سياسات وممارسات تقوض أحلام الغزيين في الأردن

سياسات وممارسات تقوض أحلام الغزيين في الأردن
الرابط المختصر

اكد مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أهمية تحسين مستوى تمتع “الغزيين” بحقوقهم في مجالات العمل والصحة والتعليم، باعتبارهم مكونا أساسيا من مكونات المجتمع الأردني، لافتا الى ان سياسات وممارسات تساهم في زيادة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عليهم ستعمق حرمانهم من حقوقهم الإنسانية الأساسية.

 

ودعا المركز، في تقرير صدر عنه الاحد، الى الالتزام بالتعامل مع الغزيين المقيمين في الأردن وفق معايير حقوق الإنسان المتعارف عليها، والتزاما أيضا بقرارات جامعة الدول العربية التي تطالب بالتعامل مع كافة اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الدول العربية بشكل مساوٍ لأبناء البلد المقيمين فيه في مجالات الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية.

 

وطالب بإلغاء فكرة التعامل مع الغزيين في سوق العمل باعتبارهم عمال مهاجرين (وافدين)، فهم لم يأتوا إلى الأردن للعمل بخيارهم، ولا يمتلكون خيار العودة إلى وطنهم بإرادتهم، الأمر الذي يترتب عليه إلغاء قرار وزارة العمل القاضي بإلزامهم بإصدار تصاريح عمل، والسماح لهم بالعمل في كافة المهن المتاحة.

 

وطالب التقرير بضرورة توسيع نطاق الخدمات الاجتماعية والاغاثية التي تقدمها وكالة الغوث UNRWA للاجئين من أبناء قطاع غزة، بسبب الظروف الصعبة التي يعانون منها. الى جانب تحمل السلطة الفلسطينية لمسؤولياتها تجاه رعاياها من الفلسطينيين أبناء قطاع غزة بسبب الظروف الصعبة التي يعانون منها.

 

وقال التقرير، الذي تناول حقوق ابناء غزة في مجالات العمل، التعليم، والصحة: “يجب السماح للغزيين بالاستشفاء بالمؤسسات الصحية الرسمية الأردنية أسوة بالأردنيين، حيث لا يوجد إمكانيات مالية عند غالبيتهم لتحمل نفقات العلاج والاستشفاء في القطاع الخاص، كما يجب السماح لهم بالالتحاق بالنظام التعليمي الرسمي بكافة مراحله، أسوة بالأردنيين”.

 

ولفت التقرير الى ان المتابع لظروف حياة”الغزيين” في الأردن، يدرك تماما انهم أينما يولون وجوههم يواجهون تمييزا، سواء في سوق العمل أو في مجالات حصولهم على حقوقهم في التعليم والصحة والحياة اللائقة، ورغم أن البعض يقف عند كلمة “حقوق” فيما يخص “الغزيين” في الأردن انطلاقا من عدم انطباق شروط “المواطنة”عليهم كونهم غير أردنيين، إلا أن مجمل منظومة حقوق الانسان العالمية، بما فيها حقوق اللاجئين، تؤكد على أن الأجانب بمن فيهم اللاجئين تنطبق عليهم مجمل معايير الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية،وقد التزم الأردن بما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب الإعلان العالمي المتعلق بحقوق الإنسان للأفراد الذين ليسوا من مواطني البلد الذي يعيشون فيه، والمتخذ بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/144 بتاريخ 13 كانون الأول 1985 الذي اكدت ديباجته على: ” ينبغي تأمين حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المنصوص عليها في الصكوك الدولية بالنسبة للأفراد الذين ليسوا من مواطني البلد الذي يعيشون فيه” وأكد الإعلان على حق اللاجئين في التمتع بالحقوق والحريات الأساسية.

 

فيما يخص حقهم في العمل، يقول التقرير ان السياسات الحكومية تتعامل مع “الغزييين” باعتبارهم عمال مهاجرين (وافدين)، مع أن سمات العامل المهاجر لا تنطبق عليهم، باعتبارهم لم يحضروا الى الأردن للعمل بمحض إرادتهم، ولا يستطيعون مغادرة الأردن والعودة إلى قطاع غزة وقت ما يريدون، وبذلك يتم حرمانهم من العمل في مئات الوظائف التي يتم تصنيفها بالوظائف “المغلقة”، ليجدو أنفسهم مضطرين للعمل في القطاع غير المنظم، والذي لا يتمتع العامليم فيه بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، وتشمل المهن المغلقة كافة المهن الإدارية والمكتبية والهندسية والطبية والتعليمة، وهم كذلك محرومون من العمل في المؤسسات والشركات الكبيرة.

ورغم أن “الغزيين” يحصلون على شهادات علمية في كافة القطاعات، إلا أن سوق العمل المتاح محدود للغاية، ولذلك عادة ما يدخل الغزيون هذه القطاعات بشكل غير قانوني ويصبحون فريسة سهلة لانتهاك حقوقهم العمالية، ويؤكد التقرير المؤسسات الرسمية تتعامل مع العاملين الغزيين بشكل غير مستقر، فأحيانا يتم التشدد في منعهم من العمل، وأحيانا يتم غضّ الطرف عن العمل حتى في المهن المغلقة بحسب التقرير.

 

وأفاد التقرير أن قرار وزارة العمل الذي صدر عام 2016، وضع قيودا اضافية على أبناء قطاع غزة المقيمين في الأردن، يجبر القرار أبناء قطاع غزة العاملين والراغبين بالعمل على إصدار تصاريح عمل، رافقه قرار صدر عن وزارة التربية والتعليم يمنعهم من العمل في المدارس الخاصة، استنادا إلى قرار كانت أصدرته الوزارة في عام 2015 ولم يتم تطبيقه حينها، لكنها عادت لتطالب بتطبيقه.

 

أدت هذه القرارات إلى اعتراض واحتجاج العديد من “الغزيين” آنذاك، فأعلنت وزارة العمل إعفاء أصحاب العمل من دفع رسوم إصدار تصاريح العمل للغزيين، ولم تلغِ قرار إلزامهم بإصدار تصاريح عمل. وعلى أرض الواقع ما زالت سياسة التغاضي من قبل بعض أصحاب الأعمال وبعض موظفي وزارة العمل قائمة، مما يوقع الآلاف من الغزيين أمام المزاجية في التعامل معهم، بحيث لا يعرفون الطريقة التي يتم من خلالها الدخول في سوق العمل، وهذا ينطبق أيضا على الفلسطينيين المقيمين في الأردن ولديهم جوازات سفر أردنية خمس سنوات بدون أرقام وطنية، وينطبق كذلك على أبناء الأردنيات منهم، الأمر الذي يدفع بضرورة المطالبة بإلغاء قرار وزارة العمل الذي صدر في بداية عام 2016 والذي يطالب الغزيين والفلسطينيين المقيمين في الأردن إقامات دائمة بإصدار تصاريح عمل.

 

وبين التقرير ان الانخراط في سوق العمل بالنسبة للغزيين يكتنفه العديد من القيود والمحددات، فهم يجدون أنفسهم مضطرين للانخراط في المهن اليدوية مثل ورش النجارة والميكانيك والحدادة والمحلات التجارية البسيطة …الخ، مؤكدا ان هذه القطاعات لا يتمتع العاملين فيها بأي شكل من أشكال العمل اللائق، سواء من حيث توفر فرص عمل كافية أو الضمان الاجتماعي أو شروط الصحة والسلامة المهنية وغيرها من معايير العمل اللائق المتعارف عليها، صحيح أن قطاعات واسعة من العاملين في الأردن بمن فيهم الأردنيين العاملين في هذه القطاعات يعانون من ذات الظروف، إلا أن الخيارات أمام الغزيين لتغيير وظائفهم أو التطور فيها محدود للغاية.

 

ويوضح التقرير أن الغزيين المقيمين في الأردن غير منتفعين من التأمين الصحي الحكومي، وأن “الأونروا”، التي تعتبر المزود الرئيسي للخدمات الصحية للغزيين في الأردن، وخاصة الذين يقطنون داخل مخيمات اللاجئين، توفر الخدمات الصحية الأولية، إلى جانب الرعاية الطبية للأمراض المزمنة لمرضى السكري والضغط، إلى جانب تغطية جزء من نفقات الاستشفاء في المستشفيات الحكومية في إطار نظام خاص، وهي لا تفرق بين اللاجئ الفلسطيني الذي يحمل الجنسية الأردنية أو الذي لا يحملها مثل الغزيين، حيث تغطي وكالة الغوث ما نسبته 75% من هذه النفقات بسقف 100 دينار لكل حالة للاجئين العاديين، و95% من النفقات بسقف 200 دينار لكل حالة للاجئين المسجلين لديها باعتبارهم فقراء (حالات العسر الشديد)، ويشمل ذلك حالات الولادة.

 

وكانت بعض الحكومات الأردنية السابقة قد سمحت لعشرات الحالات التي تعاني من أمراض صعبة مثل أمراض القلب والقصور الكلوي والسرطان من تلقي العلاج بمختلف مستوياته في المستشفيات الحكومية والخدمات الطبية الملكية، وتم التعامل معهم كأردنيين، إلا أن ذلك كان لفترات زمنية قصيرة، سرعان ما تم وقفها.

 

ويشير التقرير انه في الوقت الذي يسمح لأبناء قطاع غزة المقيمين في الأردن الاستفادة من الخدمات التعليمية الحكومية، سواء التعليم الأساسي أو الثانوي أو التدريب المهني، إلا أن الملاحظ أن نسبة غير الحاصلين على التعليم من أبناء غزة تزداد طرديا مع التقدم في مراحل التعليم، وهذا راجع إلى زيادة التعقيدات أمام التحاقهم بها، وإذا ما أردنا استعراض كل مرحلة من مراحل التعليم نجد أن سكان مخيم غزة أغلبهم لا يرسلون أبنائهم لرياض الأطفال، ويفضلون الانتظار لحين البدء بالتعليم الأساسي، وهذا مرده أن “الأونروا”، لا توفر تعليم لمرحلة رياض أطفال، وغالبية الأهالي بطبيعة الحال لا يستطيعون تحمل كلفة إرسال الأطفال إلى روضات خاصة.

 

وحسب بعض المعلمين العاملين في مدارس المخيم، فإن نسبة التسرب من المدارس بعد سن الرابعة عشر تبدو أكبر في مخيم غزة، ويعتقد الأهالي أن ذلك يعود لرغبة الأهالي بإرسال الأبناء الذكور إلى سوق العمل، والإناث للمساعدة في الأعمال المنزلية أو لتزويجهن. وفي الوقت الذي يسمح للغزيين الالتحاق بالمدارس الحكومية الأساسية والثانوية في مختلف مناطق المملكة، فإنهم يدفعون أثمان الكتب المدرسية التي يستلمونها من مدارسهم على خلاف الطلبة الأردنيين،و كذلك يسمح لهم يالالتحاق بمراكز التدريب المهني، إلا أنهم يدفعون رسوما مضاعفة عن الرسوم التي يدفعها الأردنيون، بحيث يدفع الأردني 30 دينارا عن كل فصل دراسي، بينما يدفع الغزي 60 دينارا.

 

ويسود شعور لدى بعض الأهالي أنه لا جدوى من الضغط على أنفسهم لتعليم الأبناء، مستشهدين بذلك بحالة مئات الخريجين من أبناء المخيم، العاطلين عن العمل، ونسبة لا بأس منهم يعملون في مهن ليست لها علاقة بشهاداتهم، فخريج الهندسة يعمل في متجر لبيع الألبان، وخريج المحاسبة يعمل في محل لبيع الأجهزة الخلوية، وهكذا كما يذكر التقرير.

 

 

وبالنسبة للتعليم الجامعي، لا يسمح للناجحين في الثانوية العامة التقدم للمنافسة على المقاعد في الجامعات الحكومية، وعدد محدود من الناجحين المتفوقين منهم يحصل على مكرمة المخيمات، والتي تمكنهم من الالتحاق بالجامعات الحكومية، دون تغطية نفقاتها، أما البقية فيسمح لهم بالتقدم على البرنامج الدولي الذي تفوق رسومه أي برنامج جامعي آخر، والبعض يلتحقون بالجامعات الخاصة إذا توفرت لهم الإمكانيات المالية لذلك.

أضف تعليقك