شبان أردنيون يخوضون غمار فن لا يزال يبحث عن هويته

الرابط المختصر

شبان أردنيون هدفهم واحد "التعريف بنتاجهم السينمائي" في بلد يفتقر إلى السينما، والداعم الرسمي لهم "الحكومة" من خلال هيئة أسُست عام 2003، وهي الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، إضافة إلى رعايات متفاوتة من بعض المؤسسات الخاصة. مجموعة أفلام ليست قليلة، مدتها قصيرة لا تتجاوز كل واحد منها النصف ساعة في غالبها، وتناقش قضايا وظواهر اجتماعية موجودة داخل المجتمع الأردني؛ هي موضوعات لم يعتد المشاهد الأردني أن يتابعها في أفلام، لكن رغم عرضها في أكثر من مكان، ظل الحضور لا يتجاوز العشرات، موزعين بين أقرباء المخرجين والوسط الصحافي وعدد قليل من المهتمين.



"بيت وشجرة" لسهاد الخطيب، "الحياة مؤقتاً"، لمحمد الحشكي، "عربيزي" لدالية الكوري، "حمدان وزيدان" لباسم ناصر وتامر النبر، "شطارة" لسمر العزة، "ست دقائق" ليحيى العبد الله، "بدوزوم" عبير صيقيلي، "طفولتي والحجر" لمعتز جانخوت، وغيرها الكثير، هي أفلام موزعة بين مشاريع تخرج أو أعمال خاصة، وتنوعت مستوياتهم وطرحهم للقضايا المتناولة، بين أفلام وثائقية وقصة وفيديو كليب.



هذه الأفلام عُرضت في أكثر من فعالية، وفي مناطق مختلفة من عمان والمحافظات، وذلك كما يلفت القائمون على الهيئة أن الأفلام كثفت عروضها بغية "إبراز وترويج أعمال مبدعين أردنيين، بالإضافة إلى ترويج ثقافة الأفلام، ومنح الجمهور فرصة التعرف على نمط غير معهود من الأفلام، والاستمتاع في التجربة السينمائية".



هل حققت الهيئة أهدافها بعد مضي مدة على عروض الأفلام، وهل تقبل الشباب الأردني أعمالا سينمائية جديدة من أقرانهم، يقول الشاب رياض العمري "تجربة جديدة لشباب أرادوا أن يخترقوا فن يعتبر من الفنون غير الموجودة أو المنقرضة في الأردن". رياض كان من بين القلة القليلة التي حضرت إحدى العروض والتي أقيمت في مسرح البلد –الواقع وسط البلد- وتم عرض أكثر من سبعة أفلام دفعة واحدة، وكان حضوره عن طريق "إعلان بالجرائد" وأنه وجدها بالشيء الغريب لأردنيين شباب يخوضون تجربة جديدة".



وحول العروض التي تابعها العمري "تقريبا أغلب الأفلام تابعتها وباهتمام شديد"، وعن رأيه بالأفلام "لا أريد أن أنتقص من قيمة أي عمل، لكن هناك عروض بحاجة إلى مراجعة من حيث النص وطريقة الإخراج".



رأي الشاب رياض، لا يختلف تقريبا عن رأي اللجنة العليا للإنتاج السينمائي الأردني، والتي نظمت مؤخرا مسابقة بين الأفلام الأردنية المشاركة، وقسمت الجوائز إلى ثلاثة أقسام: الأفلام الروائية، الأفلام التسجيلية، أفلام الرسوم المتحركة، حيث حجبت الجائزة الذهبية عن فئة الأفلام التسجيلية، والجائزة الأولى لأفلام رسوم الكرتون، وحصد الجائزة الثانية عن فئة الأفلام التسجيلية فيلم "طفولتي والحجر" لمعتز جانخوت، والدرجة الثالثة مناصفة بين يحيى العبد الله ودالية الكوري عن فيلمهما "ست دقائق" و"عربيزي". ونال فيلم "جرعة زائدة" للمخرج عمار قطينة جائزة الأفلام الروائية القصيرة، فيما حصل فيلم "عالية" إخراج تالين قرش على الجائزة الثانية، ونال فيلم "حمدان وزيدان" إخراج باسم ناصر الجائزة الثالثة.



وكانت لجنة التحكيم المكونة في جلها من نقاد وسينمائيون أردنيون، قد قالت في كلمتها الرئيسية والتي ألقاها الممثل الأردني المخضرم جميل عواد عن حجب جوائز الدرجة الأولى عن الأفلام كونها لم تكن متكاملة "الجودة" في نصوصها وتصويرها وفكرتها –وهو ما يبرره الشباب من عدم وجود دعم مادي يغطي هذه الانتقادات-.



رغم مجموعة من العوامل "غير المشجعة لعمل الشباب" فإنهم يحاول أن يقدموا مفهوما جديدا من الفنون في مجتمعهم الأردني -المشغول أصلاً بلقمة العيش- لكن هل من الخطأ أن نطرح قضايا الشباب وهموم المجتمع عبر أفلام توثيقية أو روائية، يشاهدها كل المواطنين.



يحيى العبد الله شاب أردني، سعى من خلال أفلامه "ست دقائق" و"جدتي لطيفة" -شاركت في عدة فعاليات- وتبنت أعماله الهيئة الملكية، أن يحقق ما يصبو إليه الشباب تقديم أعمال سينمائية ملفتة، وقد شارك فيلمه "ست دقائق" بمهرجان الجزيرة للأفلام قبل فترة وجيزة، حائزا حينها على جائزة الدرع الذهبي، من بين 45 فيلما من كل الأقطار العربية، ويخبرنا عن فيلمه "يتحدث عن وضع الشباب في الوطن العربي ماذا يعرف الشباب في الوطن العربي، ومن هو البطل الآني والذي صنعته وسائل الإعلام، قمت بوضع أسئلة متنوعة تتناول جل جوانب الحياة من سياسية وثقافة وجغرافيا والمعرفة العامة، وكانت العينة هم طلاب الجامعات والذي يفترض بتمتعهم بالمعرفة الدنيا على الأقل، لكن إجاباتهم كانت في غاية التعقيد والغرابة، لا تنم عن شيء سوى عن تضخم الأنا كونهم لا يقولون لا نعرف إنما لا بد عليهم الجواب..ومن خلال المقابلات التي قمت بها تبين مدى ضحالة الثقافة التي يتمتع بها الطلاب، مع الإشارة إلى فكرة الفيلم انطلقت من أن المواطن العربي يقرأ خارج منهاجه ست دقائق، وكان آخر سؤال عن من مغنية آن ونص وكانت الجميع يعرف لذلك كانت نانسي عجرم البطلة".



الخوف، كان الشعور الذي لازم يحيى لحظة العروض الأولى لفيلمه، يقول " كنت خائفا من عرض الفيلم، أريد معرفة رد الجمهور، ولكن حينما عرض أولا ضمن عروض الهيئة الملكية، لم أستطع التحدث إلا بعد دقائق، بسبب التصفيق الحار، وهذا ما أعطاني دفعة كبيرة نحو الأمام، ويثبت أن جمهورنا متعطش للإنتاج الأردني، وهذا ما دفعني إلى تحضير فيلم جديد يتحدث عن هموم الشارع الأردني".



مخرج فيلم "طفولتي والحجر" الحائز على الجائزة الأولى في مسابقة أفلام أردنية قصيرة مؤخراً، معتز جانخوت، يقول "رغم أنه أنتج عام 2001 وهو قديم إلا أنه تناول حياة الطفل الفلسطيني فارس عودة الذي قتل وعمره 14 عاما، وقد شاركت فيه بأكثر من عروض تابعة للهيئة الملكية وغيرها وكان الاهتمام عليه جيد لما يحتويه من جانب إنساني".



هل لدى الشباب ثقافة سينما، يقول معتز "نحن لدينا مشكلة ليست في الأردن فحسب إنما في العالم ككل، هناك ناس تبحث عن ثقافة السينما وآخر يبحث عن سينما المؤلف، والأردن لا يزال عن ماذا يبحث، لكن ما زال يبحث السينمائيون في الأردن عن هوية سينمائية محددة".



كيف تقبل الجمهور عروض الأفلام يعلق معتز "يوجد إقبال لكنه ضعيف، بالمقابل قد تجد عروض الإقبال عليها رهيب، سواء كانت العروض بالهيئة الملكية للأفلام أو الهيئة العليا أو شومان"، وعن فيلمه (رسالة من سارة) يقول "عرض في مهرجان الفيلم الأردني القصير الأول وتفاجأت أن حضور الشباب وردود أفعالهم كانت ملفتة جداً، أما مشاركاتي في مهرجانات أفلام في المغرب ومصر وأوروبا كانت جيدة الأصداء، لكن للأسف لا توجد جهات في بلدنا تتابع"، وحول الإقبال "هناك ردود أفعال جيدة جداً من يونان وفرنسا وبريطانيا".



قصة فيلم "رسالة من سارة" تتناول حياة فتاة فلسطينية صغيرة خرساء تريد أن توصل إلى العالم ما يحصل في بلدها فلسطين من قتل مجاني ودمار وما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال الفلسطينيين.



ويتحدث معتز عن حرية طرح الأفكار ومعالجتها، قائلاً "مثلا طالبني كثيرون بأن أقوم بإعداد فيلم روائي عن فارس وكوني أنتجت فيلم طفولتي والحجر كتوثيقي، إلا أنني صدمت من عدم حريتي في الطرح كوني سأقيد وفعلا هذا ما كان". معتز لا ينكر أن يبحث مرارا عن مصادر تمويل أوروبية لكن للأسف لا أحد يهتم".



من يدعم الشاب الأردني في إنتاج أفلام، يتساءل يحيى العبد الله ويقول "تلقينا الدعم في السابق من صاحب تعاونية عمان للأفلام حازم البيطار، له الفضل الكبير علينا كمخرجين، ثم بدأت الهيئة الملكية التعاون معنا من خلال توفير الممثلين وعرضها في مناطق المملكة وتسهيل التصوير، لكننا لا زلنا نعاني من الدعم المادي، وهي باعتقادي أكبر تحدي يواجهه المخرج الأردني".



رغم ذلك، المال ليس كل شيء، يعلق يحيى "والدليل على ذلك السينما الإيرانية لا توجد ميزانيات لها والأفلام مهمة جداً ومتابعة عالمياً لكننا سنقوم بعمل الأفلام حتى يأتي الدعم".



ويتفق معتز مع زميله يحيى في أن الأموال الكبيرة قد تكون ليست العائق لذلك "إذا أنتظر الواحد منا تمويلا ضخما، فالأولى له أن يقعد في البيت" داعيا المؤسسات الأردنية إلى "أن تهتم كثيرا بالفيلم القصير وكذلك الشباب المبدع والذي يعمل في حقل السينما".



في حين تقول مخرجة فيلم "عربيزي" دالية الكوري أنهم "محظوظون" لأن فيملها وأفلام زملائها عرضت في أماكن كان الحاضرون فيها مهتمين بالسينما، وتقول "ردود فعل من حضر العروض كانت إيجابية جداً، أدرك بعضهم ما قمنا به، يتوقعون أن أخطأت هنا، أو هناك ويوجد ناس عّبر عن انزعاجه مثلا من صوت غير واضح وهكذا".



وتتابع.."أفكاري التي أقوم بها لا تحتاج إلى كثير من المال، فهي من الواقع، أقوم عبر كاميراتي الصغيرة بالتصوير"، "هذا واقع علينا تقبله، فنحن نقوم بأفلام من كل قلبنا، ومل هذا دون أي مردود مادي أبداً، حتى هذه اللحظة لم أحقق أي دخل مادي".



وتتحدث عن فيملها "عربيزي".."يتناول فيلمي ظاهرة من يخلطون بين اللغتين العربية والإنجليزية ومن هنا جاء اسم الفيلم، وأنا أعاني من هذه الظاهرة لذلك كنت المعنية أيضا بالفيلم والمستهدفة، وأطرح في الفيلم القلق والخوف على لغتنا العربية"..الفيلم وثائقي يتجول بين شباب في الشارع معتمداً على العفوية في طرحه.



وعن باقي أفلام الشباب، فهناك مجموعة أفلام لأمين مطالقة، وهو مخرج أردني يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، شارك في العروض التي أقيمت بمسرح البلد وسط البلد، بفيلمه القصير "مفترق طرق"، والذي يتناول فيه قصة طالبة جامعية من الطبقة أرستقراطية، تحاول أن تغير حياة طفل فقير يبيع العلكة والمحارم الورقية في الشارع، وكذلك فيلم "صليبا بالحمام" متناولاً شخصية شاب يدعى صليبا يحاول أصدقاؤه إقناعه بالخروج من الحمام في قالب كوميدي، إضافة لفيلمين "لندن تحتج" و"الإسراع للعمل" لليث المجالي وفيلم للمخرج عمر صالح بعنوان"رجل القرار"، أما فيلم "بدوزوم" فهو فيديو كليب يتناول أغنية أردنية تراثية تم تناولها بطريقة معاصرة عبر ألعاب متحركة مستخدمة فيها إيقاعات سريعة، الفيلم من إخراج عبير صيقلي، كذلك فيلم الكرتون "أحوال هلال" لعميد عبد الحفيظ المقتبسة فكرته من رسومات فنان الكاريكاتوري الأردني عماد حجاج. أما فيلم "حمدان وزيدان" للمخرجين باسم ناصر وتامر النبر المشترك يتحدث عن شاب يقدم الأخبار ضمن قالب كوميدي يقف مع طفل صغير في ملعب ومنتمي لفريق الوحدات، ويتضمن الحوار مفارقات مضحكة حول إجابات الطفل البسيطة وبرجوازية المذيع.

أضف تعليقك