عودة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا ممكنة
منذ بداية الشهر الحالي شنّ تنظيم “الدولة الإسلامية” أكثر من أربع هجمات كبيرة ضد قوات النظام السوري والمليشيات المحليّة والشيعيّة الموالية له، وتصاعدت مع بداية العام الحالي وتيرة نشاطات التنظيم العسكرية وتنوعت أساليبه واتسع نطاق استهدافاته الجغرافية في سوريا رغم خسارته عددًا من قياداته العليا. وفي ظل تراجع الاهتمام الدولي بملف “الإرهاب” لحساب التنافس الجيوسياسي بين الدول وبروز مخاطر محلية وإقليمية ودولية أخرى، وغياب أي حلول سياسية وسط أزمات اقتصادية وصعوبات معاشية وبوادر توترات إثنية وطائفية أصبح تنظيم “الدولة” أكثر جرأة في تنفيذ عملياته في إطار استراتيجية صبورة تعتمد على منطق حرب العصابات والاستنزاف، من خلال التحول إلى تنظيم إدهوقراطي مرن و لامركزي وخلايا صغيرة تنتشر على مساحات واسعة في مناطق الفراغ الأمني، وهو ما جعل الحديث عن عودة التنظيم إلى فرض سيطرته على مناطق في سوريا تحظى بالاهتمام والنقاش والتداول.
في 10 آب/ أغسطس الحالي جاء الهجوم الأعنف لمقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” عندما قُتل 33 جنديًّا على الأقل بعد استهداف حافلة عسكرية لقوات النظام السوري ببادية الميادين بريف دير الزور الشرقي، وتبنى التنظيم الهجوم في اليوم التالي، وقال في بيان، نشرته وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم، إن مقاتليه تمكنوا من قتل وإصابة 40 جنديًّا للنظام السوري عبر كمين عسكري في بادية دير الزور، وجاء الهجوم بعد نحو أسبوع من إعلان تنظيم “الدولة” عن تنصيب زعيمه الجديد “أبو حفص الهاشمي القرشي” وتأكيد مقتل خليفته الرابع “أبو حسين القرشي” في إدلب واتهام “هيئة تحرير الشام” التي يقودها أبو محمد الجولاني بتسليم جثته إلى السلطات التركية.
هجمات تنظيم “الدولة” في سوريا تنامت منذ بداية العام الحالي 2023 بالمقارنة مع العام الفائت بنسبة تزيد عن 50%، وقد تنوعت الهجمات وشملت مناطق جغرافية واسعة، حيث هاجم مقاتلو التنظيم حافلةً عسكرية للجيش السوري على طريق دير الزور-حمص في 13 آب/أغسطس، أسفرت عن مقتل خمسة جنود. وفي 7 آب/أغسطس، شن مقاتلو التنظيم هجومًا مباغتًا ضد نقاط قوات النظام، والميليشيا الإيرانية في ريف الرقة الشرقي، ما أسفر عن مقتل العشرات من قوات النظام، وتدمير عدد من الآليات، وقد دفعت الهجمات الأخيرة التي شنها التنظيمُ القواتَ الروسيةَ في سوريا لتنفيذ هجمات جوية في بادية الرقة بعد أن توقفت الطلعات الروسية لأشهر عدة في مناطق انتشار خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” ببادية الرقة وحمص ودير الزور وحماة.
تشير هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى تمدده في نطاق جغرافي واسع، ففي 31 من يوليو/ تموز الماضي، نفذت خلايا تتبع للتنظيم هجومًا استهدف قافلة صهاريج كانت تنقل النفط على طريق الرقة- سلمية، شرقي محافظة حماة. وأعلن التنظيم عبر صحيفته الرسمية “النبأ”، أن الهجوم خلّف 12 قتيلًا وجريحًا، وأدى إلى إعطاب 15 آلية في بادية حماة، معظمها خلال الهجوم الذي استهدف قافلة النفط، وفي هجوم لافت استهدف تنظيم “الدولة الإسلامية” المدنيين الشيعة في مدينة السيدة زينب، جنوب مدينة دمشق، في هجومين منفصلين بالعبوات الناسفة المحمولة على الدراجات النارية يومي 23 و 25 يوليو / تموز الماضي، والتي قد تكون الأولى في هجمات التنظيم غير النظامية والمتواصلة ضد المراكز الحضرية في سوريا.
أثبتت هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية”، حسب “مركز دراسات الحرب” في واشنطن، أن النظام السوري يفتقر إلى القدرة على دحر “داعش” في وسط الصحراء السورية، فالنظام قادر على إزالة الخلايا الهجومية لداعش في دمشق وأماكن أخرى بشكل مؤقت، لكن عملياته تفتقر إلى التنسيق الاستراتيجي والعملي والبصيرة. ولا يمتلك النظام خطة حملة متماسكة تسمح له بهزيمة “داعش” بشكل منهجي ودائم. غالبًا ما تكون جهود النظام رد فعل على شكل عمليات تطهير قصيرة المدى لا تصمد ولا تمنع عودة داعش، فقد نفذ تنظيم “الدولة الإسلامية” أكبر عدد من الهجمات في أوائل عام 2023 منذ نهاية “الخلافة” الإقليمية في 2018، وسيستمر التنظيم في تسلل الخلايا الهجومية إلى المناطق الحضرية بهدف ترهيب سكان المدن وشبه الحضرية.
لا تقتصر هجمات تنظيم “الدولة” على مناطق وقوات النظام السوري والمليشيات الموالية له، إذ لا تنقطع هجماته على قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وقوات التحالف الدولي، فقد برهن هجوم تنظيم “الدولة” على سجن الصناعة في حي غويران بمحافظة الحسكة السورية، الذي يضمّ سجناء من مقاتليه، في 20 من كانون الثاني/ يناير 2022، على خطورة التنظيم وقدراته وصبره الاستراتيجي، وأن التنظيم ما يزال يتمتع بقدرات قتالية وتمويلية وإعلامية كبيرة. وقد جاء الهجوم عقب سلسلة طويلة من الهجمات متعددة الأشكال في سوريا والعراق، ويذّكر الهجوم باستراتيجية “هدم الأسوار” التي استند إليها التنظيم قبل سيطرته على الموصل عندما هاجم سجني أبو غريب والتاجي وحرر مقاتليه المعتقلين، وقد قال التنظيم في بيان له عن حصيلة الهجوم إنه تمكن من “تحرير عدد من الأسرى”، لكن قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من التحالف الدولي نفت ذلك، وقالت إنها قتلت نحو 370 أسيرًا حاولوا الفرار خلال الاشتباكات التي استمرت أكثر من أسبوع، حتى تمكنت قسد من استعادة السيطرة على السجن بشكل كامل في 31 كانون الثاني/ يناير 2022. وقد أظهر الهجوم قدرته على البقاء والتكيّف وامتلاكه الخبرة لاستدامة المنظمة على الرغم من فقدانه السيطرة على الأرض، حيث خسر آخر بقعة سيطرة مكانية كانت تحت نفوذ “خلافته” في منطقة الباغوز في آذار/ مارس 2019.
بعد تنامي هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” على قوات النظام السوري والمليشيات الموالية له والمدعومة من إيران، وهجوم دير الزور الجريء ازدهرت مرة أخرى نظريات “المؤامرة”، التي رافقت حقبة صعود التنظيم، حيث اتهمت وزارة الخارجية والمغتربين السورية “قوات الاحتلال الأميركي” بأنها “استهدفت هي وتنظيماتها الإرهابية” الحافلة، وفق بيان نقلته وكالة “سانا” الرسمية. وقالت إن “هذا العدوان الإجرامي والإرهابي” يأتي “في سياق دعم ورعاية الولايات المتحدة الأميركية للتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم داعش”، وتصر سردية المؤامرة لأنصار وأتباع “المقاومة والممانعة” على أن “داعش” صناعة أمريكية، وأن التصعيد الأخير جاء بعد الغضب الأمريكي من التقارب العربي مع سوريا والمصالحة بين السعودية وإيران، ورغم أن التنافس الجيوسياسي حاضر واستخدم الإرهاب في اللعبة الاستراتيجيةـ لكن الادعاء أن “داعش” صناعة استخباراتية ترقى إلى مصاف الخرافة، فتنظيم “الدولة الإسلامية” له أجندته العالمية الخاصة، وهو بارع في استثمار الأزمات والتموضع داخل التناقضات بين القوى المتنافسةـ والولايات المتحدة الأمريكية رغم خلافاتها مع إيران وسوريا ترغب بتهدئة المنطقة للتفرغ للتحدي الصيني والجبهة الروسية، فالمصالحة بين إيران والسعودية والتقارب العربي السوري يقع في سياق خلق حالة من الاستقرار في الشرق الأوسط لعدم التشويش على ساحة المنافسة مع الصين والصراع مع روسيا.
مع تبدّل الأولويات الاستراتيجية حول تعريف المصالح الحيوية، وزيادة وتنوع المخاطر التي تهدد مكانة الولايات المتحدة المستقبلية تحوّل “الإرهاب” إلى مصاف التهديدات الثانوية، رغم أن ما يسمى “الإرهاب” أصبح أكثر انتشارًا وتنوعًا وتعقيدًا، فقد برزت تحديات أخرى في وجه الولايات المتحدة إلى جانب الإرهاب، تشكل تهديدًا لمكانة أمريكا العالمية، وتتكون هذه التهديدات من مجموعة متنوعة داخلية وخارجية، ومن أهمها تنامي قوة الدول المنافسة كالصين وروسيا إلى تحدي الدول المارقة كإيران وكوريا الشمالية، ومن توسع الحروب التقليدية إلى مكافحة الانتشار النووي، ومخاطر التغير المناخي، والجائحة العالمية والهجمات الإلكترونية اليومية التي تطمس الفروق بين الدول والعصابات الإجرامية، وقد شكل عام 2021 نقطة تحول في كل من الإرهاب المحلي والدولي، حيث شهد الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي من جماعات يمينية وفاشية، والنهاية الفوضوية لأطول حرب أمريكية في أفغانستان، إذ تعرضت حملة مكافحة الإرهاب الأمريكية لضربة مزدوجة مدمرة في عام واحد، وكلا الحدثين يشيران إلى أن الولايات المتحدة تتجه إلى مستقبل أكثر قتامة وأكثر غموضًا في مجال مكافحة الإرهاب.
لا يغير مقتل زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” أبو الحسين القرشي من صورة المشهد الجهادي العالمي ولا يعدو عن كونه نجاحًا تكتيكيًّا ورمزيًّا، فقد قُتل زعيم وبقي التنظيم، وسرعان ما تم تعيين قائد آخر؛ فالمنظمات التي تتمتع بهياكل بيروقراطية راسخة، وأيديولوجية جاذبة، وتمويلات كافية، وتتمتع بالمرونة قادرةٌ على التكيّف، وتنظيم “الدولة” من جهته بدا من أكثر التنظيمات الجهادية تطوّرًا على صعيد تماسك الهيكلية التنظيمية والصلابة الأيديولوجية حتى بعد طرده من مناطق سيطرته الحضرية المدينية في العراق وسوريا، فقد كشفت الوقائع الميدانية عن سرعة تكيّف التنظيم مع التطورات الميدانية، وتمتعه بمرونة شديدة بالتحول من نهج المركزية إلى حالة اللامركزية، حيث تمكن من إجراء إعادة هيكلة تنظيمية على الصعيد العسكري والأمني والإداري والشرعي والإعلامي، فمع نهاية المشروع السياسي للتنظيم كدولة “خلافة”، عاد إلى حالة “المنظمة”، ورجع إلى الاعتماد على تكتيكاته القتالية التقليدية بالاعتماد على نهج الاستنزاف وحرب العصابات.
إن نظرة خاطفة على مسارات تشكل تنظيم “الدولة الإسلامية”، تؤكد على وجود منظمة بيروقراطية شديدة التعقيد ومتماسكة ومرنة، وتتمتع بقدرة كبيرة على التطور والتكيّف، وتشير عملية الانتقال الأخيرة لقيادة جديدة، إلى أحد مناحي التطور؛ فعندما قتل الزرقاوي (أحمد فضيل الخلايلة) في 6حزيران/ يونيو 2006، ترك لخلفائه منظمة متماسكة وقوية ونافذة، وقد تولى أبو عمر البغدادي (حامد داود الزاوي) وهو ضابط سابق في الجيش العراقي المنحل تأسيس “دولة العراق الإسلامية” في 15 تشرين الثاني/ أكتوبر 2006، وفي عهده تحول التنظيم إلى منظمة بيروقراطية أكثر مركزية، وعندما أعلن عن مقتل أبو عمر البغدادي في 19أبريل/نيسان 2010، إلى جانب أبي حمزه المهاجر، بادر تنظيم دولة العراق الإسلامية في 16 أيار/ مايو 2010، إلى بيعة أبي بكر البغدادي (إبراهيم عواد البدري السامرائي)، وعقب مقتل أبو بكر البغدادي في 26 تشرين أول/ أكتوبر 2019، سارع التنظيم إلى تعيين أبو إبراهيم الهاشمي القرشي (أمير محمد سعيد عبد الرحمن مولى)، وعقب مقتله في شباط/فبراير 2022، أعلن التنظيم في 10 آذار/مارس 2022، تنصيب أبو الحسن الهاشمي القرشي، وبعد مقتل الهاشمي في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2022، تولى أبو الحسين الحسيني القرشي زعامة التنظيم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وفي الثالث من آب/ أغسطس الماضي، أعلن عن مقتل أبو الحسين القرشي، وتم تنصيب الزغيم الحالي أبو حفص الهاشمي القرشي، ومن الواضح أن الزعيمين الأخيرين من الجيل الجديد، وفي إشارة إلى تماسك ووحدة القيادة بعد خسارة كل خليفة، يبث تنظيم “الدولة الإسلامية” صورًا دعائية تظهر المئات من مقاتلي داعش – من سوريا إلى أفغانستان ، ومن مصر إلى موزمبيق – يبايعون الخليفة الأخير. فلم تقم “داعش” بإضفاء الطابع الشخصي على الخلافة من خلال التركيز على القائد. فبحلول نهاية عام 2022 ، لم تكن هناك علامات كبيرة على معارضة أو استياء داخل شبكة “داعش” العالمية. ومنذ خسارة التنظيم لمناطق خلافته المكانية بات يعمل على شكل فروع تحتكم لقرار مركزي واحد، التي تكيّفت مع التطورات الميدانية خاصة في سوريا، وأبدت خلايا التنظيم غير المسيطرة على الأرض مرونة بإعادة هيكلة نفسها تنظيميا على الصعيد العسكري، والأمني، والإداري، والإعلامي.
يعود تنظيم “الدولة الإسلامية”، اليوم في سوريا بدون فرض سيطرة على مكان محدد، فيضرب في البادية السورية وفي أطراف الحواضر، ويهاجم داخل المدن، ولديه خلايا تنتشر بمعظم الجغرافية السورية، وما زالت أهدافه ذاتها لم تتغير، فهو لا يوفر من هجومه قوات النظام السوري والميليشيات الموالية لها والجنود الروس وقوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية وفصائل المعارضة السورية، في بعض الأحيان، إذ يعلم التنظيم أن السيطرة المكانية تقوي مشروعه، لكنه وجد، في الوقت الحالي، العمل يتمثل في أن يكون غير مرئي، وينطبق هذا القياس على كل مكان يوجد فيه فروع للتنظيم حاليًّا، مثل العراق الذي تتمركز فيه، بدون أدنى شك، القيادة المركزية بحكم التاريخ المتجذر للتنظيم في هذا البلد، إلى ليبيا ونيجيريا وغربي إفريقيا وتونس ومصر واليمن، وغيرها، وقد أشار تقرير لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى أن تنظيم الدولة أعاد ترتيب صفوفه ليظهر من جديد في سوريا، وأكد التقرير على أن التنظيم عزز قدراته المسلحة في العراق. يبدو أن تنظيم الدولة يعتمد على أسباب موضوعية وجذرية تهيئ له إعادة بناء نفسه وتجنيد المزيد من المقاتلين.
في سياق تصاعد هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية”، قال خبراء الأمم المتحدة في تقرير نشرفي 15 أغسطس 2023: إن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ما يزال يقود ما بين 5 و7 آلاف عنصر في معقله السابق في سوريا والعراق. وأشار الخبراء الذين يراقبون العقوبات المفروضة على التنظيم إلى أنه خلال النصف الأول من عام 2023، ظل التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية “مرتفعًا في الأغلب في مناطق الصراع”. وقالت اللجنة في تقريرها لمجلس الأمن إن “الوضع العام ما يزال نشطًا”، ورغم الخسائر الفادحة التي منيت بها الجماعة وتراجع نشاطها في سوريا والعراق، ما يزال خطر عودتها للظهور قائمًا. وأضافت “قامت المجموعة بتكييف استراتيجيتها والاندماج مع السكان المحليين، وتوخي الحذر في اختيار المعارك التي يتوقع أن تؤدي إلى خسائر”، كما قامت بـ”إعادة تنظيم صفوفها وتجنيد المزيد من المسلحين من المخيمات في شمال شرق سوريا ومن المجتمعات الضعيفة، بما في ذلك في الدول المجاورة”. رغم تعمد التنظيم خفض مستوى عملياته “لتسهيل التجنيد وإعادة التنظيم”، أشارت اللجنة إلى إن ما يقرب من 11 ألف مسلح يشتبه في أنهم من مقاتلي داعش في شمال شرق سوريا محتجزون في منشآت تابعة لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، والتي لعبت دورًا بارزًا في القتال ضد داعش. ويضم شمال شرق سوريا مخيمين مغلقين “الهول وروج”، اللذان يقول الخبراء إنهما يضمان نحو 55 ألف شخص لهم صلات مزعومة أو روابط عائلية بتنظيم الدولة الإسلامية، ويعيشون تحت ظروف “قاسية” و”مصاعب إنسانية كبيرة”. ونقلت لجنة الخبراء إن داعش ما يزال ماضيًا في برنامجه “أشبال الخلافة”، لتجنيد الأطفال في مخيم الهول المكتظ.
لقد ثبت أن احتواء تنظيم “الدولة الإسلامية” صعب في سوريا وأفغانستان، وعلى الرغم من الانخفاض العام في وتيرة الهجمات، ما يزال التنظيم يشن هجمات متعددة شهريًّا في العراق وسوريا وسيناء، كما أن فروع التنظيم في أفريقيا وأجزاء من آسيا نشطة بشكل متزايد. حتى مع فقدان القادة ، ظلت مختلف المحافظات في شبكة داعش العالمية نشطة من إفريقيا إلى آسيا الوسطى في عام 2022. وتحول أكبر عدد من عمليات داعش جنوبًا نحو إفريقيا في السنوات الأخيرة، فقد تباهى تنظيم الدولة الإسلامية بنشاط العديد من الولايات التابعة له في إفريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك نيجيريا في غرب إفريقيا، ومالي في الساحل، وجمهورية الكونغو الديمقراطية في وسط إفريقيا، وموزمبيق في جنوب إفريقيا. كما أنها تتمتع بامتياز نشط بشكل خاص في أفغانستان على طول الحدود الباكستانية المعروفة باسم ولاية داعش خراسان أو داعش- خراسان.
خلاصة القول، إن تصاعد هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، تشير إلى أن إلحاق هزيمة نهائية بالتنظيم ما تزال بعيدة المنال، في إطار التحول من الخلافة المكانية إلى حالة المنظمة الإدهوقراطية اللا مركزية والاعتماد على تكتيكاته القتالية التقليدية السابقة عبر هجمات الاستنزاف وحروب العصابات.
فرغم تراجع التنظيم في العراق وسوريا وسيناء ما يزال التنظيم يشن هجمات مميتة ويحتفظ بقدرة مثبته على تنفيذ عمليات معقدة، وهو يتنامى بصورة واضحة في إفريقيا وجنوب آسيا، ويشير تجاهل الولايات المتحدة الأمريكية إلى أنشطة تنظيم الدولة رغم إصراره على الحفاظ على التحالف الدولي ضد داعش المكون من 86 دولة والاعتراف بعدم إلحاق هزيمة نهائية بالتنظيم، إلى تبدل الأولويات الاستراتيجية الأمريكية تجاه قضايا أخرى كالتنافس مع الصين وروسيا، وما تزال الأنظمة الاستبدادية في المنطقة توفر الأسباب والشروط والظروف الجذرية لعودة تنظيم “الدولة الإسلامية” مرة أخرى، مع استمرار حالة فشل الحوكمة والرشد في المنطقة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، وإذا كانت انطلاقة وصعود “داعش” الأولى بدأت في العراق، فإن العودة الثانية ستكون من سوريا التي تتوافر على كافة أسباب العودة، وما الهجمات الأخيرة سوى مؤشر أولي على عودة ممكنة.