عمان الباحثة عن المال هل تطورت؟

الرابط المختصر

إذا كان الحديث عن التطور الذي تشهده العاصمة عمان يكمن
في البناء والتنظيم والشوارع والمطاعم الفارهة والمناطق المترفة، فالحديث عن تطور
بنيتها اجتماعيا وحضاريا لا يزال متأخرا ويجادل ماض عالق في أتون الاستهلاك.

عمان مدينة التلال، هل أصبحت العاصمة المثالية للباحثين عن
الحرية والاستقرار الاجتماعي! هي لا زالت تصارع لأجل إحداث تغيير، لكنه شكلي حسب
الواقع الراهن. هي تغيرت إلى مجتمع يجنح نحو ثقافة لا تبتعد كثيرا عن الاستهلاك.

عمان هي عمان لم تتغير، إنما أخذها التطور كما عواصم
أخرى زيتنها الأبنية المترفة، وشوارع مزدحمة بأناس يلهثون وراء الشراء، وبمطاعم تفاخر
بمأكولاتها وكذلك بالسيارات الفاخرة غير المتواجدة حتى في عواصم ولادتها.

عمان فعلا تغيرت وانساقت نحو الاستهلاك والأسواق
التجارية والبضائع الأجنبية وصرعات الموضة، ومواكبة كل ما هو عصري وكله...بلا حياة.

لم تعد عمان سوى ملجأ للمستثمرين وأصحاب الأموال، على
اعتبار أن المستثمر مرحبا به في عمان، و"خذ التسهيلات يا مستثمر ويا صاحب
المال، مرحبا بك وبإقامة هنيئة في عمان"، هو قرار حكومي غير مبالغ فيه، فهل
عمان تبحث عن أصحاب الأموال، وهل تطورت حقاً؟

"عمان أصبحت مدينة التجار"، تلك قناعة راسخة
لدى الستيني خميس بيطار، ولأنها مدينة البناء كما يقول فهي "لا هوية لها
ولا عنوان
" متشائم ذلك الستيني لكنه يقول بنفس الوقت "لو سكانها
يدركون الحياة لكانت الحياة فيها أفضل من ذلك بكثير
".

كيف ستصبح عمان عاصمة طالما أنها انقسمت على نفسها وتفاوتت
فيها الحياة وانقلبت أحوال ساكنيها بين فقير إلى أفقر وغني إلى أغنى، "فعن
أي تطور يتحدثون أو يتمايزون
".

شخصياً، يرى نائب أمين عمان عبد الرحيم البقاعي أن عمان تغيرت
للأفضل، هي كأي مدينة أخرى تطورت وتقدمت، بل وأنها سبقت غيرها من الدول، وتحديدا
منذ بداية التسعينات حتى 2006، والتغيير جوهري، قيادي، تنظيمي وخدماتي.

ويقول: "مع بداية عام 1995 حينما تم انتخاب أول
مجلس بلدي بعد غياب دام 25 عاماً، بدأنا الحديث عن تطور عمان، ومع تفاعل أعضاء
المجلس البلدي عبر تمثيلهم لمناطقهم كان ذلك تطورا، وبالتأكيد هناك إيجابيات
وسلبيات
".

سلبيات التطور جاءت نتيجة امتداد عمراني، وبرأي نائب
أمين العاصمة "مرغمين عليه" كذلك الظروف التي جعلت بعضاً من
المناطق لا تصلها الخدمات بشكل أفضل، وذلك يعتمد على الإمكانيات المالية "غير
المتوفرة
" حسب ما يبرر البقاعي.

عمان تغيرت ولم تتغير كما يراها عدنان بدران رئيس
الوزراء الأسبق، ويقول: "النسيج الاجتماعي لعمان كما هو، هو عبارة عن خليط
من محافظات المملكة، وجميع مناطق المملكة ممثلة في عمان عبر عشائرها وقبائلها
وأسرها
".

عمان كانت مدينة شركسية صغيرة، تعيش حول نبع في رأس
العين ومزارع مجاورة، ومن ثم تطورت، وبعدها بدأ الناس ينطلقون من بلاد الشام وكذلك
الضواحي المحيطة بعمان ومن ثم اتسعت، وقد حافظت على طبيعتها في منتصف المدينة.

وسط البلد لم يتغير أبدا إنما طرأ عليه التحديث، ويقول
بدران أن الزيادة السكانية طغت على كثير من الأمور فالكثافة السكانية قضت على
الحدائق وتحولت إلى ساحة للباصات ومواقف للسيارات، "عمان كانت سياراتها
قليلة جدا إلى درجة أننا كنا نحفظ أرقام السيارات الموجودة
".

طبيعة عمان كانت أجمل، كان فيها البساتين والأشجار
والحدائق، لكن التوسع العمراني والزخم السكاني قضى على بعض الطبيعة الجمالية
الخضراء وتحولت إلى ساحات، كذلك أراض كثيرة تحولت إلى استثمارات للأمانة وإلى
مشروعات عمرانية وكراجات.

منطقة واحدة في عمان حافظت على رونقها وعبقها، كما يعتقد
رئيس الوزراء بدران، هي "جبل اللويبدة أفتخر وأعتز بها، ربما لأني عشت
طفولتي بها، أو لأنها حافظت على عوائلها وأتمنى من أمانة العاصمة أن تحولها إلى
جبل الثقافة والفنون والمسارح والأندية الثقافية، وفعلا هناك نواة بدأت تتشكل في هذا
الجبل، ويجدر الإشارة إلى أن اللويبدة تخلو من الأسواق التجارية والمولات وهذه
ميزة
".

شرق عمان غير غربها

تقسيم عمان شرقية وغربية لا يرمز إلى تقسيم جغرافي أو
مكاني، بقدر ما يرمز إلى تقسيم اجتماعي، بمنظور الكاتب إبراهيم غرايبة، ويقول إن
هناك فروقا كبيرة في عمان؛ في المدارس والتعليم والمعيشة والأسواق.

ويقول نائب أمانة عمان إن العقبة مدينة نموذجية في
التطور والعمران، لكنها مدينة صغيرة إذا ما قارنها بعمان بل إنها قد تكون بحجم منطقة
في عمان، "التنظيم في العقبة لم يلحق المواطن إنما المواطن لحق التنظيم
وهنا التمايز
". والطرق الجديدة مثل شارع الحرية الذي يربط منطقة
المقابلين بمنطقة بدر وزهران بعبدون هو جزء من منظومة تطور يربط عمان بكافة
جوانبها، "والتوسع العمراني كان في جميع الاتجاهات، ولا يوجد فرق بين شرق
عمان بغربها
".

هناك تغير هائل في جبل عمان وعبدون ودير غبار، فلم تكن
مؤهلة أبداً إنما كانت مزارع قمح، وهناك تغير في مناطق الشرقية والغربية على سواء،
والتغير في المناطق الغربية أكثر تنظيماً من المناطق الشرقية، وسببه زخم السكان،
ويرجع أيضا إلى زيادة الخصوبة لدى ساكني الشرقية.

ويتابع عدنان بدران حديثه بإسهاب "لا يوجد فجوة
بين شرق وغرب عمان، ولا يمكنني أن أسميها فجوة اجتماعية، إنما أسميها فجوة في
الثراء، فجوة في الدخل، ولكن ليست كما نشاهدها في دول وعواصم نامية، بمعنى نحن ليس
لدينا الزينكو مثل التي شاهدتها في ريوديجينيرو فهناك فرق هائل بين المناطق الغنية
والفقيرة وهي فوارق كبيرة لا تجدها في عمان، هي فوارق شاهقة
".

والفروق عند بدران تبدأ في المدارس، "في الغربية
أفضل نوعية عنها في الشرقية، أما في الحكومية فهي ذاتها، وأيضا يجوز لنا القول أن
أهالي عمان الغربية يدفعون الضرائب أكثر من سكان شرق عمان، بسبب طبيعة أحوالهم
الاجتماعية، أما بالنسبة للخدمات فباعتقادي أنها كلها من ناحية النظافة وتوفير
البنية التحتية كالمياه والكهرباء وغيرها وتوفير الرعاية التربوية ليس فيها فروق،
لكن الحياة في شرق عمان أرخص، ويمكن القول أنه لا توجد فجوة كالتي نشاهدها في كثير
من عواصم المدن الكبرى
".

شرق وغرب عمان، عالمين متباعدين ومختلفين جداً، حسب ما
يتحدث الكاتب غرايبة، "هناك فجوة اجتماعية كبيرة جداً في حياة الناس وفي
علاقاتهم، وهذا ما يشكل أزمة كبيرة لديهم وفي انتماءاتهم ومشاركاتهم العامة
والسياسية، وربما يكون هذا من أسباب ضعف مشاركة الناس في الحياة السياسية
والديمقراطية، لأنه لا يمكن للفقراء أن يشاركوا في الديمقراطية ويستفيدوا منها،
حتى في أمريكا وأوروبا الفقراء مهمشون في الديمقراطية، ولا يملكون القوة والمشاركة
في التعبير عن أفكارهم وآرائهم
".

التقدم السياسي والديمقراطي يعتمد بضرورة على تنمية
بشرية أساساً وبدونها لن تتحقق، وهو من أسس أي دولة، وعمان فعلا انقسمت بين شرقية
وغربية في مستوى المعيشة والدخل والأبنية والبنية التحتية.

ويقول غرايبة: "في عمان هناك أحياء فقيرة جداً
وأحياء مفرطة في الثراء سواء بمستوى الخدمات والتنظيم والأحياء والمدارس والأسواق
التجارية والمستشفيات وفي كل الأمور هناك تباعد هناك عالمين متباعدين حقا
".

في عمان عالمين: عالم بالغ الفقر والعوز، وعالم مترف
جداً، لا ينتمي إلى المسافة التي يبعد عنها أمتار قليلة، والفرق في الخدمات، ففي
المستشفيات ومستشفى البشير مثلا فهي تخدم معظم سكان المنطقة وهناك مستشفيات في
عمان لا تخدم أكثر من 5% من السكان، وتتفوق على البشير في عدد الأسرة وخدماتها،
إذا نظرنا إلى المدارس لا يستطيع أكثر من 90% من سكان الأردن أن يسددوا أقساطها،
بالمقابل هناك مدارس فيها آلاف الطلبة يدرسون في ظروف بالغة السوء؛ في عدد الطلبة والتهوية
والإضاءة، والمطلوب منهم أن يتعلموا الحاسوب واقتصاد المعرفة وأن يساهموا في تنمية
مجتمعهم.

شيء لا نستطيع أن نتصوره!

ذلك ما لا يتصوره الكاتب غرايبة، والذي فضل الخروج
بمقترحات وحلول واقعية، لعل أبرزها ضرورة إعادة أمانة عمان إنفاقها، "واردات
الأمانة تصل إلى 150 مليون دينار، يجب أن يعاد توزيعها من جديد، وإعادة توزيع هذه الإرادات
وتوزيع 25% من الإرادات على المجتمعات والحدائق والمدارس ومراكز التعليم والتعليم
المستمر، وهنا سيساهم في رفع من مستوى معيشة أكثر من 50 – 60% من السكان
".

وبحسب تقرير التنمية البشرية فإن أكثر من 80% من معدل
الإنفاق العام المأخوذ من الضرائب العامة التي يدفعها المواطنون، فإن أكثر من 80%
موجهة إلى 10% من السكان، و20% من هذه الضرائب التي يتشارك فيها جميع المواطنين في
دفعها، تصل إلى 80% من المواطنين.

"المطلوب إعادة الإنفاق العام وتوجيهه نحو التعليم
والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، لو زادت حصتهم إلى 25% وهم يستحقون أكثر من
ذلك، سيرتفع مستوى التنمية البشرية ومستوى معيشة الناس سوف ينال أكثر من 60% من
السكان، وهذا كلام تقرير التنمية البشرية وما نحتاجه هو العدالة الاجتماعية؛
العدالة في توزيع الإنفاق العام، لا نريد موارد إضافية، هناك مسألة في توزيع
الأموال المخصصة التي تنفق على الفقراء ولمكافحة الفقر والمساعدة تصل إلى حوالي
700 مليون دولار، ولا تحتاج مكافحة الفقر أكثر من 100 مليون دولار، هناك سوء
إدارة، فهي لا تذهب إلى أوجهها الصحيحة، والأولويات الملحة للتنمية البشرية لا
تنال ما تستحقه، وهذه مسألة ملحة يجب التوقف عندها
".

مصائب قوم عند قوم فوائد

هل يطبق المثل على عمان حقاً، يقول بدران، "لا
أعتقد أن الدول التي فيها حروب تستفيد الدول المجاورة لها من ناحية امتلأ الفنادق
والاستهلاك، فعمان وحدة واحدة ونسيج متماسك، نحن نتمنى أن تنمو الطبقة الوسطى ليس
في عمان فقط إنما في مناطق المملكة تدريجيا بحيث تكون هي الأغلبية الساحقة، بحيث
لا يكون هناك فقرا أو غناءً فاحشاً، بحيث تكون الكفة للطبقة الوسطى وهنا يكون شرق
عمان وغربها متساويان
".

فيما يقول البقاعي: "عمان مدينة تتمتع
بالاستقرار السياسي والأمني وبقيادتها الحكيمة وهو الذي ساهم بجلب الاستثمارات إلى
عمان
".

هذه مسألة إعلامية، كما يراها إبراهيم غرايبة ويقول:
" القضية ليست مرتبطة بالأحداث في العراق ولبنان وفلسطين، عمان تعتمد على
النفط، فحينما ارتفعت أسعار النفط في عمان تمددت واستفادت كثيراً، والآن الارتفاع
الذي صار بأسعار النفط منذ سنتين انعكس على عمان، لأن 25% من الأردنيين مغتربين،
ومعظمهم مقيم في عمان، والخليجيين أنفسهم يحولون أموالاً إلى عمان لشراء العقارات
ومجمعات تجارية وبورصة، فالطفرة التي حصلت في عمان كانت بسبب ارتفاع أسعار النفط،
لكن صاحبها الحرب على لبنان، فهذه مسألة مصادفة فقط، صحيح أنها تساهم في رفع أسعار
العقارات، وتنعكس إيجابيا على عمان، والدليل على ذلك أن في التسعينات صارت مصيبة
كبيرة في الكويت، ولم تنعكس على عمان إيجابياً، بالعكس كان هناك حالة من التراجع
الاقتصادي واقترب الاقتصاد حد الشلل، ولم نستفد أبدأ، لأن العمالة الأردنية لم يعد
مرحبا بها
".

أضف تعليقك