عن أزمة الباحثين العرب في حقل الإسلاميين

الرابط المختصر

أنهى مؤتمر "الإسلام السياسي بعد عقد من الربيع العربي" أعماله، بعد ست جلسات علمية معمّقة، شارك فيها باحثون وخبراء متخصصون في الإسلام السياسي في العالم العربي، وامتدت أعماله (عبر الفضاء الافتراضي) منذ شهر يونيو/ حزيران الماضي إلى نهاية شهر أغسطس/ آب الأسبوع الماضي، ونظّمه معهد السياسة والمجتمع في عمان بالتعاون مع مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية.



تناولت الجلسة الأخيرة حالة الإسلام السياسي الراهنة وآفاقه، ونوقشت فيها ورقتان، "التغيرات الإقليمية والدولية وأثرها على سياسات الإسلاميين" قدّمها الباحث في العلوم السياسيّة والعلاقات الدولية في جامعة إسطنبول آيدن، عمّار فايد، و"أسئلة المنهج والنظرية في دراسة الحركات الإسلامية: ملاحظات أوليّة" قدّمها أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدوليّة المشارك في معهد الدوحة للدراسات العليا، خليل العناني، وانطلقت من سؤال محوري: كيف يمكن وكيف يجب دراسة الحركات الإسلامية؟ إلّا أن الموضوع الذي استغرق نقاش نخبة الباحثين والخبراء المشاركين هو هموم وإشكالات متعلقة بطبيعة البحث في حقل الحركات الإسلامية. ولعلّ الفضل في تفجير النقاش يعود إلى الباحث الأردني، حسن أبو هنية، الذي ميّز أولاً بين مجتمع المعرفة للباحثين الغربيين، الذين يأتون بأجندات أمنية غربية أو بأفكار استشراقية (وإنْ أشار إلى جيل جديد من الباحثين الغربيين المستقلين، مثل ستيفان لاكروا وفرانسوا بورغا من فرنسا، ومارك لينش وناثان براون في أميركا...)، فيما يواجه الباحثون العرب صعوباتٍ شديدة من نواحٍ أمنية وسياسية ومالية، ويأخذ تيار من الباحثين العرب "دور المخبر بدلاً من الخبير والمباحث بدلاً من الباحث".



تتعلق الإشكالية بأنّ الباحثين في هذا الحقل يتعاملون مع موضوع تتشابك فيه الأبعاد المعرفية بالسياسية والأمنية والأيديولوجية، ومع حركاتٍ تصنّف لدى أغلب الحكومات العربية معادية أو إرهابية. وبالتالي، تبدو الإشكالية الأولى التي تواجه الباحثين العرب هي الموضوعية، لأنّهم أنفسهم سيخضعون لتصنيف الأنظمة والحركات نفسها بين مع وضد، من دون النظر إلى مستوى الاستقامة والموضوعية العلمية، لا من الأنظمة ولا الحركات، فيدخل الباحث العربي في أزمة حقيقية قبل الاقتراب من الموضوع أصلاً، لأنّه يسير في حقل ألغام ابتداءً.



بالطبع، إذا تحلى الباحث أو الخبير العربي بالموضوعية والاستقلالية المطلوبة، لن يُرضي الطرفين، لأنّ الجهة الحكومية تعتبره موالياً أو متعاطفاً مع الإسلاميين، إن لم تصل إلى حد وصمه بذلك، وفي بعض الدول يكون مصيره الاعتقال والسجن. وفي المقابل، على الأغلب، يفضل الإسلاميون عدم التعامل مع الباحثين، ويحجبون المعلومات، ويتحفظون في تقديم الواقع كما هو، وفي أحيان كثيرة، بخاصة مع التيارات الجهادية والراديكالية، الحصول على مقابلات مسألة في غاية الصعوبة.



حدث معي أنني كتبت كتاباً بعنوان "أنا سلفي: بحث في الهوية الواقعية والمتخيلة لدى السلفيين"، وهو بحث علمي مبني على دراسة مجتمع السلفيين في الأردن من مقاربات سوسيولوجيا الهوية، وقد حاز الكتاب مراجعات عديدة ومهمة، واقتُبِس منه بصورة ملحوظة في دراسات أكاديمية وعلمية عربية وغربية عديدة، وتُرجم إلى الإنكليزية والألمانية والفرنسية، وظهرت ترجمات غير قانونية له بالفارسية والتركية! الطريف أنّ هذا الكتاب ما زال يستخدمه سياسيون ضد المؤلف، بوصفه اعترف عن نفسه بالسلفية! لا مجال للنقاش هنا في أن السلفية ليست تهمة بحد ذاتها، لكن الكارثة الحقيقية أن يكون هؤلاء جهلة بالمعنى الحرفي للكلمة، وغير قادرين على التمييز بين البحث العلمي والانتماء الأيديولوجي، حتى يضطر المؤلف إلى أن يشرح لكثيرين هذا الفرق، فيصبح هو نفسه محل بحث وتحقيق، لا باحثاً!



في المقابل، يحظى الباحثون الغربيون في هذا الحقل المعرفي بالدعم المالي والنفسي والاهتمام الكبير في المراكز الأكاديمية والبحثية، وتترجم كتبهم، وعندما يأتون إلى البلاد العربية يحظون بالاهتمام، وتفتح لهم خزائن المعلومات والبيانات. وعلى الأغلب يكتبون بصورة أكثر وضوحاً وصراحةً من الباحثين العرب في نقد تلك السياسات.



أهم نتائج المؤتمر، التوافق في أوساط هذه الحلقة البحثية على ضرورة الانتقال من الجهود الفردية إلى الجماعية، وإلى مراجعة نقدية مهمة لما كتب عن الحركات الإسلامية وللأسئلة والمفاهيم والمناهج المستخدمة، وأن يجري التركيز على الجوانب النظرية والمنهجية لتطوير الأدوات والمقاربات العربية، وتحقيق تقدّم معرفي نظري في هذا الحقل المهم.