"طيبة الكرك" عطش الماء وعطش المواطنة

الرابط المختصر

ما الذي اضطر اهالي بلدة الطيبة جنوب الكرك للمجىء امس الى عمان شيبا وشبانا تحملهم خمس باصات تاركين بيوتهم واشغالهم وزراعاتهم ومواشيهم للوقوف امام مبنى رئاسة الوزراء لتذكير الحكومة بان مأساة البلدة مستمرة منذ ستة اشهر من اجل الحصول على رشفة ماء?

اعجبني الاسلوب الحضاري الذي اتبعه المعتصمون للتعبير عن اوضاعهم المأساوية فاعدوا رسالة رقيقة لدولة الرئيس انغمست فيها المعاناة بحبر الولاء للوطن والقيادة الهاشمية من دون شطط في المطالب او امعان في التهديد.

ما قاله اهل الطيبة في خطابهم للرئيس انهم "آسفون لان قدومهم من بلدتهم ليس للتهئنة باعياد او انجازات للوطن بل للحديث عن وجعهم في هذا الصيف المؤلم".

كنت اتمنى ان اصافحهم يداً بيد, لاقول لهم انتم العزوة وانتم حماة النظام وانتم الصابرون على قسوة الطبيعة و ظلم الاهل, انتم احفاد قدر المجالي وابراهيم الضمور وحسين باشا الطراونة و...

اهالي الطيبة شكوا للرئيس, المياه التي لم تجر في انابيب البلدة منذ ستة شهور وهم يتضورون عطشا ويدفعون من قوت عيالهم اثمان صهاريج المياه المشتراة.

يا الله كم هي صغيرة مطالب هؤلاء الصامدين في قراهم النائية? ماذا لو قرر سكان بلدة الطيبة الاثنا عشر الفا مغادرة بلدتهم احتجاجا على عطشهم ورحلوا مع اولادهم وماشيتهم وسكنوا على مشارف عمان?

اذا كان ابناء الطيبة لا يستطيعون الاحتجاج على حكم الجغرافيا الذي وضعهم اباً عن جد, في اقصى الجنوب الاردني وفي منطقة نائية, فانهم يستطيعون الاحتجاج والاعتراض على قسوة الشراكة في الوطن الواحد التي لم تستطع ان ترد عليهم ظمأهم خلال ستة اشهر.

تصوروا معي لو ان حيا في عمان لم تصله المياه لمدة اسبوعين اول ثلاثة, بصراحة لكانت الدنيا قامت ولم تقعد في وسائل اعلام الحكومة فالقطاع الخاص وقبة البرلمان, فمبدأ العطش مرفوض لكن مصيبة سكان الاطراف في بعدهم عن "العين" الذي اورثهم البعد عن "القلب" وزاد من اهمال الحكومات لهم.

والغريب في الامر ان عمان تشرب ماء من اللجون/ الكرك بينما اهل الكرك عطاش:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ

والماء فوق ظهورها محمول

مأساة بلدة الطيبة تتكرر كل يوم في الوسط والشمال والجنوب والتي تحولت الى مناطق طاردة للسكان, فعمان اصبحت الاردن وخارجها قلما تجد ظروفا تستحق البقاء والمعيشة, واذا اغمض المحتجون امس عيونهم عن مشاكلهم الاخرى والمتمثله في قلة فرص العمل وقلة الخدمات العامة, وانعدام كل ظروف الحياة الطبيعبة فانهم متمسكون بارضهم لا يرضون عنها بديلا.

يستحق هؤلاء الصادقون الشجعان من الحكومة تلبية مطالبهم فورا لانهم لا يطلبون ترفا او امتيازا عن غيرهم, بل يطلبون شرطا من شروط البقاء والحياة, لا بل يستحقون اكثر من ذلك لان كل ما يمكن ان يقدم لهم هو اسهام في بقائهم على ارضهم يحرثون ويرزعون ويربون ماشيتهم, انهم ثروة وطنية يجب المحافظة عليها.

ولو كنت صاحب قرار لمنحت امتيازات مادية خاصة ومتفاوتة حسب المنطقة وطبيعتها, هدفها تثبيت الاردنيين في الاطراف في القرى والبوادي وخاصة المحافظات الجنوبية مثل مادبا والكرك والطفيلة ومعان, لانها مناطق "خارج التاريخ والجغرافيا" تنعدم في اغلبها ظروف الحياة, فمن يستطيع البقاء فيها يحتاج الى دعم مادي حقيقي اقله وقف الضرائب الحكومية لانها مناطق بحاجة الى دعم لا الى "حلب".0