على أرصفة القدس أجساد هرمت وتاريخ يُحكى

 على أرصفة القدس أجساد هرمت وتاريخ يُحكى
الرابط المختصر

وأنت تتجول في القدس، تلحظ وجوهًا متجعدة أعطاها الزمان نصيبًا من مرارة العيش، بساطة أصحابها تركت لهم المكان نفسه منذ أعوام طويلة للجلوس فيه، وكأنهم أصبحوا معلمًا من معالمها.

الحاج مصباح شبانة (82 عاما)، يبيع الصحف على بسطة قديمة، اهترأ ما يعتليها من كتب ومجلات، تراه جالسا يحتسي كوبًا من الشاي الساخن يوميًا، أو مُمَدِدًا جسده الهزيل آخذا قسطًا من الراحة.

يروى الحاج شبانة قصته، فيقول: "أنا هنا منذ (61 عاما)، جاء الإنجليز ومن ثم الحكم الأردني، وبعده الاحتلال الإسرائيلي، وأنا في ذات المكان، بجانب مدرسة الرشيدية، طوال تلك الأعوام أبيع الجرائد على هذه البسطة، وهي مصدر رزقي الوحيد والحمد لله".

وحاول الاحتلال الإسرائيلي إغلاق بسطة شبانة المتواضعة، وأصدر المخالفات بحقه، "لدي تقريبا 20 مخالفة من شرطة الاحتلال، وموعد المحكمة يتأجل، ولدي كتابان من مساعد رئيس البلدية بأنني موجود منذ الحكم الأردني، وجميع المفتشين يعلمون بأمري ولا يصدرون أي مخالفة بحقي، ولكن عندما يأتي مفتش جديد يخالفني، وملفي موجود لدى محكمة الاحتلال، حاولوا أن يغلقوا بسطتي عدة مرات، حتى أن يهوديا أشار لي بيده قائلا: "استنى شوي بكرة هاي اليهود باخدوها" ".

ويتحدث الحاج مصباح عن حياته وأولاده، وحديثه يلمع بالفخر، "لدي أربعة أبناء و10 بنات، (محامٍ، وآخر درس الكمبيوتر، وبنت مديرة لمدرسة المأمونية إحدى أعرق مدارس المدينة)، ولدي 125 حفيدا، وكل أولادي متعلمون وجامعيون وحاصلون على درجات الدكتوراة". وأضاف ممتنًا، " أولادي كلهم تربوا وتعلموا من وراء هذه البسطة والحمد لله".

الحاج أحمد طقش، نموذج آخر يحكي قصة صموده أمام محاولات الاحتلال العديدة إغلاق بسطته لبيع الحلويات الشعبية، منذ (30 عاما) في نفس الزاوية، حتى صار كأنه تحفة داخل منطقة باب العمود ، يفرد بضاعته الشهية التي يصنعها بعناية مع أبنائه صباح كل يوم.

يقول الحاج طقش: " طوال (30 عاما) تراكمت علي مخالفات تقدر بـ 130 ألف شيكل، وصادر الاحتلال بضاعتي عدة مرات، ولم يعيدوها إلا عند دفعي للغرامة، فثلاث عائلات تقتات من بسطتي، وعلى الرغم من امتلاكي بيت في منطقة العيزرية إلا أنني اضطررت لاستئجار شقة في القدس، ودفعت ما يقارب النصف مليون شيكل أجرة خلال العشر سنوات الماضية".

أما الحاج عميرة دعنا، فعاد بنا إلى عام 1936، ليروي قصته، "عشت طفولة بائسة في بداية حياتي، فعندما سن السابعة، اعتقل الانتداب البريطاني والدي وأخوتي الكبار، ولم يبق لنا أي معيل، ووالدتي لم تكن تتقن أي نوع من أنواع الحرف، ما اضطرني وأخي للذهاب إلى الشوارع والبحث عن عمل، حتى أنني كنت أطلب من أي سيدة حمل حقيبتها مقابل المال".

ويتابع دعنا، "إلى أن وجدنا رجل في شارع مأمن الله في القدس، يوزع الصحف على الأطفال، فطلبنا مساعدته، فيعطي الواحد منا خمس جرائد فنربح خمس مليمات، نشتري بها الخبز والبيض".

ويروي الحاج عميرة عن حياته البسيطة التي خاضها في التعليم، "كنت أقف أمام المدرسة لأنظر إلى طلاب المدارس، وأنا أبيع الجرائد فقط، كنت مشتاقا للعلم جدا، وأريد الوصول إليه بأي طريقة، فأحمل الكتب وأذهب إلى المقاهي، وأسأل روادها عن الحروف والكلمات، فبدأت أتعلم القراءة، وأصبح لدي شغف كبير بالعلم، وأصبحت أطالع الكتب والصحف بنهم شديد، فأتقنت القراءة والكتابة، وراسلت مجلات لتنشر كتاباتي، وأرسلت لهم المقابلات مع فنانيين لبنانيين ومصريين يأتون إلى هنا".

ويتابع:" قضيت فترة اعتقالي فترة الحكم الأردني في قراءة الكتب والتعليم، وعدت إلى القدس وتزوجت، وأنجبت أربعة أولاد كلهم أطباء حاليا، واجهنا صعوبات كثيرة تغلبت عليها أنا وزوجتي التي توفيت قبل سنوات، و ربيت أبنائي على إنسانية مهنتهم، وهذا ما ربوا عليه أولادهم أيضا".

ويلخص عميرة قول، "أنا الآن بائع على بسطة في شارع باب العمود، عمري (83 عاما)، و أتقن العديد اللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية والحبشية والبولونية، من خلال ممارسة مهنتي، فالإنسان وإن كان عمله بسيطا، يستطيع تحقيق ما يريد إذا أحبه وأخلص له".

المصدر شبكة هنا القدس للإعلام المجتمعي