عاملون برعاية ذوي الإعاقة يشتكون ظروف العمل "السيئة"
يشكو عاملون في مراكز رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة من ظروف عملهم التي وصفوها بـ"السيئة"، وبأنهم لا يحصلون على حقوقهم العمّالية والوظيفية كاملة، إذ يحصّلون رواتب متدنية، ولا يحصلون على إجازات سنوية، وفي حال أخذها تُقتطع من الراتب.
كما يخلو عملهم من الأمان الوظيفي؛ ففي أي لحظة قد يفقدون العمل، ويتعرضون لضغوط نفسية وجسدية ومعنوية، وبعضهم ليس لديه حمايات اجتماعية مثل الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.
ما يعني أن العاملين في رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة يفتقر عملهم إلى معايير العمل اللائق، التي تدعو منظمة العمل الدولي إلى تطبيقها بشكل مستمر، ويطالب مركز الفينيق للدراسات وبرنامجه المرصد العمّالي الأردني بتطبيق هذه المعايير.
وتتمثل المعايير بساعات عمل لائقة وأجور كافية والمساواة في الفرص وعدم التمييز، وبيئة عمل آمنة وظروف عمل مستقرة وآمنة، وتوفير الحمايات الاجتماعية وإجراء حوار اجتماعي للتمثيل العمّالي.
لم يحصل على رواتب ثلاثة أشهر
يعمل (خ. و) معالجا سلوكيا في أحد مراكز التربية الخاصة بعمّان، وهو من سكان عجلون، وهو مسؤول عن الحالات التي تعاني من مرض التوحد، ويقول لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن التعامل مع الحالات يحتاج إلى "جهد وتعديل السلوك وتنمية التفاعل الاجتماعي، وهو ليس بالأمر السهل".
وهو يعمل ما يُقارب الثماني ساعات يومياً، ولا يحصل على أي نوع من الإجازات، وفي حال اضطر للإجازة، تُخصم من الراتب الذي يحصّله، والمتفق عليه في العقد، البالغ 320 دينارا.
ويوضح (خ. و)، خلال حديثه لـ"المرصد العمالي الأردني"، أنه لم يحصل على رواتب الثلاثة أشهر الماضية، وله في ذمة المركز 960 دينارا، "لدي التزامات؛ فأنا أدفع 50 دينارا إيجار المسكن وأقساطا شهرية أخرى، أشعر أن راتبي لا فائدة منه".
ويبين بأنه مجبر على العمل، لعدم توافر بديل آخر يستطيع من خلاله أن يوفر له دخلا، "لا يوجد نقابة أو أي جهة تهتم بما نتعرض إليه وتطالب بحقوقنا".
ويطالب (خ. و) بنقابة للعاملين في مراكز التربية الخاصة، "العمل الذي نقوم به ضروري ومهم، لأنه لولا معلم التربية الخاصة من سيعتني بذوي الإعاقة، وكلمة معلم تربية خاصة تعني لي الكثير، وعلى الحكومة الاهتمام بهذا المجال".
تعمل من أجل الخبرة
تعمل (م. م) منذ سنوات معلمة تربية خاصة في غرفة مصادر التعلم بإحدى المدارس الخاصة بعمّان، وتتنقل يوميا من منزلها في منطقة صويلح إلى مكان عملها في منطقة شفا بدران. تقول لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن ما يجبرها الاستمرار في العمل حاجتها إلى الخبرة وتطوير مهاراتها.
وهي توضح أن الراتب الذي تحصل عليه لا يجاوز 260 دينار شهريا (وهو الحد الأدنى للأجور)، وهو لا يكفي، إذ لديها التزامات من أجرة مسكن وتسديد أقساط بنكية، إلى جانب كلف التنقل المرتفعة التي تصل إلى 100 دينار في الشهر، كما أنهم "في بعض الأشهر يتأخرون بصرف الراتب من سبعة إلى عشر أيام".
وتشكو (م. م) من أنها تتعرض للاستغلال من قبل إدارة المدرسة، إذ تكلَّف بمهام أخرى غير عملها، "عندما أكمل عملي مع الطلاب ذوي الإعاقة الساعة الثانية عشر والنصف ظهرا، أعمل مناوبة حتى الثانية والنصف، بحجة أنني لا أواجه صعوبة مع الطلاب ذوي الإعاقة، مقارنة مع المعلمات الأخريات".
وتشير إلى أنها تواجه صعوبة في وضع الخطط الفردية الخاصة لكل حالة هي مسؤولة عنها، "كل حالة لها خصوصيتها وخطة خاصة للتعامل معها، أحيانا أبقى أسابيع وشهوراً كي أستطيع أن أخرج بخطة مناسبة، ويعتمد ذلك على القدرات العقلية لكل حالة".
وتبيّن (م. م) أن غرفة المصادر لا تحتوي على الأدوات اللازمة كي تكون العملية التعليمية جيّدة، "بعض الأدوات التعليمية اشتريها على حسابي الخاص حتى أطمئن أن الحالات أخذت حقها".
لا حقوق عمّالية ولا أمان وظيفي
أما (م. أ) فيعمل أخصائي تربية خاصة في أحد مراكز التربية الخاصة في إربد، ويقوم من خلال عمله بمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة، الوصول إلى أقصى درجات الاستقلالية والاعتماد على الذات وتعديل السلوكيات غير المرغوبة لدى المجتمع المحيط.
يقول لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إن عمله يخلو من الأمان الوظيفي؛ "العقد المبرم يكون لثلاثة شهور فقط، حتى لا أحظى بالإجازات السنوية أو المرضية، ولكي يتسنى للإدارة اتخاذ قرار فصلي من العمل بأي لحظة".
ويوضح أنه يعمل لمدة ثماني ساعات في اليوم، ويحصل على أجر مقداره 260 دينارا شهريا (أي الحد الأدنى للأجور)، ولديه اشتراك في الضمان الاجتماعي، ولكنه غير مؤمّن صحيا، "في حال عملت لساعات إضافية، أحصل على مقابل، غير أنني أتعالج في المستشفيات الخاصة وعلى حسابي الخاص".
ويعاني (م. أ) من ضغوط في العمل، إلا أنه يحاول جاهداً أن لا تؤثر على عمله وما يقدمه للحالات، "عملنا رائع ويحتاج أشخاصا لديهم شغف وحب للحياة والتعامل مع جميع فئات ذوي الإعاقة، وأصنع مع الطلاب جسور ثقة ومحبة، واكتسبت منهم الهدوء في قمة الغضب والصبر لأبعد الحدود".
تركت العمل بعد خمس سنوات
قبل أن تقرر ريم خطاطبة ترك العمل، عملت بمراكز في محافظة إربد، وواجهت معاناة خلال الخمس سنوات التي عملت خلالها، فكانت تقدم الرعاية لأشخاص مصابين بالتوحد، ومعاناتها لم تكن مع الأشخاص ذوي الإعاقة، بقدر ما كانت مع مديرة المركز.
تقول لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنها تخرجت من الجامعة عام 2015 "وكان لدي حماس للعمل، وعندما خضت في العمل تعرضت لنكسة ومعنوياتي أصبحت تنخفض شيئا فشيئا، تعرضت لحالة نفسية صعبة، كنت أعود إلى المنزل لأرتاح قليلاً، وأقوم بأعمال المنزل والأطفال، حينها أصبحت غير قادرة على التعامل مع الناس".
وتشير إلى أن مديرة المركز كانت تمنعها من الخروج من الغرفة، إلا بعد انتهاء أوقات الدوام، "أحيانا يمرض ابني ولا أستطيع أن أطمئن عليه لأنه لا يُسمح لي باستخدام الهاتف، ما يزيد من الضغط النفسي عليّ".
وكانت الخطاطبة تحصل على أجر لا يجاوز 120 دينارا شهريا، رغم أن العقد المبرم مع المركز ينص على أن الأجر يعادل الحد الأدنى للأجور، وهو 260 دينارا، "هذه ليس معاناتي وحدي وإنما معاناة غالبية العاملين في رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، واليوم الذي لا أعمل فيه يُخصم من الراتب الذي هو في الأصل لا يكفي".
وتبين بأنها تعرضت لإصابات من قبل بعض الحالات التي كانت مسؤولة عنها، "عضتني طفلة مصابة بالتوحد في يدي، وبقيت خمسة أيام لا أستطيع تحريكها، وكانت ردة فعل مديرة المركز القهقهة".
وتوضح أن الزيارات التفتيشية من قبل الوزارة يكون المركز على علم بها، ما يعني أن المركز في ذلك اليوم يرتب أموره وفق ما هو مطلوب، والزيارات تصبح شكلية ولا تفي بغرضها التفتيشي.
تعدد المرجعيات
يتبع بعض مراكز التربية الخاصة إلى وزارة التنمية الاجتماعية، وبعضها الآخر لوزارة التربية والتعليم، كما وللمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة دور مشترك مع الوزارتين.
يقول الناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية أشرف خريس إن دور الوزارة تجاه العاملين بالمراكز هو تدريبهم من خلال عقد دورات مع المنظمات المتخصصة، وتأهيلهم للعمل مع الأشخاص المحتاجين للحماية والرعاية والتدريب والتأهيل، في المراكز المنتشرة في الأردن.
من جانبه يقول الناطق باسم وزارة التربية والتعليم أحمد مساعفة إن دور الوزارة هو الإشراف الفني على المراكز من خلال مديريات التربية والتعليم، ومتابعة إجراءات التراخيص وتجديدها، ومتابعة أي ملاحظات متعلقة بالطاقة الاستيعابية أو أي تجاوزات أخرى.
في حين تقول مساعدة الأمين العام للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة غدير الحارس إن دور المجلس هو تحديد الاختصاصات اللازمة للعاملين بالمراكز، من خلال المشاركة بوضع أنظمة التراخيص مع الجهات المانحة لها، مثل نظام ترخيص المراكز وبرامج التدخل المبكر مع وزارة التنمية الاجتماعية، ونظام ترخيص المؤسسات التعليمية النهارية مع وزارة التربية والتعليم.
وتوضح أن المجلس ينفذ زيارات تفتيشية بموجب قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2017، للتأكد من مطابقة شروط التعيين للعاملين مع نظام الترخيص الممنوحة للمركز، "في حال وجد حقوق عمالية منقوصة للعاملين في هذه المراكز، فذلك يؤثر سلباً على مستوى وجودة الخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة".
أما من ناحية الحقوق العمّالية، فتنفذ وزارة العمل من خلال مديرية التفتيش بحملات تفتيشية لرصد المخالفات العمّالية على كافة الحقوق العمّالية من الأجور وساعات العمل وغيرها، واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق صاحب العمل من مخالفة وإنذار لحين تصويب المخالفات، وفق تصريح وزارة العمل لـ"المرصد العمّالي الأردني".
عدد العاملين بالمراكز وغرف المصادر
وزارة التنمية الاجتماعية مسؤولة عن 5 مراكز إيوائية و26 مركزا نهاريا دامجا، بداخله 15 وحدة تدخل مبكر، وعدد العاملين في المراكز الدامجة 311 عاملا ملاك وزارة التنمية، و40 عاملا عن طريق شراء الخدمات، أما العاملون بمراكز الإيواء فعددهم 325 عاملا ملاك وزارة التنمية و307 عامل شراء خدمات، وفق خريس.
ووفق التقرير السنوي الصادر عن المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في نيسان 2021، فإن عدد مراكز التربية الخاصة النهارية 91 مركز وعدد المدارس التي تحتوي على غرف مصادر مفعلة 1035 غرفة، ويعمل فيها 1262 معلم ومعلمة، من تخصصات التربية الخاصة واللغة العربية والرياضيات والدبلوم العالي في صعوبات التعلم.
ويوصي التقرير بجملة من التوصيات، من أبرزها؛ تدريب وتأهيل العاملين في المراكز وغرف المصادر من خلال إلحاقهم بسلسلة من البرامج التدریبیة.