عجلون "مقام الولي سيدي بدر".. مسرح مهيب للتصوف الأردني
يسكن حسين في منزل عائلته الذي يقع في مركز مدينة عجلون واليوم هو يومه الأول في العمل في أحد المحال التجارية، يدخل المنزل ويلقى السلام على أفراد عائلته المكونة من خمسة أشخاص ويجلس بجوار جدته المقيمة بشكل مؤقت في منزل إبنها الوحيد أبو حسين.
ثم يبدأ حسين بالحديث عن مجريات يومه ويستذكر ما جرى بينه وبين زميله من حديث عن مقام الولي سيدي بدر، ويسأل والده عن هذا المقام فيجيبه بأنه مكان عبادة لأحد العلماء الصوفيين وأن المكان مغلق في الوقت الحالي، ثم تقول جدته أنها ذهبت للمقام وتدعوا الله أن يحفظ وحيدها الصغير، وعلى يقين بأن الطلب والدعاء مستجاب في مثل هذه المقامات المقدسة، أثار هذا الحديث فضول حسين فبدأ يبحث في محركات البحث عن معلومات فلم يجد إلا القليل عن هذا المقام.
مقام الولي سيدي بدر هو مقام أثري يقع في مركز مدينة عجلون ويبعد حوالي 150 متر عن مسجد عجلون الكبير، ويتوافق تاريخ بناؤه مع بناء قلعة عجلون، و يمكننا القول أنه بني في الحقبة الأيوبيّة أو المملوكيّة، وسمي بهذا الإسم نسبة للعالم الصوفي الولي سيدي بدر، وهو عبارة عن زاوية دينيّة استُعملت للتدريس والعبادة في تلك الحقبة واستمرت حتى الحقبة العثمانيّة، حيث يتألف البناء من قبر يعتقد أنه لسيدي بدر ولكن تؤكد المصادر بأنه دفن في دمشق، وثلاث حجرات إحدى هذه الحجرات متوسطة الحجم ولا تستطيع دخولها إلا بعد الإنحناء مما يدل على أنها للاعتكاف، وساحة أمامية تحتوي على محراب خارجي، واجهات البناء من الحجر العادي غير المنتظم والجدران من الحجر والطين.
من هو الولي سيدي بدر
هو العالم الصوفي الشاذلي الشيخ بدر الدين يوسف محمد بدر الدين الحسني ولد في دمشق عام ١٨٥٠م بجوار دار الحديث الأشرفية عاش ٨٥ عام وهو يقوم بواجبه العلمي والاجتماعي والدعوي، والده العالم الشيخ يوسف، ووالدته السيدة عائشة الكزبري، وهو من ذرية الإمام الجزولي من مدينة مراكش في المغرب، و أصبح دمشقي بعد انتقاله مع والده من المغرب إلى مصر ثم الشام، حفظ القرآن الكريم في السابعة من عمره، توفي والده وهو في الثانية عشر من عمره، انتقلت له أمه شيخ ورع وفقيهاً صوفيا وهو الشيخ أبو الخير الخطيب ورباه وأحسن في تربيته.
حفظ متون العلم والكتب السته وأساندها ثم الموطأ للإمام مالك بن أنس، ولما بلغ العشرون من عمره أصبح آية من آيات الله وحين جلس للتدريس مر بعض العلماء من شيوخه فسمعه وألمَّ به بعض القلق على مستقبله فقال عبارة اشتهرت عنه "تزبزب قبل أن يتحصرم" أي صار زبيباً قبل مرحلة الحصرم، أثرت هذه الكلمة بالشيخ فاعتزل في غرفة والده ولم يخرج منها عشر أعوام يطالع ويحفظ ويألف الكتب.
حين خرج من عزلته كان قد تجاوز الثلاثون من عمره فبدأ التدريس بالمساجد، في جامع السادات وجامع السنانية ثم دخل الجامع الأموي إمام كبيراً في عام ١٨٧٨م، وفي العام ذاته تزوج من السيده رقيه بنت أحد مشايخه محي الدين العالي ورزق بست بنات وثمانية بنين، قام الشيخ محمد سهيل الخطيب عام ١٩٢٦م بتدوين دروسه في الجامع الأموي بست مجلدات، حيث شهد إقبال كبير من علماء الشام وأهلها، وتوفي رحمه الله عام ١٩٣٥ في دمشق و دفن في تربة باب الصغير.
ارتحل الشيخ بدر الدين إلى العديد من البلدان في الوطن العربي حيث رحل إلى بلاد الحجاز في المدينة المنورة ومكة وأخذ عنه بعض علمائها، وقدم الى القاهرة واجتمع بالعلماء والأدباء وأخذ عنه بعض علمائها، ورحل إلى شمال الأردن في مكان قريب من مسجد عجلون الكبير وسمي المكان باسمه وبقي فترة طويلة مكان يتعبد فيه المتصوفة ويذهب إليه سكان المنطقة يدعون ويطلبون من الله متيقنين من الاستجابة و التلبية ، ورحل أيضا الى القدس الشريف وأخذ عنه علماؤها، وله كثير من الرحلات الى البلدان العربية.
يقول أحد سكان محافظة عجلون بأنه قبل أن يصبح مقام كان بمثابة مُستوصف "مارستان" عمل فيه الطبيب ابن القُف الكركي، ويذكر بأنه عيّن طبيباً في قلعة عجلون بعد أن كان هجوم التتار هو قضية المنطقة حينها فتمركز هناك و كتب كتاباً أسماه "الشافي في الطب"، وفي رواية أخرى كان يستعمل للحالات المعدية وفي أيام الشتاء الغزير يُدفن فيه الموتى لأنه محمي من الشتاء.
في عام ١٩٨٠ قامت وزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية وبالتعاون مع دائرة الآثار العامة بالتنقيب عنه وإبراز معالمه، أما في عام ١٩٨٢ جرت أول صيانة للمبنى، وفي عام ١٩٨٤ تم إضافة صور للمبنى وذلك للحفاظ عليها ومنع تجمع النفايات في ساحته، وفي عام ٢٠١٥ كانت آخر مره يتم صيانته، وهو في الوقت الحالي مغلق وطي النسيان لا يعرف عنه سكان المنطقة إلا القليل.