2005 مدته 7 دقائق.

أضف تعليقك