صحفيون تحت النيران الاسرائيلية يروون بشاعة الحرب
"غزة هاشم" .. نار.. دمار
شهداء و أشلاء لأفراد وعائلات نفيت بأكملها.. هنا جريح وهناك شهيد وفي الجانب الأخر مساجد مدمرة بحجة وجود ارهابيين وبعد انطلاق العرس الفلسطينيي لتشييع الشهداء يكتشف العالم ان أغلبية الشهداء هم من الأطفال والنساء والمسنين ، ومع كل ذلك صمود وتحد وروح تنبض بالحياة... الإعلامييون هناك لا فرق بينهم وبين المقاومة فهم يتلقون الضربة تلو الأخرى لإيصال الخبر والصورة على أكمل وجه ، يعملون في ظروف غامضة واحياناً يتحولون الى أطباء وممرضين وفي حالات أخرى يمارسون ابوتهم ويحنون على طفل ضائع او شهيد او جريح.
"الدستور" لم تترك باباً الا وطرقته لايصال حقيقة ما يجري وكانت هذه حصيلة الحوارات التي أجرتها مع الجنود الاعلاميين في قطاع غزة.
وائل دحدوح مراسل قناة الجزيرة الفضائية.. قال اننا نعمل في ظروف غير طبيعية وأسوأ مما يتخيلها الناس ولن ترى العين ابشع مما نشاهده على الإطلاق ، ويؤكد وائل مررنا بالعديد من الإعتداءات والحروب على غزة لكن هذه المرة تختلف عن كل شيء وتشبه كل شيء الا الإنسانية.. حجم الدمار أكبر من كبير ، ويشير وائل الى ان القصف الممنهج الذي تقوم به الطائرات الحربية الإسرائيلية يستهدف البيوت ويدمر كل ما حولها اما القصف العشوائي من الدبابات وسلاح المدفعية فهو ينشر الدمار في كل مكان.
ويصمت الدحدوح قليلاً وكأنه يلتقط انفاسه ليتمكن من الحديث عما سيسرده لنا من مأس ويقول.. ماذا تريدون ان نقول هل نتحدث عن عدد الشهداء والجرحى الذي تجاوز حدود المنطق وغالبيتهم من المدنيين وخاصة من الأطفال والنساء. لقد شاهدنا مناظر تروع اي جنس من المخلوقات البشرية ويقول لو عشنا "200" سنة تحت رعاية اخصائيين نفسيين لن يتمكنوا من مسح المناظر من مخيلتنا.. اطفال ونساء بدون رأس ووجوه مبتورة ومناظر لا انسانية وأسوأ ما شاهدناه كان حين تم التنسيق مع الصليب الأحمر ودخلنا الى منطقة محظورة وشاهدنا بعض الجثث قد نهشتها الكلاب الضالة واستمعنا الى شهادات من رجال الإسعاف لن يستمع اليها اي احد حتى ولا في الأحلام.
ويقول ان الأطفال في غزة هاشم يعيشون سن ما بعد النضوج الفكري حيث انهم يتحدثون عن المأسي وما يجري على الأرض بوعي وكلام كبير،،، لكن بعفويته الطفولية ويشير وائل.. أكثر طفل أثر في نفسيتي الذي كان يحتضن أمه حين قال ببراءته الطفولية حين كنت احضن امي وهي لا تتنفس يعني استشهدت نظرت الى أخي الصغيروجدته مصاباً ولم ادر كيف اتصرف وبعد مرور ساعة أو اكثر نظرت الى أخي لأخفف عليه مصابه فقلت له "انت جوعان بدك اجيب لك حبة بندورة من الثلاجة" ويتابع حديث الطفل وبعد قليل نظرت اليه لأطمئن عليه فكان قد استشهد واصبحت اتحدث اليه ولم اصدق انني لن اراه مرة أخرى.
ويتابع الدحدوح نحن بشر وليس من حديد لنا أطفال وعائلات ، مشيرا الى منزله القريب من مناطق المواجهةحيث قامت قوات الإحتلال بالتوغل في منطقة الزيتون وتل الهوا و"ربنا ستر" اني كنت قد اخذت أهلي واسرتي الى مكان خارج المنزل وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية عدت الى المنزل لأجده قد تعرض لقذيفتين ولو لم اخل بيتي لوجدت أهلي تحت الأنقاض.
ويؤكد الدحدوح ان الواقع على الأرض افظع بكثير من الكلام عنه..نحن نعيش تحت النار ونتعرض لمصاعب لا يستطيع تحملها اي انسان حتى الأطباء الأجانب الذين حضروا بعض الحالات كانوا يذرفون الدموع قبل ان يشاهدوا دم المرضى وهم يعملون على إنقاذهم في غرفة العمليات. لا يوجد اي مكان في القطاع أمن حتى بيوت الله لم تسلم بحجة ان هناك مفاومين أصبحت المساجد مستهدفة اكثر من اي شيء.
اما حاتم موسى مصور من الأسوشيتد برس فاستهل حديثه في قصة حصلت معه مؤخراً... يقول إستهدفوا منزلاً لم يكن بعيداً عن الموقع الذي تواجدت فيه وفجأة بدأت الشظايا تتناثر من حولي شعرت انني يجب ان انسى الخوف والهلع من المناظر والخطر الذي يحيطني واكملت عملية التصوير... ويكمل حاتم حديثه بشجاعة ومعنوية عالية ويقول نحن نعيش حالة خطر مستمرة دون توقف نخرج لأداء مهامنا الوطنية والعملية والإنسانية ولا نتوقع ان نعود لأهلنا واسرنا وحين نعود بخير نتلمس انفسنا اننا ما زلنا على قيد الحياة لنصدق بأن الحياة ما زالت تنبض في صدورنا.
ويوضح حاتم ان المواطن العادي يمكنه الهرب في حال تعرض المنطقة للخطر لكن المصور أو الصحفي واجبه يحتم عليه البقاء لينقل الخبر ويلتقط الصورة ، ويخبرنا حاتم عن اسوأ موقف تعرض له خلال هذه الحرب القذرة حين كان يصور بعض الجثث ويغص حاتم ليكتم انفاسه التي تعبر عن الحزن الشديد والرغبة في البكاء ويقول مررت على عدد من الشهداء وفجأة شعرت بالأرض تدور بسرعة فائقة وانا مذهول لا أصدق ما أرى لقد كان احد الشهداء صديق عمري على مدار 26 عاماً وقفت فترة امام الموقف الصعب وباشرت عملي.. ويضيف حاتم بعد فقدان صديقي لم اعد ارى معنى لأي شيء ممكن ان اخسره الا الإنسان وهو الوحيد الذي اذا فقدته لا يعود لكني اسأل المولى عز وجل ان يتقبل صديقي شهيداً بإذن الله.
وحاتم لم تقف خسارته عند صديق عمره على حد قوله لكن الألة الصهيونية البشعة لم تتوقف بل قامت بقصف منزله الذي كان يأويه واسرته ووالديه..
ويقول خالد الأشقر مصور في الأسوشيتد برس.. كل شيء في غزة يؤرق الحجر قبل البشر.. اكثر ما يؤثر بنا ويفقدنا صوابنا منظر الأطفال خاصة اذا كانت العائلة بأكملها وهذه الحالات تكررت طبعاً بشكل ملفت مما جعل وضعنا النفسي سيىء.. ويشير خالد نحن نستقبل الشهداء بعزة وفخر لكن بشاعة الإصابات مؤلمة ولا توصف ويسرد خالد قصة الطفل الذي شاهده في مدارس الأونروا حيث قال كانت دموعه تنهمر بغزارة وهو طفل لا يتجاوز الخمس سنوات وحين سألته عن أهله قال حضرت الى هنا مع الجيران وبعد يومين وجدت امي واخي... ولماذا تبكي الأن قال اريد ابي انا اريد ان اذهب لأبحث عنه وأخاف ان يقول لي أحد انه استشهد وقال لنا وكأنه يسألنا ماذا لو كان ابي قد استشهد ماذا افعل انا وكيف أعيش انا وامي واخي ؟،... وقفنا عاجزين امام هذه المشاعر ونحن لا نستطيع مساعدته.
وخيم صمت على خالد وعاد الينا ليقول في غزة كل بيت فيه رواية أصعب من الثانية..وهناك قصة رجل مسن كان خالد قد اطلعنا عليها في حسرة وألم لما شاهده من الموقف حيث قام الرجل المسن بجمع احفاده خوفاً عليهم من القصف الإسرائيلي ليرحل بهم خارج المنطقة وبعد عدة امتار نزلت قذيفة من الطائرات الحربية فذهب بعض الصبية لنجدة ابناء عمهم وجيرانهم فقامت الطائرات باعادة القصف مرة أخرى واصيب الرجل بصدمة وهو يرى اشلاء احفاده امام عينيه دون ان يتمكن من مساعدتهم فما كان منه الا ان اخذ باقي الأحفاد وغادر المنطقة وهو يبكي ويحضن احفاده.
ويقول خالد ان هناك حادثة لا يستطيع ان ينساها ابداً حين قامت الطائرات التي كانت تغطي الدبابات للدخول الى المنطقة بقصف سيارة كانت تقل عددا من المواطنين المدنيين حين ترجل افراد طاقم الدبابة وأحضروا الجرافة وأخفوا معالم السيارة بمن فيها كي لا يخرج منها أحد ، اذا كان ما زال هناك احياء.
ويشير خالد الى ان الكثير من النازحين كانوا يروا اهلهم أو أصدقاءهم ولا يتمكنوا من مساعدتهم لشدة القصف أو لعدم السماح لهم بذلك من قبل الجيش الإسرائيلي ، ويقول لقد شاهدنا الكثير الكثير خلال الإعتداءات على غزة الصمود والتحدي لكن هذه المرة تختلف عن كل سابقاتها.
ويضيف لقد كان الإعتداء في اليوم الأول على المركز الأمني الساعة 40:10 صباحاً وكنت بالصدفة قريباً من الموقع بحكم وجودنا في الميدان تحسباً لأي طارئ وصلت وكان الدخان ما يزال يتصاعد من المركز ووجدت ثلاثة شبان يقومون باسعاف المصابين ومعالم المكان قد تغيرت تماماً ، وبعد أقل من "7" دقائق عادت الطائرات لتغيرعلى المكان مرة اخرى وكان البعض من الأفراد يحمل زميله الجريح وبعد ثوان أصبح الثلاثة شهداء وكان منظر واحد منهم لا يوصف جثته تحترق والدخان يتصاعد منها.
و يقول اننا نتنفس دخان ودماء ورائحة موت ودمار ونار ورماد هكذا تعيش غزة ومن فيها..و بعد هذه المعاناة في اليوم الأول وبعد ان وصلت الى المكتب لتسليم المادة المصورة أصبت بإنهيار تام ومع التفاف الزملاء حولي شعرت اني تجاوزت المرحلة نوعاً ما وعدت لامارس عملي وعودت نفسي بعد ذلك على تحمل اية صدمة لأني لن ارى صدمة في حياتي اكبر من ذلك أشلاء وحروق ودمار الخ..
ويعود بالذاكرة يومين حين كان في مستشفى الشفاء ودخل مع الأطباء الى غرفة العمليات..يقول تم اجراء عمليات بتر أطراف لأربعة اشخاص خلال ساعة لم اتمكن من تقبل المنظر لأنه صعب جداً ولا نستطيع نشره احتراماً لمشاعر المشاهد ، بعد الإنتهاء من العمليات طلبت من احد المرضى تصويره ولم يوافق وكانت الصدمة في الشخص الثاني شاب لا يتجاوز عمره 22 عاما.. كنت انتقي الكلمات لأطلب منه ان ارفع الشرشف عن قدميه لأتمكن من تصويره فقام هو بعد ان قرأ مطلبي في عيوني برفع الشرشف وبادر بالحديث حيث قال لي سأبقى أقاوم حتى ولو بتروا كل أجزائي انني احتسب هذا عند الله عز وجل ويقول خالد بدلاً من ان اخفف عنه مصابه اصبح هو يرفع من معنوياتي ولم يحتمل والده كلامه فجهش بالبكاء وشكر الله سبحانه وتعالى على معنويات ابنه العالية وما كان مني الا ان وضعت الكاميرا جانباً وقبلته احتراماً وتقديراً.
مصور فضل عدم الإفصاح عن اسمه خوفاً من حرمان شقيقته من العلاج خارج غزة أكد ان ما يجري افظع بكثير من افلام الأكشن التي ترصد لها الملايين ووجه نداء لمخرجي هوليوود ومنتجي العالم العربي ليلتقطوا اهم الصور في تاريخ العالم مشيرا الى المجزرة التي قام بها جنود العدو الإسرائيلي تجاه الأطفال الذين كانوا يختبئون في احضان امهاتهم في مدارس الأنروا ، ، وقال ان اولاده كانوا ضمن هؤلاء الأطفال وما زالوا حتى هذه اللحظات يعانون من حالة رعب كلما سمعوا طلقة نار.. ويتساءل كيف وهم يسمعون الصواريخ التي تنزل على القطاع..ويضيف نحن رجال ولا نخاف الموت لكن الشعب هنا اذا لم يقتل برصاصة أو شظايا قنبلة فهو يموت الماً على منظر اهله وهم اشلاء.
وباتصالنا مع زميل أخر قام بالرد علينا شخص بالخطأ وحين عرفته بنفسي وبصحيفتي قال.. اهلاً بأهلنا من الأردن انا ياسر ابو زايد من غزة الصمود والتحدي أقدم تحياتي وشكري العميق لجلالة الملك عبد الله الثاني على ما قدمه من دماء ودعم وأتقدم بالتحية والمحبة للشعب الأردني الشقيق على دعمه المتواصل ، اما نحن في غزة هاشم الصامدة صامدون ولله الحمد المعنويات عالية جداً.











































