عودة الكبار إلى قراهم الصغيرة

الرابط المختصر

مع اقتراب الموعد الدستوري لانتهاء ولاية مجلس النواب الحالي في 21 حزيران المقبل، ينعكس اتجاه الهجرة النيابية إجبارياً إلى القرى في المحافظات على خلاف العادة.وهو مشهد يتكرر كل أربع سنوات ارتباطاً مع موعد الانتخابات البرلمانية الذي يأتي هذا العام في تشرين أول المقبل كما هو متوقع.
 
فبعد أن كان الطريق إلى عمان اتجاهاً إجبارياً لذوي الحظوظ من أبناء المحافظات ليأخذوا  مناصبهم العليا ويدخلوا دائرة صنع القرار ينعكس الحال بقدرة قادر، وتصبح القرى المنسية ومناطق البادية المقفرة محجاً لعدد غير قليل من طالبي ود النيابة، فهم يعرفون جيداً أنه لا طريق للعبدلي-مقر مجلس الأمة في العاصمة عمان- إلا عبر تلك القرى المتآكلة بعيداً عن فلل وقصور بعض النواب أو الراغبين بالنيابية على أحدى تلال العاصمة.
فلا يمكن أن يكون الحنين لطفولة غابرة فقط هو السبب الأوحد لكي يودع ساكني عمان من أبناء المحافظات أحيائهم الراقية والعودة إلى مسقط رأسهم –القرى النائية في أطراف المحافظات –وهذا الحال لا ينطبق فقط على الراغبين في النيابية من الشرق أردنيين فكثير من السياسيين الأردنيين من أصل فلسطيني وضعوا بيضهم كله في سلة المخيمات وأماكن تجمع الأقل حظاً منهم.
النائب عبدالرؤوف الروابدة أكد أن القاعدة الأساسية سواء كانت القرية أو البادية "ليست عقدة من عقد الأردنيين" إلا أنه لا يرى إمكانية لترشح نفسه لمجلس النواب سواء في السابق أو في المجلس القادم عن إحدى دوائر العاصمة رغم أنه كان أمينا لها في السابق وشغل عدة مناصب مهمة في الدولة من ضمنها أول رئيس وزراء في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني.
ويشرح استبعاده للترشيح عن إحدى دوائر العاصمة بأنه يأتي " ضمن المعطيات الحالية التي تحكم العلاقات بين المواطنين التي تغيب الإنجاز ولا تعتمد على أسس حزبية و فكرية" وإنما على ما أسماه بالعناصر السلبية في المجتمع"الدم والجهوية والإقليمية والمال والسطوة"
لذلك يلجأ الروابدة كل أربع سنوات إلى قرية الصريح –محافظة أربد، ولا يرى نفسه نائباً عمانياً رغم أنه يسكن العاصمة منذ أربعين عاماً، ويصر على أنه لا يعتمد في خطابه على العشائرية لأنه كما يقول" أن المنطقة الذي انتخبته لا تسكنها عائلة واحدة فقط وبالتالي يلجأ إلى اعتماد خطين في هذا الخطاب الأول على الإنجازات والثاني على فكره السياسي"
ولا نعرف كيف ابتعد الروابدة عن الخطاب العشائري واقترب من قرية الصريح حتى خرج منها نائباً في كل المرات التي دخل فيها مجلس النواب كنائب عن منطقة ريفية لا وزيراً أو كرئيس وزراء كما اعتاد قبل ذلك بسنوات.
الطالب الجامعي ناصر المناصرة يرى أنه من الواجب أن يكون التواصل بين النواب وقواعده مستمراً لا موسمياً، معتبراً أن السبب وراء هذه الحالة السلبية هو قانون الصوت الواحد الذي كرس النائب لخدمة مصالحة ومصالح قاعدته الضيقة وخاصة في قضايا الخدمات لا بمفهوم نائب الوطن.
التواصل الموسمي مع القواعد حالة  تنطبق على كثير من السياسيين الأردنيين مثل رئيس مجلس النواب عبدالهادي المجالي جنوباً نحو قرية القصر في محافظة الكرك، وسعد هايل السرور في قرية أم الجمال  أقصى الشمال في محافظة المفرق.
 وإذا كان النائب ممدوح العبادي أمين عمان السابق أستطاع استثناءً  أن يخرج نفسه من هذه القاعدة وهو أحد أبناء ثاني أكبر العشائر الأردنية، ولم يعتمد على كيسه العشائري سواء كنائب عن إحدى دوائر العاصمة في المجلس الحالي أو كنائب عن إحدى دوائر محافظة الزرقاء في مجلس سابق، إلا أنه ما يزال يعتقد رغم ذلك أن المدن الأردنية غير مؤهلة لإفراز نائب وطن بعد فما زالت عالقة بنائب العشيرة، باستثناء عمان والزرقاء بحكم تجربته الشخصية"
وهذه الحالة ليست شرق أردنية حصراً كما قلنا فكثير من النواب ذوو الأصول الفلسطينية فقدوا القاعدة العشائرية مرغمين واتجهوا إلى المحيط الاجتماعي  دون قاعدة جغرافية واضحة الملامح يمزقهم غياب القرية أو العشيرة ويشتتهم ما بين قضايا قومية وعربية كالعراق وفلسطين ومطالب لمخيمات وتجمعات افرزتهم كصوت لها علها تشعر بالانتماء لجغرافيا أو دم.
 والنائب خليل عطية أبن مخيم الحسين "يصر على أنه نائب وطن يمثل الأردن ككل و أبناء المخيم على وجه التحديد بفخر ولا يستطيع الانسلاخ عن القضية الفلسطينية والعراقية بنفس الوقت"
وبالتأكيد فأن القاعدة الانتخابية سواء كانت مخيم أو قرية أو بادية ليست عقدة أردنية فقط، ولكن تم تكريسها كذلك لأنها متاحة ببساطة وتهئ لساكني الفلل والقصورعلى تلال العاصمة الاتصال الموسمي غير المنقطع مع مناجم القلوب الطيبة المطحونة في القرى والمخيمات والبادية  ليختصروا عبرها الطريق إلى النيابة والمناصب السياسية العليا في الأردن.
 

أضف تعليقك