فتيات متشابهات.. لا يملكن حرية الاختلاف

الرابط المختصر

لا تزال نهى وهي في الثامنة والعشرين من عمرها تبحث عن مخرج للقيود التي تحكم مظهرها الخارجي والذي تلتزم به دون رغبة منها. لهذا، فشخصية نهى لا يمكن استقاؤها من مظهرها. كل ما في الأمر أن ذلك تماش مع المقبول اجتماعيا. تقول نهى: "أنا إنسانة عملية وبسيطة، وأتمنى أن يكون مظهري كذلك. لكن ما هو مفروض علي غير ذلك، لأن طبيعة العمل والمجتمع تحدد مظهري أكثر مما أحدده أنا. هذا مزعج جدا".



التقينا نهى في يوم إجازتها الأسبوعية وهي تتسوق في أحد "المولات" التجارية الكبيرة كالمعتاد، مع صديقتيها اللاتي تشبهانها إلى حد كبير بملابسهن التي لا تختلف عما هو معروض في واجهات محلات الألبسة، وعما نراه على مدار الساعة في الفضائيات الترفيهية والإخبارية على السواء.

إذن، متطلبات العمل ليست فقط ما يحكم مظهر نهى، فهناك أيضا الأهل والأقارب والجيران، وحتى الأصدقاء.



تحدثت نهى بصراحة عن تأثير كلام الناس والمعايير الاجتماعية التي تراعيها في اختيار ملابسها، تسريحة شعرها، مكياجها، وحتى طريقة كلامها وإيماءات وجهها ومشيتها. جميعها مظاهر تؤثر على علاقتها بمن حولها في البيت والعمل والشارع.



وتقول: "الاهتمام بمظهري يأخذ مني وقتا واهتماما كبيرا، والنقود والوقت الذي يهدر يزعجني".

تدرك نهى أن الاهتمام الزائد بالمظهر ومجاراة عروض السوق يوقع المرأة في مطب الصورة النمطية "للمرأة-الجسد" التي رسمها لها الإعلام، ويغرقها أيضا في دوامة المصاريف العالية على حساب حاجات أساسية أخرى. لكن هذا ما اضطرت إليه نهى لتيسر أمورها في مجتمعها وعملها، مثلها مثل كثيرات فضلن مجاراة المجتمع.



هذا الوضع لا ينطبق على مراد وطارق ومحمد وناصر الذين اختاروا أن يظهروا بالطريقة التي تريحهم وتتناسب مع شخصياتهم. يقول مراد (32 سنة): "المظهر الخارجي يؤثر نوعا ما في ردود فعل الأشخاص المحيطين. أنا أسير حسب قناعتي. هذه الأمور الشكلية وليست ذات أهمية".

محمد (32 سنة) يوفر الفائض المادي لأسرته لا لمظهره، ويقول: "أحيانا انزعج من رأي الناس بي. بعضهم يقف معي. اعتبر نفسي حرا، لكن الناس لا يرحمون".

طارق (21 سنة) فرغم أنه يتأثر برأي الناس في مظهره، لكنه يصرف تبعا لإمكاناته المادية، ويقول: "الفتاة بطبيعتها تحب الصرف والشراء أكثر. لا داع لزيادة المصاريف سواء كان للشاب أو للفتاة".

لكن هل صحيح أن المرأة تحب الشراء أكثر لطبيعتها؟ أم أن المجتمع يعطي أهمية بالغة لمظهر المرأة، يكرسها الإعلام والمعلنون الذين يستهدفون المرأة أساسا لتسويق منتجاتهم؟



ازدواجية

محمد، ابن السادسة والعشرين عاما، اختار أن "يكسر الروتين": قرر أن يترك شعره طويلا. لم يتقبل الأهل الفكرة في البداية. حتى المحيطين به لم يتقبلوا ذلك. يقول محمد: "كنت بحاجة إلى تغيير الروتين. طوّلت شعري. والدي كان يقول لي أين ستشتغل وشعرك طويل؟ كان يفكر في المستقبل ويخاف ألا يتقبلني الناس. بعدها صار الأمر عاديا. في الجامعة، كان انطباع شكلي الجديد عاديا عند أصدقائي، لكني لم أسلم من نظرات المحيطين بي. كان هناك انتقادات، لكن بالمقابل هناك من كان يشد على يدي ويعتبر هذا تغييرا جيدا".



لكن على رغم تعرض محمد لتلك التجربة والإصرار على حريته في التعبير عن مظهره الذي يراه مناسبا لشخصيته، فإنه رفض منح هذا الحق للمرأة، حتى أنه لم يتوانى في إصدار حكم أخلاقي على زميلته في العمل لمظهرها "المريب". يقول: "إذا كان شعر الفتاة فضي أو نحاسي أو أي لون غريب فهذا مقبول من المجتمع. أما أن تقص شعرها على الصفر فهذا غريب. حتى أنا لن أتقبله".

محمد ليس وحيدا في موقفه هذا. ناصر (25 سنة) يفضل أن يعيش على طبيعته، إذ يقول: "الإنسان من خلال تعامله تظهر شخصيته. لي كامل الحرية في شكلي ومظهري. أعمل ما أريد ولا اهتم كثيرا للمظهر كوني رجلا. رأي الناس يؤثر فيّ لكن ليس بدرجة تجعلني أتعقد".



الإعلام وثقافة الاستهلاك

اهتمام المرأة بمظهرها في كثير من الأحيان مطلوب ومشروع حتى ولو كان بكلفة مادية عالية، كما هو الحال مع ريما ابنة الثلاثين عاما. فهي تحتاج إلى 60 أو 70 دينارا شهريا للإنفاق على مظهرها، وتقول: "الوقت الذي احتاجه يوميا للعناية بمظهري ساعة تقريبا. هذا يزعجني أحيانا. على كل، المهم أن يكون لدي ثقة بالنفس. فالمظهر الجيد يساعدني لكن تأثيره يختلف من شخص إلى آخر. كل حسب شخصيته".

وتتفق ميساء (34 عاما) مع ريما بإتباع رغبتها وقناعاتها الخاصة في تحديد مظهرها حتى لو كانت كلفته المادية عالية، وتقول: "أحب الاعتناء بنفسي والشراء. أنا مرتاحة وحرة في اختياري لمظهري. لدي أفكاري الخاصة وقناعاتي تتحكم بمظهري".



وعلى رغم أن أسماء (24 سنة) تصرف 50 دينار شهرياً على مظهرها، فإن هذا مصدر راحة بالنسبة لها. تقول: "أحب أن يكون شكلي جميلا. مظهري يساعدني في عملي. لي كل حرية الاختيار أن أكون كما أريد. لا أحد يجبرني على شيء".

نساء الفضائيات والمجلات والجرائد "جميلات ومتأنقات"، يواكبن أحدث خطوط الموضة. حتى مذيعات نشرات الأخبار أو مذيعات القنوات الدينية: يبدو أن الجوهر ليس على هذا القدر من الأهمية.

هذا الاتجاه نحو التجميل، كرس ثقافة استهلاكية قسرية غير مباشرة. فإعلانات منتجات التجميل تخاطب الجمهور بلغة مؤنثة. طبعا تكون المرأة عنصرا رئيسيا في الإعلانات. هذا كله يولد ضغطا إعلاميا وإعلانيا على المرأة. والأثر في النهاية: سلبي.

يقول د. وليد سرحان، المتخصص في الطب النفسي: "على المرأة الاهتمام بالمظهر بما يتناسب مع السوق والمتطلبات. المرأة أصبحت منساقة إلى هذه المظاهر على حساب أساسياتها في الحياة. أستغرب أن هناك فتاة تصرف 90 % مما لديها على المظهر وتنسى أن تشتري أشياء أساسية تحتاجها، لأن هذا المظهر ضروري كما يقول الإعلام".



مشاهدة قسرية

جمهور وسائل الإعلام، وحتى العابرين في الشوارع الممتلئة باللافتات الإعلانية، ليسوا مخيرين في النظر إلى الإعلانات التي تداهمهم عند مشاهدة أي برنامج تلفزيوني أو حتى نشرة أخبار، أو تصفحهم لجريدة أو فتحهم لموقع على الإنترنت.



وغزت الفضائيات برامج تعنى بتحسين المظهر وتغييره بالمكياج واللباس. ووصل "التطرف" إلى عمليات تجميل مؤلمة لجعل الفتاة فراشة جميلة تخرج من شرنقة: توضع صورتين قبل التحول وبعده. الأولى باكية حزينة متشككة وغير واثقة من نفسها، والأخرى مشرقة أخاذة يلتف حولها الجميع بانبهار.



هذا لا يكرس سلب المرأة حقها في التعبير عن شخصيتها بالطريقة التي تحب وحسب، وإنما يكرس أيضاً الثقافة الاستهلاكية التي تجبر المرأة أن تلهث وراء الأزياء الحديثة والمستحضرات التجميلية المكلفة في سبيل أن لا تظهر بصورة غير جميلة أو بشعة.



سرحان يعتبر ممارسات وسائل الإعلام هذه اضطهادا للمرأة ويقول: "المرأة تحررت إلى حد كبير من استبداد الرجل... لكنها خضعت لاستبداد وسائل الإعلام. كلهم بنفس الشعر ونفس اللباس. بالكاد نرى واحدة مختلفة".

التشديد على أهمية مظهر الفتاة ليس مقتصرا على غير المتزوجات. حتى المتزوجة ليست بمعزل عن الانتقادات، دون الاهتمام بانشغالها بأمور البيت والأطفال والعمل - إن كانت تعمل: المقارنة لن تكون عادلة في نهاية اليوم أمام نجمة تلفزيونية.

هذه المقارنة تغاضي عن مدى التعب وحجم المسؤولية الملقاة على عاتق الزوجة، المطلوب منها، إضافة إلى كل ذلك، أن تكون في أبهى حلة. والحجة ألا "يبصبص" زوجها على الخيارات المتاحة خارجاً.

لكن الأمر لا ينطبق على الرجل.

على المرأة أن تكون جميلة مشرقة مرحة وأخاذة. لكن لا داعي في أن يكون الرجل هكذا - فالمهم شخصيته وحضوره وعقلة.



نساء في عالم ذكوري

هناك تناقض يتعامل به المجتمع مع مظهر المرأة المتأنقة والتي تهتم بأزيائها ومكياجها وترتيب شعرها بشكل مبالغ فيه. حتى لو كان هذا مطلوباً ومرغوباً، فإنه يواجه ببعض النظرات المشككة في نوايا هذه الفتاة ومدى استقامة سلوكها أو انحرافها.



وإن ظهرت الفتاة في شكل معاكس، بشعر قصير ومرتدية ملابس أقرب إلى ملابس الرجال، فإنها تمطر بتعليقات تصل حد التشكيك في أنوثتها وميولها الحسية وحتى الجنسية: ببساطة توصف بأنها فتاة "مسترجلة".

وعن هذه الظاهرة يقول سرحان: "المرأة المسترجلة ظاهرة واضحة في المجتمع. وتظن بعض النساء وخصوصا العاملات أنهن خففن من الأنوثة وزدن من "الدفاشة" وغيرت في لباسها حيث لتنسي الناس أنها امرأة. هذه مبالغة، فيها تناقض وجداني بين الإنسان وذاته وأنا لا اعتقد أن هذا مبررا".



ويضيف: "ليس هذا لرغبتها في إنكار أنوثتها وإنما لأن جو العمل رجولي مثلا. فتريد إثبات نفسها فيه فتتنازل عن مظهرها الأنثوي لصالح فائدتها في عملها. فالترقية والمناصب العليا محصورة بين الرجال وبعض النساء ينجرفن وراء هذا إلى حد الاعتقاد بأن مظهرهم قد يساعد على أخذ ترقية أخرى".

في المجتمعات الأبوية تتعرض المرأة في الأسرة والعمل إلى توجيه مبطن بحيث تضطر إلى أن تظهر بمظهر معين يخدم الظرف الذي تعيشه، وفي حالات محدودة قد تتجه الفتاة نحو اتجاه آخر غير المظهر الأنثوي المبالغ فيه أو الرجولي، وإنما تتجه لأن تكون صورة أخرى عن والدتها أو غيرها من نساء أسرتها.



انفصام

معايير وأحكام المجتمع فيما يخص مظهر الفرد يحد من حريته في اختيار المظهر الذي يرغب فيه والذي يعبر عن شخصيته. هذه القيود تختلف من مجتمع لآخر داخل المجتمع الواحد. فالمقبول في منطقة ما أو ضمن طبقة اجتماعية معينة ليس مقبولا في منطقة أو طبقة اجتماعية أخرى.

الاهتمام بالمظهر لدى ليلى ابنة الثالثة والعشرين يمنحها الراحة النفسية وينعكس إيجابيا على دراستها وأدائها بالعمل. إلا أن طبيعة المكان والأشخاص تؤثر في شكل مظهرها الخارجي. تقول ليلى: "المجتمع يفرض على الشخص نمطا معينا. كل مكان أذهب إليه له لباس يختلف عن الأخر. المجتمع يؤثر بالصورة التي أظهر بها".

ازدواجية الفرد في اختيار مظهره تابعة لمقاييس ومعايير بيئته. لكن قيود البيئة وقيود المرأة نفسها تتشابك لتؤثر على مظهر المرأة "بطريقة مقلقة لها"،



بحسب تعبير د. وليد سرحان.

"المرأة في طريقة تعبيرها في اللباس والمظهر والمكياج والمشي وأسلوب الحركة والكلام وحتى التدخين لا تعبر عن ذاتها. هي تعتقد أن هذا المظهر سيكون مقبولا أكثر أو يعطي رسالة مرضية للآخرين، مثل المرأة التي تتبرج بشكل زائد عن اللزوم".



ويضيف سرحان: "قد تتوجه المرأة نفسها نحو التأنق المبالغ فيه لدرجة يقترب فيها للإثارة وإظهار مفاتنها برغبة ذاتية منها للفت الانتباه أو الإثارة بسبب الكبت الاجتماعي الذي يتعداه للكبت الجنسي الذي لا تستطيع المرأة التعبير عنه بسلاسة".

وبحسب سرحان فإن هذه المظاهر الخارجية التي يفترض أن تكون معبرة تعبيرا دقيقاً وصحيحاً وخصوصا عند المرأة أكثر من الرجل لا تعبر عنها حقيقة، ويقول: "إنها لا تعبر عن ماهية المرأة، بل عما تعتقد أنه مناسب ومقبول، وفي كثير من الأحيان تكتشف أنها أخطأت في هذا التعبير، واضطرت أن تدخل في هذه الخطوط المتناقضة بسبب التربية والتنشئة المختلفة عليها".

كرستين في الثانية والعشرين من عمرها تشتري الأشياء التي ترغب في ارتدائها والتي تعتبرها جزئا من شخصيتها وتعبيرا عن ذاتها... لكنها لا ترتديها إلا في البيت. لماذا؟ تقول: "بسبب التقاليد والعادات. أشياء في السوق تعجبني فأشتريها، لكن ألبسها في البيت فقط".

رولا (32 سنة) ربة بيت لم تخف تناقضها في أنها حرة في اختيار مظهرها... ولكن بحدود. فرأي الناس مهم لها. تقول: "أكيد أن لمظهري الخارجي تأثير على الناس. على كل أنا لست حرة في اختياري لمظهري. هناك حدود أقبلها لنفسي والمجتمع يقبلها أيضا".

هذا ما تؤكده ربة البيت رغدة (40 سنة) حول تقيدها في معايير المجتمع لتقييم مظهرها. تقول: "لدي الحرية التامة في اختياري لباسي. لكن أتقيد في ظروف معينة تعود إلى عادات مجتمعنا. فبيئة المجتمع الذي تربينا به وطبيعة العمل والوظيفة تقيدنا".

أيضا، قد تكون الفتاة ممنوعة من ارتداء ما ترغب أمام أهلها، فتجاريهم في العلن، لكنها تعبر بحرية عن مظهرها في الجامعة أو العمل، أي بعيداً عن أنظارهم.

سرحان يعتبر التعرض للضغط سواء بالاتجاه المحافظ جدا أو بالعكس المنفتح جدا، يؤدي إلى ميل نحو التطرف وخصوصا الشدة والتزمت مع الفتيات بصورة أكثر من الشباب وأكثر مما هو مقبول في المجتمع. ويقول: "هذا يجعل مساحة التعبير عن النفس أو التغيير لهؤلاء الفتيات قليلة جدا، أو إيجاد نفسها ضمن القيم الاجتماعية المختلفة محصورة ضمن الخيارات القليلة التي أعطيت لها، فقد تضطر إلى مخالفة هذه التقاليد دون أن تكون مجهزة بالبدائل الصحيحة، أي بطريقة غير سوية وتقع في إشكالات".

تمتع الأفراد بحرية اختيار مظهرهم، كأبسط أشكال التعبير عن النفس، متفاوتة وبخاصة عندما يطبق على النساء وتحديدا في المجتمعات المحافظة: فالمرأة مجبرة على الظهور بصورة "تسر الناظرين" دون الاهتمام بذكائها أو تحصيلها العلمي أو شخصيتها. لذا تتكرر مقولة استحالة أن تجد امرأة جميلة ومثقفة وذكية في نفس الوقت.

أضف تعليقك