شباب اللجوء يقاومون الفقر لأجل التعليم

شباب اللجوء يقاومون الفقر لأجل التعليم
الرابط المختصر

في الوقت الذي تعلن فيه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين عن "تراجع نسب التعليم بين صفوف الشباب"، تمنع الحكومة الأردنية الغزيين ممن لا يملكون أرقاما وطنية من مزاولة جملة مهن. وتظهر في مدارس مخيم جرش أو غزة ما يعرف بـ"الصفوف الطيارة" كحل لاكتظاظ الطلاب.

هذا التقرير استند على زيارة ميدانية لمخيم "غزة" أو "جرش" رسميا، والذي يضم قرابة عشرين ألف نسمة من الغزيين الذين يحملون الجواز المؤقت، في المنطقة المحاذية لمدينة جرش. نتوقف في هذا التقرير على الواقع التعليمي للشباب وفرصهم في التعليم الجامعي.

صف طيار

قتيبة، طالب في الصف العاشر، يميل إلى أن يتوقف عن الدوام في مدرسته داخل المخيم، فهو كما يوضح لنا يتلقى تعليمه في أحد "الصفوف الطيارة"، كما يطلقون عليها. ويعرّف مكتب تنمية المجتمع المحلي "الصف الطيار" بأنه تجمع طلاب في باحة المدرسة نتيجة عدم توفر غرف صفية لعدد من الطلاب حيث يتنقل الطلاب من صف إلى آخر أو إلى الساحة أو إحدى الغرف الفارغة لأخذ الحصة الدراسية، هذا بالإضافة إلى فقر المرافق الأخرى في المدرسة سواء الصحية أو التثقيفية.

يقول قتيبة أن إدراكه للدروس متدن، "لا أستطيع الفهم". ويلقي السبب على واقع صفه الدراسي الذي يحولهم إلى أعداد تتلقى تعليما غير نوعي وحسب. ويؤكد أن باقي صفه يشابهونه في هذا الحال.

حلم مزاولة المهنة

لا تبدو الصورة قاتمة لدى الشاب مروان الكردي، 20 عاما، فرغم أنه يدرس حاليا تخصص "الهندسة المدنية" في جامعة آل البيت، يدرك أن فرصته في سوق العمل الأردني "غير متاحة" لعدم امتلاكه الرقم الوطني، لكنه يعلق أملاً على "نقابة المهندسين الأردنيين" التي "تضم خريجي الهندسة ممن لا يحملون الرقم الوطني بسجلاتها، ما يتيح لي التدريب، وكل شركة لها الخيار في أن أعمل لديها أم لا، ومعنى هذا أن فرصتي كبيرة".

نقابة الصيادلة تعتبر أن مزاولة المهنة أمراً متعلقا بوزارة الصحة، فهي من تمنح شهادة مزاولة المهنة لخريجي الصيدلة من قسم مؤسسة المهن. والشابة نور أبو سرحان درست الصيدلة في جامعة فيلادلفيا، ولم تكن تعرف أن عدم حصولها على مزاولة المهنة سيقعدها في البيت.

مروان وأصدقاء له داخل مخيم غزة، يحصلون على فرصهم في التعليم الجامعي، إما بمقاعد محددة مخصصة لأبناء المخيمات بالتنافس أو عن طريق مقاعد مخصصة للسفارة الفلسطينية، وغير ذلك لا يستطيع الواحد منهم إكمال تعليمه الجامعي إلا على نفقته الخاصة والغالبية لا تقوى على التكاليف المالية الباهظة.

دراسة أجراها مكتب تنمية المجتمع المحلي التابع لمخيم جرش، في حزيران 2009، أشارت إلى أن تدني نسب التعليم بين صفوف الشباب تعود إلى "معاملة الطالب من مخيم غزة كطالب أجنبي من حيث الرسوم، باستثناء الذين يحصلون على مقاعد عن طريق مكرمة المخيمات أو السفارة الفلسطينية، ولكن تبقى نسبتهم قليلة".

تأسس مكتب تنمية المجتمع المحلي في أيلول 2007 كجزء من مشروع دعم لاجئي غزة في مخيم غزة بتمويل من الاتحاد الأوروبي. يعتبر مؤسسة تطوعية مجتمعية تتبنى نهج المشاركة من أجل التنمية. ويركز على بناء قدرات الأفراد في المخيم وتفعيل دور الشباب.

ويرى مروان نفسه محظوظا فيما لو قارن حاله بالشاب فائق غيث، 36 عاما، الذي استذكر في لقائنا مع مجموعة من شباب المخيم، ما كان يحلم به: "دراسة طب الأسنان في إحدى جامعات الهند"، كانت فرصة لكن الظروف المادية فرضت عليه البقاء داخل المخيم. يقول: "بقيت دراسة طب الأسنان حلما يراودني"، ويذّكر زملاءه الذي يصغرونه في العمل التطوعي داخل المخيم، بأنه حالياً يعمل مساعدا لطبيب الأسنان في عيادة الوكالة.

في أيار العام 2007 أجرت وكالة الغوث مسحاً شاملاً لجميع الأسر في مخيم غزة، بتمويل من الاتحاد الأوروبي. أوضحت فيه أن نسبة الأمية بين السكان، 15 عاما فما فوق، مرتفعة في مخيم غزة (13.8%) مقارنة بنسبة الأمية في الأردن (7.5%). بينما تعتبر نسبة الذين يتابعون دراستهم بعد إنهاء المرحلة الثانوية قليلة، 13.2% مقارنة بنسبة 22% من مجموع السكان في الأردن.

تتضمن هذه النسبة (13.2%) من يكملون دراستهم في المجال المهني وكليات مجتمع (دبلوم) والجامعات (بكالوريوس وماجستير ودكتوراه) حيث بلغت نسبة الذين يحصلون على درجة البكالوريوس 6.5% بينما تنخفض النسبة إلى 0.3% للذين يحصلون على درجة الماجستير و0.1% للحاصلين على درجة الدكتوراه.

كما تعتبر نسبة عدم الالتحاق بالمدارس "كبيرة" للأطفال بين 6-18 عام حيث تبلغ 9.1%. وتعزو الدراسة ذلك إلى "النسبة العالية للفقر، والافتقار إلى القدرة المالية لإتمام الدراسة ومواكبة طلاب المملكة والحاجة إلى العمل بالإضافة إلى ضعف التحصيل العلمي لدى الطلاب".

انتظار المكرمة

محمود رياض 19 عاما ينتظر أن يحوز على مقعد جامعي ضمن المكرمة الملكية المخصصة لأبناء المخيمات، ليكمل تعليمه الجامعي ويدرس تخصص التمريض. ولكنه لا يخفي خوفه من أن لا يحوز على المقعد، مستمدا المساندة من أصدقائه الذين يدعمونه نفسياً.

وتُخصص المكرمة الملكية لأبناء المخيمات نسبة 5% من المقاعد الجامعية (درجة البكالوريوس) بحيث توزع حسب الكثافة السكانية في كل مخيم، "علماً بأن قاطني معظم المخيمات الأخرى يحملون الجنسية الأردنية وبالتالي لديهم فرصة الحصول على مقاعد جامعية كأردنيين" حسب دراسة مكتب التنمية المجتمع.

منال شريتح، 25 عاما، كانت محظوظة عندما استطاعت بإصرارها أن تدرس "الرياضيات" في جامعة آل البيت. فيما أضاعت قبل ذلك سنة كاملة بعد أن سُحبت منها منحة المكرمة لتأخرها في إصدار وثيقة سفر كانت شرطا في تقديم الطلب والقبول.

تنظر منال بعين الأسى لشقيقها محمود الذي درس طب أسنان 8 سنوات، ثم اصطدم بعدها بحاجز "ممنوع مزاولة المهنة" ما حدا به إلى العمل في صيانة الكمبيوترات في دولة الإمارات العربية المتحدة، تاركا شهادته الجامعية في خزانته.

وتعدد الدراسة جملة مهن لا يستطيع أبناء غزة مزاولتها منها: العمل في القطاع العام، طب الأسنان، المحاماة، الهندسة الزراعية، المحاسبة القانونية، الصيدلة والقطاع السياحي.

"كأن الحديث عن التعليم ليس حقا إنما حلما ليس واقعيا. حقاً إنه لشيء محزن"، يقول مدير خدمات مخيم جرش، شريف الفاعوري، في حديثه عن واقع الشباب وفرصهم في التعليم الجامعي.

ويعزو الفاعوري سبب ارتفاع معدلات البطالة داخل المخيم إلى الواقع السيئ الذي يعاني الشاب، من قلة فرص التعليم والاتجاه نحو الأعمال الحرفية.

السفارة: نتعامل مع المخيمات بإنصاف

دراسة مكتب تنمية المجتمع المحلي انتقدت آلية توزيع المقاعد المتوفرة للسفارة الفلسطينية (350 مقعد) الموزعة على الفلسطينيين، حيث تعطي السفارة الأولوية للفلسطينيين في الداخل، ولكن الوضع القانوني لأبناء قطاع غزة في الأردن ليس واضحا في حسابات السفارة عند وضع الأولويات وتوزيع المقاعد. بينما دافعت السفارة في عمان عن ذلك في بيان لها سبق وأن نشرته وسائل الإعلام بأن "كل حالة تتم دراستها على حدة ونتعامل مع طلاب المخيمات بإنصاف".

ويبلغ عدد سكان مخيم جرش المعروف بمخيم غزة حوالي 20.000 نسمة، يعيشون على مساحة 750 ألف متر مربع، ويضم 2200 وحدة سكنية، أسس منذ العام 1968.

يتجمهر بعض شباب المخيم على مدخل مخيمهم، وكأنهم يقفون أمام خيارين لا ثالث لهما؛ الدراسة والعمل في مهن حرفية، أو العمل مباشرة في تلك المهن دون صرف الوقت في الدراسة.