فرض غرامة على التقاعد المبكر بين المنطق والقانون
من الواضح أن التوصية الواردة في مصفوفة الإصلاح الحكومي بفرض غرامة على التقاعد المبكر غير مدروسة، فمن الناحية القانونية تفرض الغرامات كعقوبة على مخالفة القانون، والتقاعد المبكر هو حق مشرع في قانون الضمان الإجتماعي بقواعد خاصة وبشروط تنظمه، وهو يتم عادة بقرار يصدر عن الجهة الرسمية المعنية بذلك وهي مؤسسة الضمان الإجتماعي، وبالتالي فإن التوصية بفرض غرامة على التقاعد المبكر لا تنسجم لا مع المنطق ولا مع القانون، فكيف يمكن إيقاع عقوبة على شخص عن ممارسته لحق أوجده القانون وهو العامل، ووضع قواعد له وربطه بقرار يصدر عن الجهة المختصة، إلا إذا كان المقصود تغريم الجهة مصدرة القرار وهي في هذه الحالة مؤسسة الضمان الإجتماعي، وهو أمر مستبعد جدا.
من المؤكد أن هذه التوصيات تأتي من باب الإستجابة لتوجيهات البنك الدولي للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي بهذا الشأن بدعوى ضمان قدرتها على الاستدامة، في إطار مطالبته الحكومة مرارا بتنفيد سياسات لدفع المتقاعدين مبكرا إلى العودة للعمل، وتقليل الحوافز للتقاعد المبكر، وكانت آخر مطالبته في عام 2021 من بينها فرض غرامات على التقاعد المبكر على كافة سنوات الاشتراك، وتطبيق معادلة منافع جديدة على سنوات الاشتراك لتشجيع المشتركين على عدم التقاعد مبكرا.
ومن الغريب العودة إلى طرح هذه التوصية بعد أن تم في تعديلات قانون الضمان الإجتماعي عام 2019 رفع سن التقاعد المبكر للذكور الى 55 عاما وللاناث 53 عاما، وبعد أن أعلنت الحكومة والمؤسسة العامة للضمان الإجتماعي خلال هذا العام والعام الماضي عن التراجع عن إلغاء التقاعد المبكر في التعديلات التي كانت قد طرحت على القانون.
إن الأخذ بأي توجه للحد من التقاعد المبكر يجب أن يسبقه تعديلات على سياسات حمائية أخرى للعمال، بشكل خاص سياسات الأجور والحد الأدنى للأجور باعتبار أن انخفاض الأجور يشكل العامل الرئيسي لتوجه العاملين نحو التقاعد المبكر، ثم العودة إلى سوق العمل لضمان أجر إضافي يساعدهم في تلبية احتياجاتهم لحياة كريمة، خاصة وأن النسبة الأكبر من العاملين يتقاضون أجورا تقل عن خط الفقر، وبغير ذلك فستحدث مثل هذه الإجراءات إرباكات نحن في غنى عنها في هذا الوقت، منها توقع إسراع بعض المؤسسات في إنهاء خدمات عاملين لديها تجنبا للمسائلة التي قد تحملها توصية المصفوفة.
مدير المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال"