ضريبة الدخل وحلم العدالة الغائب
من الأقوال المأثورة عن أذكى العلماء ألبرت أينشتاين والذي طور أصعب نظرية فيزيائية وهي نظرية النسبية ، أنه قال يوما أن أكثر الأشياء التي يعجز عن فهمها هي طريقة احتساب ضريبة الدخل، ولكن كل مواطن في كل دولة في العالم لا بد من أن يتحول إلى ضليع في الرياضيات ليدرس ويحسب تداعيات ضريبة الدخل على وضعه الاقتصادي ، وفي كثير من الأحيان يستعين الناس بخبراء من أجل التهرب من الضريبة.
في موسم إعداد قانون جديد لضريبة الدخل في الأردن حدثت بعض الحوارات والنقاشات والتي كانت مؤشرا جيدا على حالة من الشفافية ، وتضمنت المعلومات الواردة من نص القانون الجديد أيضا بعض التوجهات الإيجابية لتحقيق المزيد من العدالة في تحميل عبء الضريبة للشرائح الأكثر ثراء ، وجعل حوالي %80 من المواطنين معفيين من الضريبة مقابل تثبيت نسبة الضرائب على البنوك والشركات والمشاريع باستثناء الشرائح الصغيرة من الشركات والتي سوف تنخفض نسبة الضريبة المفروضة عليها من %20 إلى 15%.
مشروع القانون يبدو أنه يواجه بعض النقد من قبل "المؤسسات المنظمة" مثل النقابات وجمعيات رجال الأعمال والقادرة على تنظيم نفسها وممارسة دور سياسي ضاغط ، كما أن القانون سوف يواجه أيضا مجلس النواب والذي يتكون في معظمه من رجال أعمال ولهم مصالح كثيرة ومن شبه المؤكد أن مناقشتهم لبنود القانون سوف تعتمد على مصالحهم مما يشكل خطورة في إمكانية تعديل فلسفة القانون ليضيف المزيد من العبء الضريبي على العاملين بأجر بدلا من رجال الأعمال والمضاربين بالأسهم والعقارات والأراضي والثروات الناجمة عن المشاريع.
بعض المعلومات التي وردت عن وجود نية لفرض نسبة ضئيلة من الضريبة على ما يسمى تجارة الأسهم (الأصح هي المضاربة) والعقارات والأراضي اثار ذعر الخبراء بهذه الأنواع من التجارة والذين تحركوا بشدة لمنع هذا التوجه. نذكر أنه في البرلمان السابق واثناء مناقشة الموازنة تمكن أحد النواب من كبار المقاولين من جمع 60 توقيعا خلال أقل من ساعة من النواب في مذكرة رفضت أي توجه لفرض ضريبة على المتاجرة بالأسهم وهذه أسرع مذكرة يتم توقيعها في التاريخ المدون للبرلمان الأردني منذ عهد الإمارة. مثل هذه الجهود تؤكد بأنه من شبه المستحيل فرض ضريبة على تجارة الفهلوة مثل الأسهم والعقارات والأراضي وسيكون العبء الأكبر على الدخل المتأتي من الأجور المتآكلة أصلا.
في الوضع الراهن فإن أهم اشكال الخلل الضريبي في الأردن هي الأعتماد شبه التام على الضريبة المحددة على الدخول الثابتة. الموظفين الذين استثمروا أموالا في التعليم ويعملون بأجر في مؤسسات عامة وخاصة هم عماد ضريبة الدخل في الأردن بينما المتاجرون بالصفقات والبيوعات قادرون وبسهولة على التملص من الضريبة بالرغم من أن التراكم الأكبر للثروات هو في النشاطات التجارية المفتوحة. ربما تكون ضريبة المبيعات قادرة على إقتناص البعض من هذه الأرباح الطائلة ولكنها أيضا تفرض على اصحاب المشاريع الصغيرة والتي بالكاد تحقق أرباحا قادرة على استدامة نفسها.
في المشروع الجديد ثمة محاولة جادة وممتازة لتحديد سقف الإعفاء الضريبي للعائلة بدخل ألف دينار في الشهر وهو تقييم مقنع لأن هذا المبلغ بات بالفعل الحد الأدنى لحياة بدون ديون وصعوبات في عائلة أردنية مكونة من 3 - 5 أفراد باستثناء الأبوين. هذا يعني أن النسبة الأكبر من موظفي القطاع العام والقطاع الخاص ستكون معفية من الضرائب وهذا ما يخفف كثيرا من حدة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها هذه الفئات. وفي مقابل ذلك فإن اي دخل يزيد عن 12 ألف دينار في السنة سيخضع لنسبة ضريبة دخل %10 لكل 10 آلاف زيادة و20% لكل زيادة بعد ذلك وهو في واقع الأمر تقييم منطقي أيضا بالنسبة لأصحاب الاجور.
ولكن عنصر غياب العدالة هو الذي يتعلق في استمرار التركيز على اصحاب الأجور والموظفين والذين يعملون لمدة 12 ساعة يوميا وأكثر مقابل منح حرية تامة لأصحاب الصفقات والمضاربات الذين يحصلون على أموال طائلة في صفقات قد لا تتطلب أكثر من ساعة عمل يوميا.
هذا التقييم يتجاهل أيضا احتمال تراجع قيمة الدينار الأردني والمبني على فرضية استمرار ربط الدينار بالدولار ويتجاهل التضخم ، وربما في حالة عدم وجود ربط ما بين الأجور والتضخم من الضروري وجود بند في القانون يسمح بزيادة الدخل الخاضع للضريبة إلى أكثر من 1001 دينار متناسبا مع نسبة التضخم المتزايدة سنويا.
في الوقت الذي تتمكن فيه النقابات وغرف التجارة ورجال الأعمال من ممارسة الضغط السياسي المتاح عبر إمكانياتها لتعديل القانون بما يتناسب مع مصالحها ، يبقى المواطن العامل بأجر هو الطرف الأضعف في المعادلة وما نخشاه أن يتم إجراء تسوية مع كافة القطاعات واللوبيات المؤثرة بحيث تزيد الإستحقاقات الضريبية على العاملين بأجر مقابل تخفيضها على اصحاب المشاريع ورجال الأعمال والمضاربين في نشاطات الفهلوة ، وفي هذه الحالة يستمر غياب العدالة في ضريبة الدخل.
* الدستور