عشرون ثانية "تلطخ" ملامح بريئة بالألوان القبيحة!
"وما حاجتي لأعيد مشاهدة الحدث مرة أخرى، طالما شاهدته بأم عيني واقعًا لا خيال. لم أتمالك نفسي وأنا أراهم يتناوبون على رسم المشهد الأكثر بشاعةً أمامي. كانت جبهته ملتصقة بالأرض واللكمات تسدد نحو وجهه فيما دمه يتسارع في التمدد".
"قرابة (15) جنديًا من القوات الاسرائيلية الخاصة انهالت عليه ضربًا بلا توقف، دققت النظر جيدًا، فإذا به ابني حسن، فقدت كل شيء سوى قدرتي على أن أغيب عن الوعي تماماً ".
وعلى الجهة المقابلة كان الصحفي المقدسي أمجد عرفة يوثق المشهد المتحرك بكاميرته المخصصة للتصوير الفوتوغرافي، لم تساعده "بشاعة " الموقف في أن يتمالك أنامله حين بدأ التصوير. وسرعان ما كان المشهد بثوانيه العشرين منتشرًا على وكالات الأنباء المحلية والعالمية وموقع "اليويتوب" ليشاهده عشرات الألاف الذين قاموا بمشاركته عبر صفحاتهم الاجتماعية في "فيسبوك" و"تويتر".
حسن العفيفي (16) عامًا، من بلدة القدس القديمة، يدرس ميكانيكا السيارات في المعهد اللوثري ببيت حنينا، ويسكن بناية مُطلة على الحرم القدسي جهة باب الحديد. وكعادة العائلة الكبيرة التي تجتمع يوم الجمعة في " بسطة" البيت، نزل حسن إلى الأسفل، ولم يكن يعلم أن جنود القوات الخاصة بانتظاره.
الفتى العفيفي بعد الاعتداء عليه
وفي حديثها لـ "هُنا القدس" تروي والدته أم حسن، "صعدت إلى سطح المنزل لمشاهدة ما يحدث داخل باحات الأقصى من إطلاق للرصاص المطاطي وقنابل الغاز تجاه المصلين، وفجأة رأيت عددًا من الجنود يتجهون نحو باب بيتنا ويضربون حسن وهو مبطوح على الأرض والدماء تنزف من وجهه، جريت بسرعة كبيرة لإنقاذه من بين أيديهم لكنهم رشو غاز الفلفل في وجوهنا واعتدوا على زوجي الذي تم نقله فيما بعد إلى مشفى"هداسا"، ومن ثم أغلقوا باب البيت".
المشهد في الداخل بدا ضبابيًا وبحاجة لاكتمال الصورة المتوارية خلف بوابة البيت حيث لا زال صُراخ حسن يرتفع. يقول المصوّر الصحفي أمجد عرفة (32)عامًا، :كان التواجد كثيفًا للقوات الخاصة قرب باب المجلس في الجهة الشمالية الغربية للمسجد، وعند اقترابي شاهدت حسن ملقىٍ على الأرض ويحيط به عددٌ من الجنود، وكنت وقتها أحمل كاميرتي الفوتوغرافية، فالاحتلال لا يسمح غالبًا للصحفيين بإدخال كاميرات الفيديو.
المصور الصحفي أمجد عرفة
وتابع، " حاول الجنود منعي من الإقتراب، وأدركت أن هناك جريمة بشعة ترتكب ومن واجبي إيصالها للعالم، كان الجنود يضربون رأس الفتى بالأرض، فيما جاء أحدهم وركله من الخلف ووضع قدمه على رقبته، وحتى هذه اللحظة لم استطع ضبط إعدادات الكاميرا إلى وضع الفيديو، إضافة إلى أن الجنود يحاولون منعي من التصوير، ففاتني التقاط هذين المشهدين، مضيفًا: قررت المغامرة وعدم التراجع، وصممت على نقل المشهد القاسي، ولو فشلت في ذلك لرافقني عذاب الضمير طوال الحياة.
وتعود والدة حسن لتروي بقايا التفاصيل" بعد أن ذهب الجنود ومعهم حسن علمنا أنه يتلقى العلاج في مشفى "هداسا" وهُنا لم أستطع الوقوف على قدمي مرة أخرى، وخشيت أن يكون حسن تعرض لارتجاج في الدماغ، وذهبت في غيبوبة للمرة الثالثة".
بعد ذلك علمنا أنه تم نقله لمركز تحقيق المسكوبية حيث زعمت سلطات الاحتلال أنه حاول طعن أحد الجنود بسكين، وهذا الأمر لم تستطع المحكمة اثباته من خلال فحص البصمات، وتم الإفراج عنه مساء الثلاثاء مع الإبقاء على حبسه المنزلي لمدة (14) يومًا وعدم السماح له بالخروج من المنزل باستثناء ذهابه إلى المعهد الذي يدرس فيه برفقة والده، إضافة لفرض غرامة مالية قدرها خمسة ألاف شيكل، تابعت والدة حسن.
القدس تحوي الكثير من هذه المشاهد مع اختلاف الأسماء والأمكنة، لكن الفاعل نفسه في كل مرة، فهل ستستمر هذه المشاهد التي قد لا تجد من يوثقها في أحيان كثيرة .
للاطلاع على تقارير: شبكة هنا القدس للإعلام المجتمعي