طوق نجاة مرضى التلاسيميا يبدده المال
يطالب مرضى "التلاسيميا" من وزارة الصحة "أن تنفذ ما وعدت به سابقا" وتشمل جميع المصابين بالعلاج الجديد "الفموي" بعد مسيرة معاناة من العلاج المعتمد على حقن تظل لساعات على أجسادهم.
يعلن المصابون بالمرض عن استعدادهم الوقوف أمام مركز التلاسيميا المتخصص داخل مستشفى البشير يوميا ولساعات الدوام الفعلية للعاملين في المركز لأجل إسماعهم وإرسال رسالة لأصحاب القرار في وزارة الصحة تنبههم بخطورة ما أعلنته حول نيتها "اقتصار العلاج على المرضى من عمر 10 -15 عاما فقط بداية العام المقبل".
EXJADE هو عبارة عن دواء حبوب يأخذ عن طريق الفم ويعد من أحدث العلاجات المتعلقة بمرض "التلاسيميا" الطاردة للحديد، فهو على عكس الطريقة القديمة عند استخدام دواء "الديسفيرال" الخاص بالتلاسيميا والذي يحتاج إلى "مضخة" تُحقن لمدة تتراوح من 6 – 8 ساعات بجسد المريض لطرح الحديد الزائد عن حاجته، فيما الدواء الجديد لا يحتاج إلى حقن، مكتفيا بالحبوب.
زيادة نسبة الحديد تؤثر سلبا على مريض التلاسيميا، وتتلخص بجعل الجسد شاحبا مائلا إلى الزرقة، بلون يرقاني وسحنة مميزة لمرضى التلاسيميا.
"الصحة" أعلنت سابقا عن "شمول جميع مرضى التلاسيميا بالعلاج" هو ما يؤكده مدير مستشفى البشير سامي الدوليمي الذي قال: "الوزارة وعدت منذ سنتين بشمول المرضى بالعلاج الفموي وإيقاف المضخة التي تزيد معاناتهم رغم التكلفة الباهظة التي تتكبدها والتي تصل إلى 6 ملايين دينار أردني ".
يوجد 4,5 من عدد سكان المجتمع الأردني حامل للجنس الوراثي للتلاسيميا المعروف بـ"فقر دم البحر الأبيض المتوسط"، فيما يعد حامل للجنس الوراثي ليس مصابا به، ويبلغ عددهم نحو 200 ألف مواطن، ويكشف مدير مركز التلاسيميا الدكتور باسم الكسواني عن وجود 900 مريض بالتلاسيميا في المملكة، بينما يكشف المنتدى الأردني للثقافة الصحية عن وجود 1500 مريض.
وتتراوح تكلفة العلاج لكل مريض من 600 – 2000 دينار سنويا، ويعتمد العلاج على وزن المريض بالتالي يصبح الرقم مرشحا للزيادة وهو ما تستند عليه وزارة الصحة التي "تتكبد أموالا تتجاوز موازنتها"، وفق مدير مستشفى البشير.
يقوم سهيل الترتير بتجديد دم ابنه كل 15 يوما، وهو البالغ 28 عاما، يقول إن "العناية الطبية متفاوتة بابني ولا يوجد اهتمام بمرضى التلاسيميا على الإطلاق"، ولا يخفي من وصف أوضاعه بـ"الصدمة" لسبب أن "وزارة الصحة أعلنت عن خطوة لا إنسانية بأنها لا تستطيع تحمل العلاج للجميع وإنما للأطفال فقط، ونحن الأهالي الذين نرى أولادنا يتعذبوا يوميا والوزارة بيدها العلاج ولا تريد توزيعه على جميع المرضى شيء فظيع".
وتحُدث زيادة الحديد في الدم إلى أعطال متفرقة في الوظائف الأساسية في الجسد على المدى البعيد، حيث يتضرر أولا الطحال وهو ما يستدعي الأطباء إلى التخلص منه عبر استئصاله، فيما تحدث مضاعفات لوظائف الكبد ما يضعف مناعة الجسد على المدى الطويل، ويضعف النظر ويصبح قابلا أكثر لمرض السكري.
وتصل كلفة العبوة الواحدة من دواء EXJADE إلى 700 دينار أردني، هو عبارة عن أقراص يتناولها المريض مرة واحدة يوميا عن طريق الفم ويعمل على طرح مادة الحديد من الجسم، وتم اعتماده من قبل مؤسسة الدواء والغذاء ومؤسسة الغذاء و الدواء الأمريكية.
مهند المصاب بالتلاسيميا، يقول عن معاناته: "أنا لست طبيعيا ودواء الديسفيرال مهلك جدا، أقل مرض من رشح أو أنفلونزا يطرحني على الفراش أيام". مهند يقوم بزيارة المركز مرتين في الشهر، "أضعت عمري وأنا في العلاجات لم أقم بأي خطوة جيدة بحياتي رغم أني شاب في فترة من المفترض أن أستغلها في أمور عديدة مثلي مثل باقي شباب جيلي".
وتتضاعف معاناة العائلة التي فيها أكثر من مريض بالتلاسيميا فالسيدة نبيلة غياضة دخلت في فصول من المعاناة منذ أربع سنوات لحظة قدوم طفلتها جمانة إلى الحياة حيث أًصيبت بالمرض بعمر السنة، ومن ثم قدم توأمها إلى الحياة واللتين سرعان ما أصيبتا بعد الولادة بشهور قليلة بالمرض.
"ليس بيدي ما أفعله لبناتي سوى الإصرار على معالجتهم، أتمنى أن أجد لهن العلاج في مركز التلاسيميا، كم يؤلمني تأثير الحديد السيئ على محياهن".
محمد قطيشات، لديه طفلين "لين وليث" مصابين بالتلاسيميا، غير متفائل من العلاجات المتوفرة والحل كما يقول "استيراد خلايا متطابقة معهم، من الخارج وزرعها داخل أجسادهم، لكن التكلفة تصل للواحد إلى 30 ألف دينار للخلية الواحدة بما معدله 60 ألف دينار للطفلين ولا أملك الدنانير منها".
عصرية العشوش، أم لثلاثة أبناء مصابين، تتحسر على حالها، تقول: "أشعر عند وضع الحقنة في جسد واحد من أولادي وكأني أضعها في قلبي، كيف لي أن أتوقف عن البكاء طالما أن الدواء موجود لدى الوزارة وأنا لا أستطيع من تأمينه لهم، فالعلاج الحالي يدمرهم".
المصاب أشرف مرعي 26 عاما، يخضع لوخز الحقن دائما، يلخص معاناته بالقول: "معاناتي من المرض في جهة وسحب الحديد من جسدي جهة أخرى، لم يبق مكان في جسدي خال من الوخز..إنها معاناة نفسية كبيرة".
ويشاطره الرأي خليل شحادة 27 عاما، المريض بالتلاسيميا منذ ولادته، يقول: "منذ 3 سنوات وأنا مقطوع عني العلاج ولا احمل الرقم الوطني لأني من أبناء غزة أتمنى الحصول على العلاج المجاني".
يتمنى العراقي محمد والد الطفلة رانيا المصابة بالتلاسيميا، وهو عضو في جمعية أمراض الدم الوراثية في العراق، يتمنى أن يصل لعلاج لابنته التي لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها.
"التلاسيميا" يعتبر من أكثر أمراض الدم شيوعاً في المنطقة، يعتبر شكلاً من أشكال اضطرابات الخضاب يحدث فيه نقص في الكريات الحمر مما يؤدي إلى تخريبها المستمر ويسبب لدى المريض فقد دم انحلالياً دائما.
وينادي الأطباء إلى ضرورة إجراء الاستشارات الوراثية والتقرير الطبي قبل الزواج لكشف حاملي المرض والمصابين به، ويعتبر المرض وراثيا ينتقل من الأبوين إلى الأبناء حيث إنه إذا كان الزوجان يحملان المرض فلديهم إمكانية إنجاب أطفال مصابين بالتلاسيميا بنسبة 25% و 25% أطفال سليمين و 50 % أطفال حاملين للمرض.
رئيسة المنتدى الأردني للثقافة الصحية، جهاد البنا، تعتبر أن الوزارة وبحصرها العلاج الفموي على صغار السن المصابين بالتلاسيميا "حكمت على المرضى من هم فوق هذا العمر بالموت" وطالبت بضرورة تدخل الحكومة لوقف خطوة وزارة الصحة والتي اعتبرتها "لا إنسانية بحق المرضى وذويهم".
وتطالب البنا التي لديها اثنين من أولادها يعانون المرض بإعطاء المرضى الكبار "أولوية" العلاج لكون "الصغار لديهم فرصة لتلقي العلاج بينما الكبار فرصهم بالنجاة أقل.
مدير مركز التلاسيميا في مستشفى البشير، الدكتور باسم الكسواني، يعتبر أن الوزارة قامت بخطوة "حسنة" عندما أحلت العلاج الفموي بديلا عن علاج الديسفيرال الذي يوضع تحت الجلد بواسطة المضخة للمرضى دون سن العاشرة ليصبحوا فيما بعد مؤهلين لعملية زراعة نخاع العظام.
سبق وأن نفذ المرضى اعتصام قبل أسبوع، طالبوا بشمولهم جميعا في العلاج، وينتظروا رد الوزارة والعدول عن قرارها "وإلا سنبقى نستمر في اعتصامنا يوميا بدءاً من الساعة الثامنة صباحا حتى الرابعة عصرا" وفق البنا التي أضافت إنهم وفي حالة عدم الرد "سننفذ اعتصامات أمام مجلس الأمة والديوان الملكي".
تعيش كريات الدم الحمراء 120 يوما بينما عند مريض التلاسيميا تعيش من 3-4 أسابيع ونتيجة تكسرها يصبح الجسد بحاجة لنقل كريات دم حمراء مغسولة ومفلترة كل أربع أسابيع.
زراعة النخاع العظمي تعتبر علاجاً جذرياً للعديد من الأمراض مثل أمراض سرطان الدم، وأمراض الدم الوراثية و أمراض عدم المناعة. هذه الأمراض كانت في الماضي تعتبر أمراض مستعصية بدون علاج، في بداية الستينات بدأ الأطباء في الولايات المتحدة الأميركية بالقيام بعملية زراعة نخاع العظم، وفي منتصف الثمانينات أصبحت هذه العملية جزءاً مهما من جداول معالجة العديد من الأمراض.
النخاع العظمي، نسيج في داخل العظم يتواجد فيه ما تسمي بالخلايا الجذعية، هذه الخلايا تقوم بتقسيم نفسها وتكوين خلايا الدم المهمة ومنها خلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية، تلعب كل من هذه الخلايا دوراً هاماً في الحفاظ علي صحة الجسم. الخلايا البيضاء ضرورية لمكافحة الالتهابات ومناعة الجسم والصفائح الدموية تساعد في تخثر الدم والكريات الحمراء تمد الجسم بالأكسجين.
وكانت وزارة الصحة أعلنت بتاريخ 27 – 3 -2007 وضعها معايير لأجل إنشاء بنوك للخلايا الجذعية القائمة على خلايا "الحبل السري" الذي يتم أخذه من المرأة الحامل عند ولادتها، وكانت قد أعلنت عن وضعها موعد 31 – 12 -2007 كحد أقصى لإنشاء البنك إلا أنها لم تقم بأي خطوة حتى هذه اللحظة. ويقدم بنك الدم الوطني 25 ألف وحد دم سنويا مجانا لمرضى التلاسيميا.
إمكانية زرع النخاع العظمي "ممكنة" حيث قام مركز الحسين للسرطان 35 عملية، لكن الأولية تظل لمرضى السرطان لكون مرضهم خطر ولا يحتمل التأجيل، فيما يخرج مرضى التلاسيميا من قائمة الأوليات يتصارعون مع معاناة المرض يضاعفها العلاج الصعب.
وتبرز إمكانية قيام عملية زراعة النخاع في الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا ومركز الحسين للسرطان.











































