سياسات الدعم ... مرة أخرى
تصريحات رئيس الحكومة حول دعم الكاز للفئات الفقيرة خلال فصل الصيف تعبر عن إدراك الحكومة لطبيعة الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها الشريحة الأكثر فقرا في الأردن ، و من الصعب الاعتراض على سياسة من هذا النوع ، فهي تذهب لمستحقيها من الفقراء ، وتخصص لهم من خلال أدوات مباشرة فيها الكثير من الاحترام ، وعلى الذين كانوا يتندرون ذات يوم على البطاقة الذكية مراجعة مواقفهم ، فالتكنولوجيا ليست حكرا على الأغنياء ، بل يمكن توظيفها لخدمة الفقراء وذوي الدخل المحدود. فكرة الدعم المباشر الذي لا يخلق تشوهات في السوق هي الأفضل ، فأثرها يبقى محدودا على الخزينة ، وأيضا أثرها واضح ومباشر ، نورد هذه المقدمة ونعود لمسح الدخل ونفقات الأسرة لعام 2006 ، ذلك المسح أظهر أن أفقر فئة في المجتمع الأردني زادت حصتها من الاستهلاك بنسبة جيدة قياسا بالفئات والطبقات الأخرى في المجتمع ، والسبب الرئيسي لذلك ليس تحسن رواتب وأجور تلك الفئة بقدر ما هو اثر الدعم المباشر والتحويلات من الخزينة. إلى هنا ينتهي الحديث عن سياسات الدعم بشكل ايجابي ، إذ لا يمكن التوسع في برامج الدعم ، ولا يجب التوسع في تلك البرامج التي تجذب الشعبية للحكومة ولكنها تجلب المشاكل للميزانية المثقلة بأعباء العجز المالي ، كذلك من شأن تلك البرامج رفع سقف توقعات المواطنين ذوي الدخل المحدود وهو ما سيؤثر سلبا على شعبية الحكومة باتجاه معاكس لما تسعى إليها سياساتها. جانب من الحل والخروج من دور الدولة الراعية ، هو تحسين ظروف العمل للفئات الفقيرة والشروط المرافقة لفرص العمل الجديدة التي يولدها الاقتصاد ، وحتى الآن فإن التركيز هو على توليد فرص عمل كمية وليس نوعية ، هذه الفرص وبسبب رداءة الشروط المرافقة لها لا تذهب للأردنيين الذي يعزفون عنها ، والحال كذلك فإن برامج الدعم غير المرتبط ببرامج لتعزيز الإنتاجية تساهم في جانب بتخفيف أثر التضخم الجامح الذي يعصف في الاقتصاد ، ولكن هذه السياسات تساهم على نحو ما بمأسسة الفقر ، كذلك وهذا الأهم فإنها غير مستدامة ، أي أن ضغوطات الموازنة يمكن أن تؤدي الى إجراءات صعبة ، وثبت في السابق أن الإجراء الأصعب في الأردن هو التراجع عن بعض برامج الأمن والعون الاجتماعي.
بقي أن برامج الدعم تكشف في جانب منها عدم قدرة النمو على تحسين مستويات المعيشة بشكل غير مباشر ، وهذا يتطلب إعادة النظر بآليات النمو تجاه توزيع أكثر عدلا لثماره من خلال سياسات ضريبية وتسعيرية والنظر بجدية الى تركيبة الأسواق السائدة. برامج الدعم جيدة ولكن بالتوازن معها يجب العمل على تعزيز الإنتاجية لأن ذلك المخرج الوحيد على المديين المتوسط والطويل من المعضلة التي تجعلنا نراوح مكاننا منذ فترة.
*الدستور