غير الشفقة لا مكان للمعاق في الإعلام

الرابط المختصر

لم يتوان عدنان العابودي من الحديث باستضافة عن حادث المرور الذي وقع له في الثمانينيات وأدى إلى بترٍ في ساقيه الاثنتين، "بقيت لأسابيع متنقلا بين غرف المستشفى، وفي كل زيارة لغرفة العمليات يقطع سنتيمترات من أقدامي إلى درجة جعلتني أقول لهم كفى قطع لهما".        

عدنان الذي بدا واقفا اليوم على قدميه الاصطناعيتين متماسكا ولا يختلف عن غيره من ضحايا الحوادث، غير أنه جعل من حادثه هذا فرصة ليبادر مع مجموعة ناشطين ومن شابهوه بالحال إلى تأسيس الشبكة العربية للناجين من ضحايا الألغام.

واليوم يقف أمام عشرات الإعلاميين الأردنيين المشاركين في ورشة عمل في فندق "سنشري بارك" يتحدث عن تجربته بالحياة والاتفاقيات الدولية الخاصة بذوي الإعاقات المختلفة، في إطار الحديث عن قضايا المعاقين في وسائل الإعلام المختلفة.  
 
"نعم حادثي بعيد عن حوادث الألغام ولكننا في الجمعية نتشابه في الحال الآن. أحدهم فقد قدمه جراء مرض السكر وآخر بسبب انفجار لغم وأنا لحادث سير وهكذا دواليك".يقول عدنان. 
 
المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعاقين، والمركز الوطني لحقوق الإنسان والمركز الثقافي البريطاني، قاموا بتنظيم الدورة التدريبية ساعين من ورائها إلى "تعميق قضايا المعاقين في الإعلام عبر طرحها بطرق عدة مختلفة والابتعاد عن الشفقة في التعاطي معها والتعرف عن كثب على التشريعات الخاصة بحقوق الأشخاص المعاقين والتطرق إلى التمييز بحقهم".     
 
ولم ينبس عدنان ببنت شفة عندما سأله الإعلاميون "هل أنت معاق أم ذو حاجة خاصة؟" فكان الرد منسجما مع ما قالته كرستين فضول مسؤولة ملف حقوق الأحداث والطفل في المركز الوطني لحقوق الإنسان التي أوضحت أن تسمية "المعاق" هي الأدق من "ذوي الاحتياجات الخاصة"، من باب أن المعاق ليس في حاجة أحد بالأساس إنما ثمة إعاقة في جسده وكما أن الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الأشخاص المعوقين صادقت على تلك التسمية وباتت الاسم الرسمي.
 
"أنت تسبقني على باب القاعة بنصف دقيقة بينما أنا بدقيقة ونصف الدقيقة فقط أصله..هذا الاختلاف الوحيد بيني وبينك" يقول عدنان ردا على استفسار أحد المشاركين الذي سأله "ما هو شعور عقِب الحادث" ملمحا إلى أنه عاش حياة طبيعية ثم انقلبت عليه وجعلته إنسانا معاقاً.     
 
في تجربة أخرى لكنها قلت حديثا عن تجربة عدنان، هي تجربة المقعد حركيا محمد الطراونة وهو المهندس الذي ترأس إدارة كودة البناء الخاص في أمانة عمان الكبرى قبل عدة سنوات..إذ لم يتحدث كثيرا مكتفيا بالمشاركة فحسب لتتولى كريستين فضول الحديث عن تاريخه إذ أنه أول أردني –عربي تمكن من الفوز بعضوية اللجنة الدولية المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمكلفة برصد الاتفاقية على المستوى الدولي حيث تم انتخابه في المؤتمر الأول للدول الأطراف في اتفاقية حقوق الأشخاص المعوقين الذي عقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك مؤخراً.
 
المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين، كان مشاركا عبر "منى أبو الجواد" نائب مساعد للأمين العام في المجلس والتي تحدثت عن إستراتجية المجلس خلال الأعوام المقبلة متحدثة عن صعوبات واجهتهم تتلخص بالجهل المجتمعي لمهام المجلس والانتقاص بحقوق تلك الفئة.
 
وأزمة "الرقم الحقيقي للمعاقين" هي الحديث الأبرز بين الإعلاميين ومنى أبو الجواد، فلم يقنعوا بنسبة 1,23% وهي التي خرجت بها دائرة الإحصاءات العامة حول أعداد المعاقين في الأردن وعلى اعتبار أنهم لا يتخطون 180 ألفاً فقط واعتبرت منى أن الرقم "غير مقنع للمجلس فما بالنا لدى الجهات الأخرى وخصوصا المنظمات الخارجية منها".
 
وبحث المشاركون السبل العدة في إعداد إحصاء علمي لأعداد المعاقين في المملكة، غير أن المجلس أكد أنه "غير مقتنع" بإحصاءات البنك الدولي الذي أجرى مسحا قبل شهور خلت عن تعداد المعاقين في المملكة والتي قال حينها أن نسبتهم في الأردن بين 5-6% بمعدل 250 ألفا..لكن عدنان العابودي وفي كلمته شكك بالأرقام وقال: "عدد المعاقين في المملكة يناهز الـ300 ألف نسمة ويكاد أكثر وإذ ما دققنا مع المتأثرين من الإعاقة من الأقارب والأصدقاء فيبدو أننا نتحدث عن مليون".
 
وتصل ميزانية المجلس الأعلى إلى أربعة ملايين دينار مقدمة من الحكومة على شكل دعم للهيئة التي أسست ضمن توصية قانون حقوق الأشخاص المعاقين لسنة 2007 غير أن السجال بين المشاركين ظهر لدى الحديث عن صلاحيات المجلس "هل دوره رقابي فقط أم أنه منفذ ومشرع"..
 
يبدو أن المجلس يبحث عن مهام أخرى، غير دوره الرقابي -وفق منى أبو الجواد- والتي قالت أن المجلس "اجتهد منذ فترة وقام بدعم مباشر لأفراد وجمعيات وهذا ليس عمله الحقيقي لكنه وجد أن الحال لا يحتمل". في معرض استعراضها مهام المجلس وما قام به مؤخرا.
 
أما التعاون بين المجلس الأعلى والوزارات المتعددة فيبدو أيضا "غير فاعل" رغم أن أعضاء المجلس هم كل من أمناء عامين وزارات الصحة والعمل والتنمية الاجتماعية ومدير مدينة العاصمة.."لو كان هناك تعاونا لاختصر جهدا مضنيا على المجلس"..تقول ممثلة المجلس الأعلى.
 
قانون حقوق الأشخاص المعاقين، "يحتاج إلى فاعلية أكثر" يقول أحد المشاركين، "غير مطلع عليه فكيف لي أن يدرك نصوصه المعاق أو غير المعاق" تقول مشاركة، "نريد حملة توعية بنصوص القانون" يقول مشارك.
 
المعاقون ليسوا مثارا للشفقة...هو العنوان الأبرز في التعاطي مع قضايا المعاقين وفي شتى صنوف إعاقاتهم على اعتبار أن الإعاقات متنوعة بين "الحركية والبصرية والصم والبكم..". وكل أنواع الإعاقات التي لا تلقى الاهتمام في وسائل الإعلام..."كفى اهتماما مضحكا بنا" يقول أحد المعاقين.
 
يبقى القول أن الورشة ستحث المشاركين خلال أيام انعقادها على "التنوع" في طرق التعاطي مع قضايا المعاقين و"الإبداع" بمشكلاتهم المتعددة..إذ سيحاضر عدد من الإعلاميين المتمرسين والمشتغلين في القضايا الحقوقية.   للعلم: (بدأت الورشة اليوم الاثنين وتنتهي غداً الثلاثاء).