شاهد..أفلام عالمية تناولت كارثة الزلازل
على مر العصور، شكلت الزلازل واحدة من أكثر الكوارث الطبيعية تأثيراً ورعبًا على عقول البشر في جميع أنحاء العالم. هذه الظاهرة القوية والمرعبة ليست مجرد مصدر للخوف والإثارة في
الواقع، بل أصبحت أيضًا مصدرًا رئيسيًا لإنتاج السينما والدراما. من خلال سردها على الشاشة، تمكنت هذه الأفلام من نقل تجربة الزلازل بشكل واقعي للجمهور، مما يجعلهم يشعرون برعب الهزات الأرضية وتداعياتها، حيث يمكنهم تخيل أنفسهم وسط الفوضى والدمار الذي يترتب على هذه الكارثة الطبيعية.
سان أندرياس.. أهوال الزلزال على الشاشة
سان أندرياس هو اسم فالق جيولوجي ضخم، يمتد على طول مئات الكيلومترات قاطعا ولاية كاليفورنيا الأميركية على الساحل الغربي، من جنوبها إلى شمالها، ممثلا واحدا من أكبر الفوالق الطبيعية في أميركا الشمالية. هذا الفالق معروف تاريخيا أنه من أكبر بؤر الخطر التي من الممكن أن تتسبب في هزات أرضية عنيفة، في منطقة مليئة بالسكان والأبنية والنشاط البشري والإنتاج الصناعي والتقني، مما يُعَدُّ تهديدا لأرواح الآلاف من البشر.
يضرب زلزال عنيف منطقة لوس أنجلوس وخليج سان فرانسيسكو، يؤدي إلى دمار هائل في الأبنية والمنشآت، يجعل محقق الإنقاذ الجوي "راي غينس" يتوجه إلى البناية التي توجد فيها ابنته وينقذها بصعوبة بالغة. في الوقت نفسه، يكتشف العلماء أن هذا الزلزال قد تسبب في تصدع كبير في فالق سان أندرياس، وأنه فقط مجرد بداية لحزمة كبيرة من الزلازل الارتدادية عنيفة التأثير، تتسبب في انهيارات ضخمة للمنشآت والسدود وموجات تسونامي عملاقة.
هنا يقع "راي" في المأزق الأخلاقي الأكبر: هل يستغل كل مهاراته في الإنقاذ الجوي لإنقاذ أسرته فقط تحديدا، أم يسارع لإنقاذ الآخرين؟ هذا المأزق يتولد وسط العديد من المواقف والأهوال التي يراها إثر الدمار الهائل الذي تسبب فيها الزلزال وموجاته الارتدادية، التي نشأ عنها موجات تسونامي عملاقة اجتاحت ساحل المدينة. كل ذلك جسَّده فيلم "سان أندرياس" (San Andreas) الذي أُنتج عام 2015 ولعب دور البطولة فيه ممثل الحركة والمصارع السابق الشهير "دواين جونسون".
الفيلم يُعَدُّ واحدا من أشهر وأفضل أفلام الكوارث الطبيعية التي أُنتجت خلال القرن الحالي، ويحتوي على قدر هائل من المشاهد البصرية المذهلة التي تجسد مأساة الزلزال وتوابعه، وهو ما انعكس على إيرادات الفيلم الضخمة التي قاربت نصف مليار دولار في شباك التذاكر، انطلاقا من ميزانية ضخمة تجاوزت 100 مليون دولار.
ورغم أن الفيلم يناقش حدثا خياليا، فإنه يترك رسالة مُقلقة أيضا، مفادها أن فالق سان أندرياس ليس هو الأثر الجيولوجي الآمن الذي تعيش بجانبه، وأن زلزالا قويا في هذه المنطقة المعروفة أصلا بكثرة الزلازل قد يُخلِّف دمارا لا أحد يريد أن يشهده أو حتى يتخيله!
الموجة.. تسونامي في الأفق
لقطة من فيلم "الموجة" النرويجي. (مواقع التواصل)
في أجواء رائعة، كان كريستيان إيكجورد الخبير البيولوجي يقضي وقته في منطقة سياحية شمال النرويج حيث يمارس آخر مهامه التي انتُدِب إليها في تلك المنطقة، ثم يقضي بقية اليوم وسط المشاهد الخلابة. لكن يبدو أن الأقدار كان لها رأي مغاير تماما للخطة التي رسمها الرجل في يوم دوامه الأخير.
يُفاجأ كريستيان وبقية السياح في المنطقة بهزات أرضية عنيفة غير معلومة المصدر، وبحدسه الجيولوجي يتخوَّف الخبير من احتمالية قدوم موجات تسونامي عملاقة بعد هذه الهزات. يصدق حدسه، ويكتشف الجميع أن هناك أمواج تسونامي هائلة الارتفاع تصل إلى 80 مترا في طريقها إلى ضرب الساحل المليء بالسياح الذي يفتقد أدوات مواجهة هذا النوع من الكوارث الكبيرة.
يصل التحذير إلى الجزيرة السياحية أن أمام الجميع 10 دقائق فقط حتى تصل موجة تسونامي إلى الساحل، التي من المتوقع أن تتسبب في تدمير المنطقة بالكامل. هنا تبدأ الأحداث الكبرى لفيلم "الموجة" (The Wave) النرويجي الذي أُنتج عام 2015، وعُدَّ واحدا من أفضل الأفلام النرويجية على الإطلاق التي تسلط الضوء على الكوارث الطبيعية. الفيلم -مع إثارته ومشاهده البصرية المدهشة- أُنتج بميزانية متواضعة نسبيا، وحقق إيرادات كبيرة مقارنة بالسينما الأوروبية.
الهزة.. زلزال في قلب العاصمة
هذه المرة لم يضرب الزلزال ضربته في البحر متسببا في موجة تسونامي عملاقة تأكل الأخضر واليابس، بل كانت الضربة في العاصمة النرويجية أوسلو نفسها، ليجد الخبير الجيولوجي "كريستيان إيكجورد" نفسه في مواجهة جديدة مع غضب الطبيعة بضربة مباشرة في قلب المدينة. هذه هي القصة الأساسية لفيلم "الهزة" (The Quake) النرويجي الذي أُنتج عام 2018 بوصفه جزءا ثانيا عقب النجاح الكبير الذي حققه فيلم "الموجة".
رغم أن قصة الفيلم خيالية، فإنها تستمد بعض الحقائق من الزلزال المدمر الذي شهدته العاصمة النرويجية عام 1904، وعُدَّ من أكثر الزلازل تدميرا في البلاد. يعج الفيلم بالكثير من المشاهد التي تجسّد الدمار الهائل الذي يتسبب فيه الزلزال، في واحدة من أكثر عواصم العالم رقيا وتخطيطا وتنظيما، التي تتحول إلى أطلال خلال دقائق، مُخلفة دمارا هائلا وعشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمُصابين الذين يحاولون النجاة.
الفيلم حقق انتشارا واسعا ومراجعات نقدية إيجابية، وعُدَّ -إلى جانب الجزء الأول- من ضمن أفضل أفلام الكوارث الأوروبية خلال العقد الماضي. في عام 2022، أُنتج الجزء الثالث من هذه السلسلة بعنوان "البحر المشتعل" (The Burning sea)، ولكنه لم يحقق النجاح نفسه الذي حققه الجزءان الأول والثاني.
المستحيل.. زلزال المحيط الهندي
فيلم "المستحيل" يُعَدُّ واحدا من أفضل الأفلام الذي جسّد توابع زلزال المحيط الهندي 2004. (مواقع التواصل)
عندما توجّه السائح الإنجليزي وأسرته إلى تايلاند، لم يكن يخطر بباله أي شيء سوى قضاء عطلة عيد الميلاد بعيدا عن بلادهم الباردة، والاستمتاع بالدفء والحياة في هذه البلاد الساحرة المعروفة بالسياحة الرخيصة والآمنة. في البداية لم يكن هناك سوى الشمس المشرقة والفندق الأنيق والأجواء الساحرة وحمامات السباحة وشاطئ البحر المبهج، ولكن كل شيء تغير في لحظات.
كان هذا في نهاية عام 2004، حيث عطلات الميلاد، ليصم الآذان صوت مُفزع، ويُفاجأ الجميع عند النظر إلى الأفق بجدار هائل من أمواج تسونامي العملاقة تتوجه إليهم بسرعة كبيرة. لم يعرف السائحون وقتها أن هذه الموجات الضخمة نتيجة للزلزال المُدمّر الذي ضرب المحيط الهندي يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 2004، وتسبب لاحقا في مقتل أكثر من ربع مليون شخص في إندونيسيا ودول الجوار في آسيا.
رحلة النجاة من موجة التسونامي العملاقة بكل ما تخلقه من فوضى وغرق وأحداث مرعبة هي محور أحداث فيلم "المستحيل" (The Impossible) الذي أُنتج عام 2012 ولعب دور البطولة فيه النجمان إيوان ماكجريجور وناعومي واتس. الفيلم يجسد أحداثا حقيقية سجّلها أرشيف الكارثة التي وقعت في المنطقة بعد ضربة الزلزال، ومحاولة الجميع الفرار من موجات المياه التي تجتاح كل شيء في طريقها، مسببة مقتل الآلاف من الأشخاص وتدمير المنشآت والبنية التحتية، وسط أزمة كبيرة في جهود الإنقاذ.
حقق الفيلم نجاحا عالميا كبيرا بإيرادات تجاوزت 180 مليون دولار، ولا يزال يُعَدُّ من أهم أفلام الكوارث التي أُنتجت خلال القرن الحالي على خلفية كارثة حقيقية تُعَدُّ هي الأسوأ على الإطلاق خلال العقود الأخيرة.
الزلزال.. تتبع لقصص النجاة
ركز فيلم "الزلزال" على تتبع قصص لعدد من الضحايا والناجين إثر زلزال تخيلي ضرب مدينة لوس أنجلوس وأحاله إلى أطلال. (مواقع التواصل)
فيلم "الزلزال" (The Earthquake) الذي أُنتج عام 1974 يعبر عن اسمه بالضبط. الفيلم لا يضع أي حبكة درامية شاملة بقدر ما هو عبارة عن مشاهد مطولة لزلزال تخيّلي بشدة 9 ريختر ضرب مدينة لوس أنجلوس وأدى إلى تدميرها بالكامل، وترصد أحداثه محاولات العديد من الأشخاص في وظائف ومواقف مختلفة للهروب من الزلزال المدمر.
أكثر من أي فيلم آخر في هذه القائمة، ركز الفيلم على تفاصيل الهزات الأرضية وتفاعل الناس معها فزعا وهربا بشكل واقعي يخلو من مؤثرات بصرية باهرة إلى حدٍّ كبير كالتي تتميز بها سينما اليوم. لذلك، كانت مشاهد الهزات الأرضية وانهيارات المباني تفقد عنصر الإبهار ولكنها أقرب إلى الواقع، مع تعمّد المخرج توضيحها ربما بشكل مبالغ فيه، إلى حد وجود مشاهد تتجاوز سبع دقائق كاملة تجسِّد تفاصيل الهزة الأرضية.
على مدار ساعتين، يستعرض الفيلم قصصا متفرقة لأشخاص كانوا يمارسون حياتهم العادية عندما وقع الزلزال؛ سائق الشاحنة الذي انهار تحته الجسر أثناء القيادة، الشابة التي تجلس في صالة السينما لمشاهدة أحد الأفلام، وغيرها من المواقف التي صوَّرها الفيلم الذي حقق إيرادات جيدة بمعايير ذلك الوقت، تجاوزت 80 مليون دولار، فضلا عن ترشحه لعدد كبير من الجوائز العالمية.
موجة مد وجزر.. الكارثة تنهي الخلافات
جسّد فيلم "Tidal wave" الظاهرة الأخطر تأثيرا للزلازل على المدن الساحلية، وهي موجات تسونامي العملاقة. (مواقع التواصل)
في ضاحية هيونداي التابعة لمدينة بوسان الساحلية الكورية، وفي إطار حياتي عادي تماما مليء بالمشكلات والخلافات الاجتماعية بين عدد من الأشخاص والعائلات الذين يقطنون المنطقة المُطلة على البحر، يأتي التسونامي من بعيد ليحول المشهد كاملا إلى محاولات للنجاة لا أكثر. كل العداوات والمشكلات اختفت في لحظات، وحل محلها هدف واحد وهو النجاة من التسونامي الذي ضرب المدينة إثر زلزال المحيط الهندي عام 2004.
كان أول مَن تنبأ للخطر هو البروفيسور كيم أستاذ الجيولوجيا البحرية الذي حدد مكان الضربة، وحاول أن يُقنع السلطات وأهل البلدة والمصطافين بالخطر الذي سيواجهونه بعد قليل، وقدوم موجات تسونامي عملاقة بسرعة 500 ميل في الساعة، مع المزيد من مخاطر الهزات الأرضية الارتدادية بعد سلسلة هزات ضربت قاع البحر.
فيلم "مد وجزر" (Tidal wave) هو فيلم كوري جنوبي من إنتاج عام 2009، تدور أحداثه حول كارثة تسونامي أصاب مدينة كورية جنوبية إثر الزلزال. الفيلم يجسد -مثل كل أفلام الكوارث الطبيعية- رحلة الأبطال لمحاولة النجاة من الأمواج العاتية، وإن كان أبرز ما في سياقه الدرامي هو التحول الكبير من مشاهد جدالات الحياة اليومية المعتادة إلى مشاهد الفزع أمام دمار الطبيعة والتحول إلى التكاتف الكامل لمحاولة النجاة.
الفيلم حقق إيرادات ممتازة عالميا، وترشح إلى مجموعة من الجوائز الدولية، حصد منها خمس جوائز، ووُزِّع في العديد من دور العرض العالمية خارج كوريا الجنوبية، وعُدَّ واحدا من أهم أفلام الكوارث الطبيعية التي أنتجتها السينما الآسيوية خلال العقدين الماضيين.
هذه الأفلام تذكرنا بأن مجرد مشاهدة الزلازل وأحداثها ونتائجها على الشاشات، سواء من خلال متابعة أخبارها أو مشاهدة أفلام خيالية تعكس تلك التجارب، يمكن أن يكون ذلك بالفعل مثيرًا للقلق والفزع. إذا كانت هذه هي الأمور التي يمكن للأفلام أن تقدمها، فما بالك عند تجربتها على أرض الواقع؟ فالزلازل تظل تلك الظاهرة الطبيعية القوية التي تثير الخوف والتوتر لدى البشر، سواء على الشاشة أو في حياتهم اليومية.