سيارات ايطالية فارهة
نقلت الصحف الأردنية خبراً اقتصادياً مثيراً للنخبة الأردنية التي تنتظره على أحرّ من الجمر، ويدور حول ظهور السيارات الايطالية الفارهة والحديثة والمتطورة ذات الثمن العالي قريباً في الشوارع الأردنية.
والغريب فعلاً أننا نشاهد الشوارع الأردنية مكتظة بالسيارات الفارهة والسيارات ذات الدفع الرباعي، وذات الاستهلاك الكبير للوقود، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الوقود بشكل خرافي يفوق مخيلة الأغلبية الساحقة للشعب الأردني.
وما أود قوله أنني عندما كنت في زيارة لإيطاليا قبل عامٍ تقريباً للمشاركة في أحد المؤتمرات، كان مما راعني أنّ الشوارع الإيطالية مليئة بالدراجات والسكوترات، وهي الوسيلة الأكثر استعمالاً والأكثر شيوعاً بحيث أصبحت سمة غالبة وواضحة، والشيء الآخر الملفت للنظر شيوع استعمال سيارة صغيرة تحوي مقعدين فقط، ذات كفاءة عالية من حيث القوة، ومن حيث القدرة على توفير قدر كبير في استهلاك الوقود، ومتوافرة بشكل كبير وواسع لدى الايطاليين بحيث تراها في كل مكان.
في ظل تراجع الدخول وتآكلها لدى الغالبية الكبيرة للشعب الأردني، وفي ظل هذا الارتفاع الجنوني لأسعار الوقود كنت أتوقع أن تتنافس الوكالات التجارية والتجار المعنيون في السباق نحو استيراد هذه السيارة اللطيفة التي تحل مشكلة الموظفين وطلاب الجامعات، وتخفف من استهلاك الوقود أولاً وتخفف من حدة الازدحام ثانياُ.
ولكن فيما يبدو أننا نعاني من مشكلة ثقافية في الأصل، وأنّ الثقافة السائدة والمفروضة علينا في هذا المجال هي سبب المعاناة الأكبر فيما نعاني، والتي تتلخص تحديداً في ثقافة الاستهلاك ، فقد أصبحنا شعباً يتنافس في العادات الاستهلاكية تنافساً محموماً، وأصبحنا أسرى لعادات وأنماط اجتماعية تقوم على المظاهر والشكليات، والتباهي والتفاخر ولو بالدين الذي يكسر الظهر، ويحول دون التوجه الحقيقي نحو ثقافة ترشيد الاستهلاك، والحد من الإنفاق غير المبرر وغير المجدي ويحول دون التفكير في طرق التوفير والتخطيط الجيد لمسيرة العائلة الاقتصادية.
فالواحد منا يشعر بنشوة كبيرة وهو يقود سيارة عالية وكبيرة وينظر باستخفاف نحو السيارات الصغيرة من حوله، ويصيبه شعور بأنه صاحب الطريق، وسلوك المسرب الذي يريد في الوقت الذي يريد، ولا يجوز للسيارات الصغيرة منافسته أو التقدم عليه في الطريق. وفي المقابل يشعر الواحد منا بالمهانة ربما لو كان في سيارة صغيرة تتسع لمقعدين فقط، مع أنها تحقق الغرض وتوفر الوقت.
كل مظاهر التقدم التي نشاهدها في الشارع الأردني، في أغلبها هي مظاهر شكلية استهلاكية. سواء في الأفراح والأعراس وظهور عادة الصالات التي تبعد عن مكان إقامة العروسين عشرات الأميال، فربما يكون إقامة العريس في باعون والعروس في عرجان وصالة العرس في عمان أو إربد. وكذلك التسابق في اللباس والبدلات والفساتين وصالون التزيين الذي يستهلك (18) ساعة من وقت العروس، ثمّ عرّج على موضوع الخلويات ومتابعة النماذج الحديثة والمتطورة، وانظر في فاتورة الاتصالات لأفراد العائلة المجتمعين التي لم تكن حتماً في الحديث عن متابعة مصانع إنتاجية أو وصول شحنات أو مغادرتها من الميناء.
أما لو نظرنا إلى عادات الاستهلاك في البناء والفلل والقصور والأبراج فهي تتويج لأبرز مظاهر الاستهلاك الفردي والشعبي والرسمي التي استهلكت أرصدة الأردنيين وأموالهم وثمرة شقاء أعمارهم في أصول غير منتجة.
نحن بأشد الحاجة إلى إرساء ثقافة جديدة، تقوم على حسن التقدير وحسن التصرف بالمال والوقت، الذي ينبع من عقيدتنا التي تحارب مظاهر السرف وأنماط التفاخر والمباهاة، والميل نحو التواضع والبساطة، ونحن بحاجة إلى أن نرسي ثقافة الإنتاج في نفوس الأجيال القادمة التي تعزز التنافسية في مجال الإبداع والابتكار في كيفية توفير الوقت والعمر، وتخفيض أنماط الاستهلاك غير الضرورية، والبحث عن البدائل غير المكلفة، التي تعود علينا جميعاً بالخير والبركة، ولا بد أن يتعاون في ذلك البيت والمدرسة والجامعات والمؤسسات الإعلامية والتلفاز، والمنتديات الثقافية، والعلماء والكتاب والصحفيون وكل صاحب كلمة وقلم وموقف في مجتمعنا الأردني الواعي.
*الرأي