عندما تكسر شاشة "الثقة"

عندما تكسر شاشة "الثقة"
الرابط المختصر

ليس لدي تلفزيون في المنزل، نعمة أم نقمة لا أدري، وأعيش حياة جميلة بدون مشاهدته، آسفا وجدتني _ومضطرا_ يوم الجمعة لمشاهدة حلقة من برنامج “فكر واربح” على شاشة التلفزيون الأردني.

 

الشاشة والبرنامج قلّما تشدك لمتابعتها، المقدم واسم البرنامج كفيلان بتحفيزك للمتابعة وتذكر الزمن الجميل، إبان كان المرحوم رافع شاهين يبدع في اسئلته وتقديمه.

 

لعب استغلال اسم رافع شاهين واسم البرنامج دورا مهما في جذب انتباهي كمشاهد، إلاّ أنّ المضمون كان كفيلا بزيادة منسوب القهر لدي، فابن المرحوم والمشاهدين ولجنة الحكم من إعلاميين أردنيين، والأسئلة وفريق الإعداد وحجم الإعلانات في البرنامج يمكن أن تكون في كفة، ووجود أكثر من مشارك من الحضور _ أربعة على الأقل _ ممن تابعتهم من عائلة الوردات في حلقة واحدة.

 

“سرحت”، معقول أن أحد أعضاء فريق الإعداد اتصل هاتفيا بشقيقه، ألو .. “جيب الشباب والبنات وأبوي وأمي ودار عمي أبو ناصر، ونسيبهم أبو خالد دمه خفيف وجيب أم علي وبناتها .. يا زم جيب كل العيلة بباص كوستر أنا بدفعلك الأجرة، تعالوا على التلفزيون في تصوير حلقة لبرنامج فكر واربح، تخزونيش مشان الله” .

 

“وأخوه ما كذّب خبر وجابهم حمولة باص كوستر”،  يتم دفع أجرته بعد تقاسم الأموال التي تمت جبايتها بعد إجابة اسئلة البرنامج.

 

في مشهد بين متسابقين، الأول  ستيني من عائلة الوردات والثانية متسابقة عشرينية من الوردات أيضا، إلاّ أن الأول لم يكلف نفسه حتى بالإمساك بالقلم ومحاولة تدوين الإجابة، وكلاهما لم يعلما اسم الشاعر “محمود درويش” في المعلومات المقدمة، ما يعني أنهما ليس لديهما أية خلفية ثقافية أو معلومات قد تفيدهما وتحصنهما أمام الأسئلة المطروحة. وأنه لم يجر اخيتار المشاركين في المسابقة على أسس واضحة.

 

وآخرين ربحا إجابة السؤال وتقاسماه مناصفة، وانسحبا كي لا يتقدما لإجابة السؤال التالي، وهما من عائلة الوردات أيضا.

 

تتفيه وتسخيف البرامج الثقافية وبرامج المسابقات يزداد ويصل حد الذروة في شهر رمضان المبارك، (في بعض القنوات التلفزيونية أو الإذاعية) وهذا يسهم في فقدان لذة التحدي والإصرار على البحث عن المعلومة والتعلّم.

 

قيم مادية تسود، تعززها هذه المسابقات والتساهل في الإجابات و”التربيح” وإن كانت الإجابات خاطئة. وقد تصل الجائزة إلى “تعفيش منزل” بأكمله، لكن المتسابقين مختلفين عمريا وفكريا ومناطقيا. وليسوا من عائلة واحدة وهذا لا يبرر الفعلة القبيحة.

 

وهنا اتسائل !! ما الذي يدفع شركات وبنوك ومولات لدفع هذه المبالغ للمتسابقين من عائلة واحدة، في حلقة واحدة ؟

 

قد يظن البعض أن الإعلان عن اسم الرعاة يكفي لترسيخ اسم الماركة والمتجر والبنك في ذهن “الزبون” المفترض.

 

إلاّ أن ذلك مضيعة للوقت إذا ما أدرك المعلن وجالب الإعلان "كالتلفزيون الأردني" أن الجمهور ليس غبيا، فأنا أدرك أن مثل هذه الحلقة بضيوفها وأسئلتها ما هي إلاّ فحش أخلاقي ومهني، ولن يتطلب الأمر من شخص عادي، بعد عد “الوردات” الرابحة في البرنامج المقلد لما لا يمكن تقليده “فقد عفا عليه الزمن” وتوفي معده ومقدمه، إلاّ أن يمسك الحاكوم، وأن يغيّر القناة وفي نفسه يقول "بتضحكو علينا" !!

 

هذا الأسلوب من جلب الإعلان وبثه وملئ ساعات الهواء بالبرامج التي تفقد الشاشة عددا كبيرا من مشاهديها، بسبب انعدام "الثقة"، يجب أن ينتهي الآن إن كان القائمون على البرنامج وغيره يحترمون عقول المشاهدين.