صحف اليوم السابع: القراءة على حساب جيوب ووقت الآخرين

الرابط المختصر

في اغلب بلدان العالم تصدر صحف أيام نهاية الأسبوع بعدد صفحات يزيد أحيانا عن عدد صفحات كتاب، ففي بلدان مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وحتى في بعض دول المنطقة تصدر هذه الصحف بملاحق كبيرة ومجلات متنوعة. أما في الأردن فالحال معكوس تماما.تصدر صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في عددها الأحد بما لا يقل عن 550 صفحة تتضمن ملاحق ومجلات، فيما لا تقل الصحف الأخرى عن هذا العدد وبعضها يصدر بأكثر من 10 ملاحق ومجلات ولا يقل عدد صفحاتها عن 200 صفحة.

من المفترض أن يكون يوم الجمعة، يوم نهاية الأسبوع، هو يوم العائلة، وهو ما خلق فلسفة صحف نهاية الأسبوع عند الدول الأخرى، وجعل أعدادها في هذا اليوم حافلة بالملاحق والإعلانات. وتمتلك بعض الصحف الكبرى مثل "واشنطن بوست"، "نيويورك تايمز" و"الغارديان" وكل الصحف الإسرائيلية وبعض الفرنسية، هيئات تحرير منفصلة لعدد العطلة الأسبوعية عن هيئة تحرير الصحيفة اليومية.



وتشير الإحصاءات، وهي متوفرة على الانترنت، إلى أن عدد العطلة الأسبوعية يشهد اكبر عدد من القراء يفوق أيام الأسبوع الأخرى، وترتفع أرقام توزيع بعض هذه الصحف وتتضاعف أحيانا، ما يجعل نسخة العطلة أيضا حافلا بأكبر نسبة إعلانات تبز بقية أيام الأسبوع، فتزيد الإعلانات في صحيفة الـ"واشنطن بوست"، مثلا لا حصرا، بنسبة 100% في يوم الأحد، فيما تتضاعف أرقام توزيعها.



وفي بريطانيا، مثلا، تشير أرقام "هيئة تسويق الصحف" البريطانية إلى أن الـ "صن داي تايمز"، العدد الأسبوعي لصحفية الـ"تايمز"، تبيع نحو مليون و400 ألف نسخة كل يوم أحد فيما تبيع صحيفة الـ "تايمز" نحو 700 ألف نسخة في أيام الأسبوع العادية" (الشرق الاوسط 3/7).



أما في الأردن فالأمر مختلف، فصحيفة "الرأي" مثلا التي حققت خلال الأسبوع الماضي أرقاما قياسية في عدد الصفحات لم تبلغها خلال عمرها المديد، ووصلت إلى مائة وثمانية صفحات ومائة وثلاث صفحات، فقد خرجت الجمعة،(8/تموز)، بأربعين صفحة، والجمعة (15/تموز) بـ"32" صفحة فقط.

و"الرأي" وإن كانت شكلت قفزة واستثناء في عدد صفحاتها خلال الأسبوع، الا أنها ليست كذلك يوم الجمعة، فكل اليوميات الأخرى ينخفض عدد صفحاتها كثيرا وبعضها يصل إلى اقل من النصف فقد انخفض عدد، الجمعة 15 تموز"، عند "العرب اليوم"، إلى "20" صفحة فقط، "الدستور" "28" صفحة، "الأنباط" "20" صفحة "تابلويد"، "الغد" التي كانت الأكبر خرجت بـ"48" صفحة" إلا أنها بقيت اقل من المعتاد.

لا يكفي أن يكون عدد الجمعة في الصحف المحلية هزيلا، على الأقل في عدد صفحاته، فهو غير مميز على الإطلاق في محتواه، الا بنشر ملحق ثقافي منفصل عند كل اليوميات، وملحق ديني وأحيانا ملحق للأطفال داخل العدد لا تزيد عدد صفحاتها على الثلاث عند اكبر الصحف صدورا في هذا اليوم.

رولى الحروب، رئيسة تحرير جريدة "الأنباط"، أجابت عن سؤالنا: لماذا هذا الاختلاف بين صحفنا وصحف الآخرين قائلة إن "عدد قراء الصحف ينخفض يوم الجمعة إلى درجة كبيرة جدا، فالصحيفة التي توزع، على سبيل المثال مائة ألف نسخة في الأيام العادية لا توزع الجمعة 7 ألف نسخة".



وتضيف الحروب "لذلك أصبح هناك عرفا بين الصحف، القديمة منها والجديدة، بتخفيض عدد صفحات نسخة الجمعة، وبالطبع فان العدد يكاد يخلو من الإعلان".



وتقول الحروب ان "الناس لا تقرأ يوم الجمعة وينحصر جمهور القراء في الطبقة المثقفة أو المتقاعدين، ولا يخرج المواطن يوم الجمعة لشراء الصحيفة واغلبهم يشترونها وهم في طريقهم إلى أعمالهم باستثناء من له اشتراك بصحيفة ما".



وتقول الحروب "بناء على كل هذه المعطيات نضطر كصحف يومية إلى التقليل من حجمنا، أيام الجمع والتقليل من زخم المادة الموجودة لأننا لا نريد أن نحرق موادنا فنوفرها للأيام الأخرى".

وبحسب معطيات وفرتها لنا الحروب من إدارة التوزيع "فان نسبة الانخفاض في توزيع الصحف أيام الجمع تصل إلى 50% عدا عن المرتجع فتصل النسبة بالمجمل إلى حوالي 60%".



وردا على سؤال حول ما إذا كان السبب هو المواطن الذي لا يقرأ أم الصحف التي لا تقدم مواد مميزة للقارىء تدفعه إلى شراء الصحيفة، ترد الحروب "الأمر صار أشبه بحلقة مفرغة، بدأت بان الناس لم تكن تقرأ يوم الجمعة فعمدت الصحف إلى تخفيض عدد صفحاتها وتغيير محتواها"، وهكذا أحكمت الدائرة مواطن لا يقرأ وصحيفة لا تقدم ما هو مميز.

من المسؤول؟؟

إذا كان المواطن العربي، والأردني ليس استثناء، لا يقرأ أكثر من 6 دقائق يوميا، خارج المنهاج المدرسي، ويحظى كل ألف عربي بأقل من 53 صحيفة، مقابل 285 صحيفة لكل ألف شخص في البلدان المتقدمة، بحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003. فمن يتحمل مسؤولية هذا الوضع، وهل هذا الوضع دقيق فعلا وواقعي، وهل هناك من سبيل تنتهجه الصحف ووسائل الإعلام المحلية بوصفها أهم وسائل نشر المعرفة لتغيير سلوك المواطن؟.



سنضع جانبا مسؤولية المواطن لنرى أي دور أو أي مسؤولية تقع على عاتق الصحف فهو ما يهمنا هنا، فإذا كان المواطن يحجم عن قراءة صحف الجمعة وتنخفض فيها الإعلانات، فكيف نفسر ارتفاع أعداد التوزيع أيام الأسبوع الأخرى. هل يعني هذا أن المواطن يقرأ الصحيفة، ولكنه يقرأها على حساب الآخرين، على حساب المؤسسات والدوائر والشركات التي يعمل بها وعلى حساب وقت العمل؟.



إذا كان توزيع نسخة الجمعة ينخفض إلى النصف فان كل أرقام التوزيع الأخرى هي أيضا غير مرضية، فهل هذا يعود إلى عدم ثقة المواطن بالصحف و "أخبار الجرايد" أم إلى الفقر والى عادة عدم القراءة.



من الصعب إيجاد جواب محدد عن هذا السؤال في غياب الدراسات، ولكن كل هذه العوامل تعلب دورا في انخفاض توزيع الصحف في البلد.



هل تتحمل الصحف بركونها إلى الانطباع بان المواطن لا يقرأ عدد الجمعة، وبالتالي عدم تقديم ما هو مميز، جزءا من المسؤولية في عدم تعويد المواطن على قراءة نسخة العطلة؟.

الا يقع على عاتق الصحف وخاصة الكبرى منها والتي تحقق أرباحا طائلة أن تضحي بجزء من نفقاتها لإخراج عدد أسبوعي مميز يغطي غياب المجلات الأسبوعية وتسهم بذلك في لعب دور وطني من خلال نشر المعرفة على غرار ما تقوم به في نشرها "كتاب في جريدة"؟



إذا كان المواطن لا يقرأ الجمعة فكيف نفسر نجاح تجربة الصحف الإعلانية كـ"الوسيط" و "الممتاز" التي توزع على المنازل يوم الجمعة وينتظرها المواطن الذي يكون يتأهب للخروج من منزله مساء للتسوق، هل هناك طريقة يمكن أن تلجأ لها الصحف تزاوج فيها بين أن تكون صحيفة تزود المواطن بالمعلومة وتمارس دورها ورسالتها الإعلامية وتربح كأي مشروع تجاري ولا تترك المواطن عرضة للتأثير الاستهلاكي فقط.



في اختصار إذا، تعودت صحفنا اليومية على واقع الحال، ليس فقط فيما يتعلق بنسخة الجمعة وإنما في كل طريقة عملها، وأحيانا يخيل للمرء أن "جريدة اليوم مثل جريدة امبارح" على ما يقول المواطن العادي، فهل يبحث محررو الصحف عن إبداعات جديدة تعيد ثقة الناس بالصحف خاصة وان سقف الحرية أصبح أكثر تحليقا والساحة مليئة بالكفاءات الإعلامية والتجربة أكثر نضوجا.

أضف تعليقك