عبدون: الجاذبية والسفارة
لاشيء يفسر جاذبية حي عبدون، البعض يرى أن مرد ذلك للسفارة التي غدت رمزا للكراهية لأميركا، وتحاط بحراسة تجعل منها نشازا. ولضمان الكراهية ارتفعت حواجز الإسمنت لتعزل نصف الشارع الموازي لواجهتها، وثمة سفارات أخرى ليست بمثلها أهمية أضحت الشوارع المؤدية لها غير نافذة، وكل ذلك من الشروط التي تخلق التوتر والكراهية معا جراء التضييق على حرية الناس.
في عبدون يصعب تفسير نمو المكان حضريا، وحتى إشغال الفراغات في العمارة، لكن مدخلات المنطقة، لا تشابه غيرها، لا إسكان وظيفي فيها كغيرها، ولا نواة لحي قديم، ولا مستشفى ولا حتى حراج سيارات. فقط الطبوغرافيا تشير إلى واد وخربة قديمة كانت قديما تمثل حدا بين بداوة رعوية وبين مدينة الماء.
عبدون قليل من القرويين وأبناء الأطراف ممن غدو أكثر يسرا ربما بحكم مواقعهم الوظيفية التي عملوا أو بفعل ما بها باعوا من أراض وهؤلاء ملح الحي، لكن الأكثر منهم حضورا المقاولون ومحدثو النعمة، وهؤلاء وجدوا المكان يوفر لهم خصوصية الطبقة ويحول دون الاندماج الاجتماعي الذي يرى فيه البعض تهديدا أو إزعاجا لأجوائهم.
بالمقارنة فإن السفارات التي وجدت في جبل عمان قديما والممتدة بين الدوار الثالث والرابع والتي لا تحرس ولم تحاط بمظاهر حماية وكانت جزءh من نسيج المدينة الحضري سابقاً، لكنها للأسف اليوم لحقت بالسفارة الأميركية، التي نجحت بحكم أهميتها في خلق جاذبية لها جعلت الكل يرى نفسه جارا لها أو يطمح لذلك فيضع السفارة جزءا من عنوانه، في حين السفارة لا ترى نفسها جارا لأحد، وأجمل المقارنات تكون بين سفارة سوريm على الشارع العام وسفارة أميركا.
عبدون أيضا حالة اجتماعية، تسرف بمظاهر التحديث، تغرق في الاستجابة لعولمة السوق المفتوح، وقصورها مطفأة ليلا تجعل البعض يروى أن غالب أهلها خارج الوطن، وفي هذا تعميم.
جاذبية عبدون حولتها "لموضة"، مع انها لم تحو شيئا من أثاث المدن التقليدي فلا نهر أو مقهى سياسيا أو حتى اسما لدوراها أو ساحة عامة، إلا أنها غدت مولا فائضا، نهرا من الانترنت، ومقاهي غربية الطراز لا صلة لها بما كان عليه مفهوم المقهى سابقا.
لكي يحققوا لعبدون صلة وصفة أجمل ولتجاوز طريق الوادي أشادوا جسرا معلقا، وحفروا نفقا، لكن النفق جاء لها "باشقياء" عمان الشرقية الذين يرتبون انفسهم مساء كل خميس على دوراها يرقبون الصبايا، وهو ما يثير مخاوف العبدونيين.
الاحياء الجديدة في الخمسينات من عمر المدن العربية مثل المالكي في دمشق أو الدقي في القاهرة، يقابلها في عمان اللويبدة، وهي أحياء تعكس في عمارتها نمطاً ما يزال ماثلاً وتحكي قصة تحضر المدينة العربية ونمو النخبة وتحولات السياسة والاجتماع، في حين يرى العامة أن قاطني عبدون إما من محدثي نعمة أو "هوامير سوق" أو مقاولي بورصة، وفي ذلك تعميم وحكم جائر أيضا، ففي عبدون من الأردنيين الطيبين وهم كثر، لكن الحي في شكله وتخطيطه يبدو بعيدا كل البعد عن الوطن وهمومه، لذا يبقى على أمانة عمان دور كبير في التفكير بحل، مثل أن تحدث ساحة باسم زعيم وطني أو زاهد عربي أو ساحة حرية مشفوعة بالـ wireless للرد على هيمنة سفارة الدولة الأكبر.











































