شكرا للمقذوفة التي مزقت جسد ناصر!
لو أن الطفل ناصر أبو صعيليك لم يقض بمقذوفة الألعاب النارية التي انفجرت به وبرفاقه الستة في الزرقاء الخميس الماضي، هل كانت ستتحرك وزارة الداخلية؟
ولو أن الفتى، الذي لم يبلغ الثانية عشرة لم تمزق تلك المقذوفة جسده الغض، فهل كان سيطلع علينا وزير الداخلية بتصريحه الناري الداعي إلى وقف استيراد المفرقعات النارية بشكل كامل؟
وهل كان الوزير ومن ورائه جهاز الأمن العام ينتظرون مثل هذا الحادث المأساوي حتى يبادروا إلى مثل هذه الخطوة التي طال انتظارها، وأريقت بحار من الحبر في بيان مخاطرها؟
الملك تابع حالة الأطفال الذين أصيبوا بحادث المفرقعات منذ تناهى النبأ إلى مسامع جلالته، وأمر على الفور بعلاجهم في مستشفيات الخدمات الطبية.
وبعد ذلك مباشرة جاءت هبة الوزير الذي كان أعلن في الحادي عشر من الشهر الماضي أن وزارته "غير قادرة في الوقت الحالي على منع ظاهرة الألعاب النارية أو التخفيف منها، وأننا بحاجة الى الوقت الكافي لتشكيل ثقافة عند المواطنين، ونفاد الكميات المخزنة سابقا".
ألم يكن بمقدور وزارة الداخلية، منذ ذلك الحين، إصدار قرار حاسم وحازم بوقف بيع الألعاب النارية، ومعاقبة الشركات والمحال المنتشرة في الأحياء السكنية التي تبيع تلك المفرقعات للفتية الصغار، كما لو كانت حلوى، أو عصيرا؟
ها نحن انتظرنا حتى توفي طفل في عمر الندى، وأصيب رفاقه الستة بجروح وتشوهات سوف تصاحبهم مدى الحياة، لأن مسؤولين، عبر عهود متتالية، أغمضوا عيونهم عن مأساة لطالما سببت الأذى النفسي والبدني للناس الآمنين.
ولم يكن ناصر، ولن يكون آخر الضحايا، فهو الآن في سلم "المتفجرين" ولقد سبقه إلى مصائر مماثلة صبية آخرون بعضهم فقد ذراعه، وآخر قطع ساعده، وثمة من بترت أصابعه، وأضحى غير قادر على الإمساك بقلم رصاص ليكتب واجبه المدرسي.
وسنبقى نتعامل بمنطق "الفزعة" كلما داهمتنا النوائب والمصائب، ولسوف تشتعل حرائق المفرقعات والألعاب النارية في غير مكان، قبل أن يجف حبر هذه المقالة، ولسوف يخرج علينا "ناطق رسمي" ليشيع في نفوسنا الطمأنينة بأن جهازه يتابع شكاوى المواطنين بكل اهتمام، ويحرص على راحتهم، ويسهر على أمنهم. ولسوف نبقى، في أثناء ذلك، نعيش على وقع صليات الألعاب النارية، والرصاص الحي. ولسوف ننهض وأطفالنا من نومنا مذعورين، لأن أحدا أراد أن يبتهج على طريقته الخاصة، ولتذهب السكينة والدعة إلى الجحيم.
وياما سوف نردد الكلام ذاته: المسؤول يعد ويتوعد، والمواطن المستسلم لأقداره يتذمر، ويوزع مفرقعات اتهاماته في كل الاتجاهات، والنتيجة المرة: ازدياد الاحتقان النفسي والتوتر، واستمرار متوالية العنف الذي يضرب في كل مكان، ولا أحد يهتم بما يجري، كأن الحريق يجري في غابات الأمازون، وليس بين ظهرانينا، وعلى مقربة من أصابع أقدامنا العشرة أو التسعة، ففي زمن المفرقعات والرصاص الحي يتعين على كل واحد منا أن يحصي أعضاءه قبل أن تدهمه صاعقة من حيث لا يحتسب فيقعد ملوما محسورا.











































