فوز اوباما في الصحافة: حماسة للتغيير...!
يقول الدكتور فهد الفانك في مقاله بصحيفة "الرأي"، 7/11، محللا نتيجة استطلاع راي اجرته مؤسسة اميركية بين الصحفيين العرب :" ان 89% من الصحفيين العرب لديهم صورة سلبية عن سياسة أميركا وحكومتها."
احتفلت الصحافة المحلية على مدى اشهر بترشح "الرجل الاسود باراك اوباما" الى الانتخابات وزاد احتفالها به كلما حقق تقدما على منافسه الجمهوري ماكين. واعتبرت اغلب الصحف فوز "اوباما" " حدثا تاريخيا"...
"مجمل القول: لقد اثبتت نتائج الانتخابات الاميركية بأنها كانت تاريخية ، وتشكل منعطفا حاسما في التاريخ الاميركي بفوز أول اميركي من اصول افريقية ، ومشاركة فاقت كل التوقعات تصب في صالح التغيير ، وترميم وجه اميركا الذي شوهته الحقبة البوشية. باعادة الاعتبار للشرعية الدولية ، وحقوق الانسان ، وحق تقرير المصير."، افتتاحية "الدستور"، (6/11).
يعكس ابراهيم غرايبة في مقاله في "الغد"، 7/11، واقع هذا الاهتمام قائلا:" تابعنا على اعصابنا نتائج الانتخابات الاميركية وتحملنا السهر الطويل...".
من العسير فعلا مراجعة ما كتب في الصحف المحلية عن الانتخابات الاميركية الراهنة. فهذه الانتخابات تحديدا حظيت باوسع اهتمام وتغطية في تاريخ الانتخابات الاميركية وفي تاريخ الصحافية المحلية. وهذا الاستنتاج اكده اكثر من محلل اعلامي في اكثر من صحيفة محلية وعربية.
والسبب في ذلك يعود الى عدة امور، منها: ان هذه الانتخابات كانت "مختلفة" من عدة نواحي الا ان الاهم كان ترشح وفوز اول اميركي ون اصل افريقي. وثانيا التطور الكبير الذي حصل على وسائل الاعلام واخيرا علاقة الانتخابات بالوضع السياسي في المنطقة، سواء لناحية السياسة الاميركية في المنطقة وتأثير فوز اي من الحزبين فيها او سواء لـ" المثل " الذي قدمه الناخب الاميركي حين اختار "اوباما" رئيسا.
وقد ظهر هذا الاهتمام في الصحافة المحلية بشكل واضح اذ ان ما نشرته الصحف خلال الاسبوع الاخير فقط من الانتخابات من مواد اعلامية، اخبار وتقارير ومتابعات ومقالات زاد على الفي مادة. ولا زالت التغطية مستمرة وبكثافة ايضا.
لم تكن التغطية تقتصر على متابعة الانتخابات عن بعد وعبر اخبار الوكالات او الصحف او الفضائيات العالمية، لا بل ان بعض الصحف المحلية استعانت بمراسلين لها في الولايات المتحدة مثل "منال الشريف للدستور، او محمد المعايطة في الرأي...".
كان اكثر ما لفت الانتباه في التغطية الاعلامية هو "الانحياز المبطن" للصحف المحلية للمرشح الديمقراطي "اوباما" مقابل منافسه الجمهوري " ماكين". في الوقت الذي كانت تعلن فيه وسائل اعلام اميركية بوضوح انحيازها لهذا المرشح او ذاك، تبعا لتقاليد خاصة بها، كانت الصحف المحلية، باستثناء كتّاب المقالات الذي اعرب غالبيتهم عن انحياز واضح لـ"اوباما"، فيما لم يجد المنافس اي كاتب مؤيد له، فان الصحف المحلية عسكت هذا الانحياز في المقدار الكمي، العددي، لتغطية حملة "اوباما" اكثر كثيرا من منافسه. وعلى سبيل المثال فأن صحيفة "الرأي" نشرت ما مجموعه 71 مادة عن "اوباما" خلال اسبوع مقابل 38 مادة عن منافسه، أما "الغد" فقد نشرت 138 مادة مقابل 86 عن ماكين.
كما احتفلت الصحف بفوز "اوباما" في اليوم التالي وكان الخبر يحتل جميع مانشيات الصجف، وقد صدرت الرأي في 5/11 بطبعة ثانية تحمل مانشيات احتل اعلى الصفحة يقول :" اوباما يحقق تقدما كاسحا نحو البيت الابيض" واللافت ان مانشيت "الرأي" تصدر على غير عادة خبر زيارة الملك عبدالله الثاني الى ماركا، الذي جاء تحت عنوان اوباما وفي الزاوية اليمين من الصفحة الاولى.
وكان عنوان "الدستور" في اليوم السابق :" من يختار الاميركيون للبيت الابيض اليوم :" اوباما رجل التغيير ام ماكين العجوز؟.
وصدرت "الغد"، 5/11، بعنوان: اوباما التغيير آت في امريكا.
وكان عنوان "العرب اليوم"، اخباريا محضا بدون اي نوع من "الاثارة او لفت الانتباه":" أوباما رئيسا للولايات المتحدة وماكين يقر بالهزيمة".
هذا من جانب اما في الجانب المقابل فان الصحف لم تتواني عن اغداق عشرات الالقاب على الرئيس المنتخب مثل "رجل التغيير"، " باراك حسين اوباما و "الرجل الاسود في البيت بالابيض"، و "نصر تاريخي" الخ كما عمدت الصحف على بث مواد وتقارير عن كل ما يتعلق بالرئيس الاميركية الجديد، تناولت سيرة حياته وسيرة حياة اجداده واعادة تذكير بحلم داعية الحقوق المدنية الاسود مارتن لوثر كينغ.
التغيير، ماذا عنا؟
سيطرت فكرة "التغيير" على الصحف وخاصة كتّاب المقالات، لكن هذا التغيير لم يكن هو المطلوب بحد ذاته. ففكرة التغيير كان لها جانبين في الصحف.
اما الجانب الاول: فهو مقارنة ما حصل في الولايات المتحدة بالاوضاع العربية، وخاصة فكرة المواطنة وتبادل السلطة، اي باختصار مقارنة الاوضاع الديمقراطية في اميركا بما هو متاح للمواطن العربي، وهو الامر الذي كان اكثر سيطرة على محللي الصحف وكتّاب المقالات، الى جانب ان الاهتمام الشديد والانحياز "غير المكشوف للمرشح الاسود" بـ"باوما" كانا يعكسان "رغبة" الصحافة في هذا "التغيير". فهذا الاهتمام جاء مع ان نتيجة الانتخابات الاميركية كانت شبه محسومة سلفا بحسب كل استطلاعات الرأي.
"...لأن الممارسة الديمقراطية الحقيقية بأوضح تجلياتها هي شأن طبيعي عندهم بينما الديمقراطية عندنا يخزي العين ومن غير شر هي وصفة ليست لمعالجة الحالة المرضية وانما مسكن ومخدر عبر كل ما هو دعائي ومخادع وعبر التشاوف والمظاهر والادعاء وتوهيم الناس البسطاء ان الممارسات الشكلية يمكن ان تمثل جوهر الديمقراطية." راكان المجالي ، الدستور، 9/11.
"...نحن الامة الاكثر انتاجا للقادة التاريخيين ونحن ايضا الامة التي لا تزال تعادي صناديق الاقتراع ليس في ذلك دلالة، ومفتاح لتفسير اخفاقاتنا التاريخية؟"، سامي الزبيدي، الرأي، 10/11.
"...صوت الامريكيون لصالح التغيير, اما العالم فقد تنفس الصعداء لأن انتخاب باراك اوباما يضع نهاية لمرحلة حكم المحافظين الجدد بزعامة جورج بوش التي اغرقت العالم بالحروب والخوف والازمات ونشرت روح العداء والكراهية بين الشعوب.
رئيس اسود في البيت الابيض, لكن وجه امريكا لم يكن يوماً ناصع البياض بقدر ما كان في اللحظات والساعات التي تبعت انتصار الديمقراطية واعلان فوز باراك اوباما.، طاهر العدوان، العرب اليوم، 6/11.
هذه مجرد عينات من عشرات المقالات التي كتبت في الصحف المحلية عمد كتّابها الى مقارنة ما حصل في الولايات المتحدة بما يحصل عندنا.
يقال ان "المكتوب يقرأ من عنوانه، وهذه عينة اخرى عن عناوين المقالات التي نشرت في الصحف:
- تغيرت امريكا فهل يتغير العرب؟.
- زعماء الضرورة.
- العرب وأوباما !!
- إنها عَظَمةُ أميركا !!
- الثلاثاء التاريخي.
- رجل أسود في «البيت الأبيض»!.
- الرجل الاسود في البيت الابيض.
- نهاية «الأميركي القبيح»!.
- العالم يتغير... نحن نتفرج!.
- اوباما اسم حركي لظاهرة.
- .. وماذا عن «"ديمقراطيتنا" العربية؟.
- الأسود يدخل الأبيض ظافرا!.
- العرب واوباما: طرائق جديدة للتفكير.
- الانتخابات التي هزت العالم.
على اي حال، فان فكرة التغيير التي كانت تقارن بالاوضاع العربية، في اغلب ما كتب ونشر، لم تلغ ايضا الجانب الاخر من الصورة وهي ان "التغيير" كان "ضرورة" اميركية ايضا بعد سنوات حكم الرئيس الحالي جورج بوش والمحافظين الجدد.
يقول طاهر العدوان، العرب اليوم، 6/11، :" صوت الامريكيون لصالح التغيير, اما العالم فقد تنفس الصعداء لأن انتخاب باراك اوباما يضع نهاية لمرحلة حكم المحافظين الجدد بزعامة جورج بوش التي اغرقت العالم بالحروب والخوف والازمات ونشرت روح العداء والكراهية بين الشعوب.".
يبدو ان "الكراهية" الشديدة التي استوطنت الصحفيين العرب، كما عبر عنه الاستطلاع الذي تحدث عنه فهد الفانك، نحو سياسات الادارة الاميركية الحالية في المنطقة خصوصا، هي التي دفعت لهذا "الانحياز" المعلن من قبل محللي الصحف.
يقول الكاتب فؤاد دبور، في الدستور، 10/11، :"استحوذت هذه الانتخابات ايضا على اهتمام العالم كافة إضافة الى الشعب الامريكي الذي سعى فعلا الى اختيار المرشح الديمقراطي على امل ان يخرجه من الازمات التي خلقتها سياسة الادارة البوشية ، واستحوذت على اهتمام العالم ، نظرا لتأثيرات سياسة الدولة الأقوى في العالم الذي بات ينتظر بفارغ الصبر التخلص من ادارة الازمات والكوارث التي أصابت دول العالم بشكل مباشر او غير مباشر خاصة الازمة المالية التي طالت فعلا كل دولة في هذا العالم ، مما جعل شعوبه كلها تنتظر بشوق ولهفة هزيمة الحزب الجمهوري الذي انتهج سياسة ادارة الكوارث والحروب والأزمات...".
مهما يكن من أمر، فأن تغليب تطلعات "العرب" من اميركا لم تغب ايضا، فقد كتب اكثر من محلل، متشائما من امكانية حدوث اي تغيير في السياسة الاميركية في المنطقة وخاصة لناحية الصراع العربي الاسرائيلي، وقد مد اختيار اوباما للاميركي الاسرائيلي رام ايمانويل كبيرا لموظفي البيت الابيض في عهده، مد هذا الاختيار هؤلاء الكمتّاب بسلاح جديد لتدعيم وجهة نظرهم في "اميركا" التي يتغيير فيها كل شيء الا موقفها المنحاز بشدة لعدوة العرب السرائيل. وقد كان لبعض الكتّاب اراء عسكت عدم "الاهتمام" او عدم الحماس الذي ابدته غالبية الكتاب للتغيير "التاريخي".
على ان هذه التحليلات كانت الاقل هذه المرة، فالحدث كان تاريخيا، بحسب افتتاحية الدستور التي اشرنا اليها، وقد فضلت الصحافة وكتّابها الاحتفاء بـ"المغزى التاريخي والانساني" لهذه الانتخابات، كما يرى ابراهيم غرايبة.
لكن، بقي ان هناك جانب اخر متعلق بالاعلام، تناوله نبيل الشريف في "الدستور" و فهد الفانك في "الرأي". فقد اعرب الكاتبان عن املهم في ان يعمد الرئيس المنتخب الى تغيير موقف الادارة الاميركية من الاعلام العربي.
يقول نبيل الشريف، الدستور، 9/11،:" اما الان ، فان العالم ينظر بتفاؤل كبير الى الرئيس الامريكي الجديد اوباما، آملا ان يبادر لتخليص العالم من ارث بوش السياسي والاقتصادي ، وهو مطالب ايضا بانهاء تركة بوش الثقيلة في افساد الاعلام العربي والتأثير عليه. وسبق ان ندد اتحاد الصحفيين العرب بـ «حملة التشويه والتحريض الامريكية على وسائل الاعلام العربية التي صاحبت احتلال العراق ، مما ادى الى حرمان الرأي العام من الاطلاع على الحقائق والمعلومات"..
المهم...
صورة الولايات المتحدة، او رفض مواقفها، لدى الصحافة المحلية كانت سيئة، كما يؤكد الاستطلاع المشار اليه فهل تغير "التغطية" الاعلامية هذه، التي يمكن وصفها بالحماسة للتغيير، من هذه الصورة لدى المتلقي العربي.











































