"ضبّوا خواتكو"... فيديو لشاب أردني يثير مجدداً مخاوف التحريض على العنف ضد نساء
"ناشد" شاب أردني عبر فيديو له نشره على تطبيق "تيك توك"، إخوانه الشباب في منطقة عمّان الغربية، بالتدخل السريع لحماية أخواتهن من خطر الوقوع ضحية لجرائم التحرش والاغتصاب.
من يقرأ هذه المقدمة قد يعتقد أن "مناشدة" ذلك الشاب فيها شيء من "الخوف" على بنات بلده اللواتي يقطن في العاصمة، وتحديداً الغربية منها، من أن يقعن فريسة جرائم الاغتصاب من المجرمين، لكن بصراحة ما جاء في محتوى الفيديو لا يحمل هذه "النية الطيبة"، فالفيديو الذي استهل بنداء للأخوة في عمّان الغربية بـ"يستر على عرضكو ضبوا خواتكو"، فيه تبرير خطير لجرائم الاغتصاب والتحرش بحق الفتيات تحت ذريعة "اللباس"، كما جاء في أغلب التعليقات على الفيديو الذي لم يكتف من "التيك توك" محطة له، بل وصل تويتر، فيسبوك وغوغل طبعاً.
بسترة صفراء مزركشة بألوان أقل سطعاً من الصفار، ومع طاقية "كاجوال"، أطل ذلك الشاب في الفيديو خاصته، وهو يحمل سيجارة بإصبعه الذي يوجهه تجاه الكاميرا وهو يصرخ: "يستر على عرضكو"، طالب كل أخ له في عمّان الغربية أن "يضب أخته"، ذلك لأنه وبحسب قوله: "يا أخي انهلكنا يا أخي، لبّسها زي العالم يازلمة"، وقبل أن يختم الفيديو وهو يشد على سترته الصفراء قال: "ما إحنا بني آدمين وبنحس يا زلمة"، واضعاً نهاية لندائه بسؤال أشبه بالسؤال التقريري في معناه: "شو يعني نجيب تحرش ولا اغتصاب؟".
ليست هي المرة الأولى التي تكون فيها شبكات الإنترنت مساحة لبث رسائل بعضها غير مباشر وأغلبها مباشر، تدعو فيها لتبرير جرائم التحرش والاغتصاب بحق الفتيات، بحجّة أن لباسهن "الفاضح" ونمط حياتهن هو الذي يحفز النوايا "الدفينة" للخروج إلى السطح، وطالما كانت عبارة "ضبوا خواتكو"، و"ضبي حالك"- التي صدف وسمعتها ذات يوم كتابتي لهذا التقرير، رغم أنني كنت أرتدي كمامة وجينز وتي شيرت- حاضرة، سواء على الألسنة أو على مواقع التواصل الاجتماعي، صاحبتها نقاشات كانت أغلب نهاياتها عقيمة.
وخلال البحث عما يوثق وجود محتوى يدعو لاغتصاب والتحرش بالفتيات بسبب لباسهن، كان من الأسهل العودة لأخبار شبيهة أثارت الرأي العام الأردني، عندما ظهر أحد الإعلاميين الأردنيين في العام 2017 على إحدى القنوات الفضائية، التي تناولت موضوع التحرش بالنساء عنواناً لإحدى برامجها، ووصف خلال مداخلته الطلقة الطائشة بأنها أقل خطراً من "البنت الطائشة"، ذلك لأن الطلقة تصيب شخص واحد فقط، بينما" البنت التي لديها فجور باللبس ممكن أن تؤثر بالعديد من الشباب".
هو ذات الإعلامي الذي أوقفت القناة الفضائية الأردنية التي كان يعمل فيها برنامجاً له، بعد حملة غضب شعبي، على خلفية فيديو له نشره على صفحته على فيسبوك، دعا من خلاله إلى ضرب المرأة التي ترتدي ثياباً صيفية، ووصف امرأة شاهدها في إحدى المولات ترتدي الفيزون بـ"البقرة"، كما برر من خلال الفيديو خاصته جرائم القتل والاغتصاب والضرب بحق المرأة بسبب لباسها.
الإنترنت أصبح ساحة للتهجم على النساء
تعلق الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة، الدكتورة سلمى النمس، في حديثها لرصيف22، على فيديو "يستر على عرضكو"، وغيره من الفيديوهات والمنشورات التي تحرض على اغتصاب المرأة، بقولها: "للأسف، تزايد في الفترة الماضية تأثير منصات الإعلام الاجتماعي لتعزيز الاتجاهات السلبية النمطية بحق المرأة، وفي تقارير لنا في اللجنة أشرنا إلى أن مواقع التواصل أصبحت ساحات للتهجم على النساء، تكريس تبرير السلوكيات العنيفة وتبرير العنف والتحرش والاغتصاب للمرأة بحجج اللباس وطريقة الحياة".
واعتبرت الدكتورة النمس، التي أشارت إلى أنها لم تعلق على فيديو "يستر على عرضكو ضبوا خواتكو" لإصابتها بحالة من اليأس مما يحدث، أنه وبالرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي فضاء مهم لممارسة حرية الرأي والتعبير، إلا أنه يقابلها خطاب تحريضي خطير، سواء بفيديوهات أو منشورات أو حتى تغريدات بحق المرأة، ربما قبل ثورة الإعلام الرقمي لم تكن موجودة، لا بالأعراف ولا المعتقدات المجتمعية.
لذلك ومن خلال الاستراتيجية الوطنية للمرأة والتي أقرها الأردن مؤخراً، كما تبين النمس، هدفت إلى تسليط الضوء على أهمية أن تصبح الأعراف والأدوار الاجتماعية داعمة لتمكين المرأة، مساواتها مع الرجل وحمايتها من العنف، وعلى أهمية توجيه الخطاب الإعلامي ومناهج التعليم لتكريس تلك المفاهيم.
"كل ما يظهر على هذه المواقع هو واقعنا"
الناشطة والإعلامية، عروب صبح، وخلال حديث لها مع رصيف22، ورغم غضبها على فيديو "ضبوا خواتكو"، إلا أن المصيبة، كما تبين، أنها ليست المرة الأولى التي تحمل فيها مواقع التواصل رسائل مسمومة فيها مثل هذا المحتوى الذي يهاجم المرأة بشكل مباشر، عدا عن المحتوى الذي يسمونه "كوميديا" وتظهر فيه كل الصور النمطية المريضة عن المرأة أو عن علاقتها بالرجل.
"كل ما يظهر على هذه المواقع هو واقعنا"، تقول عروب، وتضيف: "هؤلاء يعيشون بيننا، وهذا التفكير المخيف يهدد النساء في حياتهم اليومية وهن يمارسن أبسط حقوقهن بالمشي في الأماكن العامة!"، وتختم بتفسيرها لاستمرار ما يحدث، بأن هناك مشكلة حقيقية في التربية والتعليم، كما أن غياب المحاسبة والقوانين التي تجرم التحرش بشكل واضح وقاطع "سيُبقي على مثل هذه العينات".
وفي "ثريد" لها على تويتر وبعد انتشار فيديو ذلك الشاب، كتبت الناشطة روان الشمايلة: "في ظاهرة التحرش والاغتصاب، قد يعتقد المرء أن الملام هو المرأة بلباسها وكلامها وتصرفاتها، أو الرجل بغريزته وقلة تربيته ومستواه الاجتماعي، لكن الحقيقة أن أسباب الاغتصاب والتحرش سببها مجتمع ذكوري سلطوي يرى المرأة على أنها ملكية للرجل أو أنها شيء لا شخص، وموافقتها شيء ثانوي".
وأضافت: "يمكن أنت كرجل ما تكون مغتصب أو متحرش، بس لما تسمع قصة رجل اغتصب بنت لابسة قصير أو سكرانة ببار أو كانت عنده بالبيت، بتتعاطف مع الجاني، صحيح أنت ما قمت بنفس التصرف لكن تعاطف معه بجعلك في نفس الخانة".
منابر للتحريض على المرأة
"يعيشون في وهم أنهم حماة الدين وحماة أعراف المجتمع" هكذا وصف الخبير في الإعلام الرقمي الدكتور يونس عرب، في حديثه لرصيف22، من يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي منبراً لدعوات "خطيرة ومريضة تحرض على اغتصاب المرأة التي ترتدي لباساً معيناً، واللافت في الموضوع أن وهمهم يجعلهم يعتقدون أن بيدهم الصلاحية المطلقة بتوجيه التعليمات والأوامر لفعل ذلك".
وأشار الدكتور عرب أنه من أخطر حروب التأثير الثقافي والاجتماعي إشاعة مفاهيم مرتبطة بالدين والأعراف والعادات والتقاليد، لأن كل ما يمس ذلك يوصل مباشرة للعواطف المتعلقة بتلك المنظومة، فمن يغار على دينه أو مجتمعه مثلاً تجده أكثر تأثراً بالخطابات التي تدعي أن هناك من يهدد تلك المنظومة، مثل لباس المرأة.
واعتبر يونس أن البيئة الرقمية فيها صناعة لما يسمى بالوعي الزائف لدى الجمهور، ومن خلالها يتم تعزيز مفاهيم من شأنها أن تدمر المجتمع وإحداث أثر سلبي فيه قد يمس أمنه المجتمعي، وفيما يتعلق بفيديو الشاب، هو ليس "طفرة"، بل هو جزء من ظاهرة تحدث في العالم الرقمي والأردني منه، تحت مزاعم حماية الدين والعرض.
وختم عرب: "كل أمر مماثل لذلك الفعل، باستغلال البيئة الرقمية ووسائل الإعلام الإلكترونية وقدرتها الواسعة في الوصول إلى الجمهور، وتأثيرهم على الجيل القائم والجيل القادم، إنما هو جزء من الخطة الذكية للمساس بالأمة ومصالحها من قبل ألد أعدائها".